رجاء النقاش يعود إلى الذاكرة

كتاب يرصد جهوده في «نقد الشعر» مع ذكرى رحيله

رجاء النقاش يعود إلى الذاكرة
TT

رجاء النقاش يعود إلى الذاكرة

رجاء النقاش يعود إلى الذاكرة

وهو يتتبع المسيرة الرائعة لشاعر تشيلي العظيم بابلو نيرودا في كتابه «شعراء عالميون»، يخلص الناقد المصري الراحل رجاء النقاش من قراءة تعريفات نيرودا عن الشعر إلى أن «الشعر سيف ومنديل»، وذلك «حتى يمكن لهذا الشعر أن يجفِّف العَرَق بعد الجهد والآلام الكثيرة، وأن يكون سلاحاً في معركة الخبز». هذا الانحياز الإنساني الوظيفي لدور الشعر والشاعر في خدمة البشر والقضايا العادلة، لم يألُ النقاش جهداً في التأكيد عليه في كل كتاباته عن الشعر، فلديه «الشعر ضرورة للناس جميعاً».
ولترسيخ هذا الدور الكبير للشعر سيفاً ومنديلاً، قدَّم النقاش (1934 - 2008)، الذي مرَّت في شهر فبراير (شباط) الماضي ذكرى وفاته العاشرة، إسهامات كبيرة محبة خادمة وفاهمة وواعية بضرورة الشعر وحاجتنا البشرية إليه، جاسراً في كل كتاباته وطروحاته النقدية الصحافية ذات اللغة المبسطة والمشوقة والقريبة والعميقة في الآن نفسه، ما يتخيله البعض فجوة بين الشاعر والمتلقي، مقدِّماً بذلك خدمات جليلة سواء للقارئ العربي أو للشعراء أنفسهم، لا سيما أنه كان كشافاً لعدد كبير من الشعراء (على رأسهم الشاعر محمود درويش «شاعر الأرض المحتلة» ونظراؤه)، إلى جانب حماسه المعروف عنه لشعراء الستينات منذ بزوغ أزهارهم الأولى.
وبالتزامن مع الذكرى العاشرة لرحيله، صدر عن الهيئة العامة للكتاب في مصر، كتاب «نقد الشعر عند رجاء النقاش» لمؤلفه الأستاذ الأكاديمي رجب أبو العلا، متخذاً من الأطروحات والمواقف والقضايا التي ناقشها رجاء النقاش في كتاباته عن الشعر والشعراء مجالاً لتقديم رؤية شاملة عن النقاش ناقداً للشعر.
كان الشعر هو الميدان المحبَّب للناقد الراحل، تمتع برصيد كبير بين مؤلفاته، على رأسها كتابه «ثلاثون عاماً مع الشعر والشعراء» و«شعراء عالميون... دراسات حول نيرودا وكفافي وطاغور ورسول حمزتوف» و«محمود درويش شاعر الأرض المحتلة» و«أبو القاسم الشابي شاعر الحب والرومانسية» وغيرها من المؤلفات والأسفار التي جمع فيها مقالاته الصحافية التي نشرها طوال مسيرته في العشرات من المجلات والصحف المصرية والعربية.
ولعل أبرز ما يتسم به نقد رجاء النقاش جَمْع صاحبه بين صفتي الناقد والصحافي، وحضوره الكبير في ريادة الصحافة الثقافية العربية، وهو ما طبع كتاباته عموماً، وبالأخص عن الشعر، بطابع شعبوي، فهو يكتب في الأغلب للصحافة السيارة، وبالتالي للقارئ غير المختص، ولذا ينحاز للغة المبسطة البعيدة عن التعقيد النقدي والأكاديمي، وهو ما يتتبعه مؤلف كتاب «نقد الشعر عند رجاء النقاش»، مبرزاً اختلاف الناقد الراحل مع الطرح القائل إن «النقد الحق هو ذلك النقد الذي يدور في رحاب الجامعة»، ومنحازاً إلى «أن الذوق والإبداع ليس حكراً على أحد»، ومحاولاً «كسر حاجز الجمود وفك الأغلال التي فرضت سيطرتها على النقد الأدبي... فأصابته بالعقم والشلل التام، وجعلته عاجزاً عن النهوض والحركة»، كما يشير مؤلف الكتاب.
رجاء النقاش ذاته كان مصرّاً على التأكيد على اختلاف ما يقدمه عن النقد الأكاديمي، بل إنه ينصح في مقدمة كتابه «شعراء عالميون» مَن أراد منه تقديم «دراسة منظمة أكاديمية دقيقة» بالبحث عن كتاب غير هذا الكتاب، مؤكداً أن عمله هو «رحلة حرة ونوع مع الحياة مع الشعراء الأربعة (نيرودا وحمزاتوف وطاغور وكفافي) دون التقيد بمنهج أكاديمي صارم»، فرحلته «نوع من الحياة في حدائق هؤلاء الشعراء يتنقل فيها بحرية كاملة... أصحبهم صحبة الصديق أو التابع المحب العاشق»، وهو ما يخلق حالة البراح التي يتعامل فيها المثقف الراحل مع الشعر.
يخصص الدكتور رجب أبو العلا الفصل الأول من كتابه عن مفهوم الشعر عند رجاء النقاش، كما يعدد الأدوار التي يوجِب النقاش على الشاعر الالتزام بها، على رأسها «التعبير عن المجتمع»، بل إنه يصل إلى أن للشعر لديه «وظيفةً أسريةً»، مستنداً لمقالة له بعنوان «قصيدة تمنع الطلاق»، حيث لجأت الشاعرة منيرة توفيق لكتابة قصيدة لاستعادة زوجها من الطلاق المحتوم.
ويبرز الكتاب الجديد بعض القضايا التي أثارها النقاش، على رأسها رأيه في «قصيدة المدح العربية»، وتبنيه رأياً مختلفاً في مدائح المتنبي، وتبريره للشاعر العربي مدحه سيف الدولة ثم هجره له، ثم مدحه حاكم مصر كافور الإخشيدي، ثم سبه وذمه، دافعاً بأن المتنبي كان يجمع بين صفتي الشاعر والسياسي في الوقت ذاته، فهو يحمل إلى جانب طموح الشعر «طموح رجل سياسي له مبدؤه ورغبته في حماية الأرض العربية».
في المقابل، لا يضيء الكتاب النقدي الجديد حول عدد من القضايا الأخرى والمعارك الشهيرة التي خاضها رجاء النقاش، أهمهما معركته ضد أدونيس، حيث شنّ ضده هجوماً عنيفاً، وكال له الاتهامات، وهو ما قابله الشاعر السوري بحملة من الشتائم ضد النقاش في حوار للأخير في مجلة «الشعر»، أجراه معه الشاعر المصري أحمد الشهاوي.
وأشعل النقاش فتيل المعركة الأدونيسية بمقال له بعنوان «أيها الشاعر الكبير... إني أرفضك»، مكيلاً الاهتمامات لأدونيس لرفضه دعوة من وزارة الثقافة المصرية بحجة الموقف السياسي المصري من إسرائيل، ثم عودته لزيارة القاهرة، ليحل ضيفاً على محافلها، وهو ما رأى الناقد فيه تناقضاً دعاه للرد على هذا الموقف بمقال عنيف، وصم في آخره أدونيس بأنه «كاره للعرب ووحدتهم ورافض للتراث الإسلامي وليس لديه ذرة من التعاطف مع مصر ودورها الرائد في الثقافة العربية والإسلامية».
هذه المواجهة النقاشية - الأدونيسية استرعت اهتمام كثير من المتداخلين العرب، بعضها كان دفاعاً عن أدونيس، من بينها مداخلة من الدكتور جابر عصفور، ومداخلة من «صديق يمني»، كما يصفه النقاش، رأى في هجوم الناقد على الشاعر نكوصاً عن دوره التجديدي.
ولم تكن المواجهة الأدونيسية الوحيدة التي خاضها النقاش، ولكن كتابه «ثلاثون عاماً مع الشعر والشعراء» مليء بمثلها، منها هجومه الضاري على «موجة الحداثة» ممثلة في مجلة «شعر» اللبنانية، وخصوصاً أنسي الحاج وأدونيس، وذلك في مقال له بعنوان «ظاهرة العبث في الشعر العربي المعاصر»، واصفاً أنسي الحاج بأنه «شاعر ضعيف الموهبة».
كما يتصدى النقاش لمواجهة أخرى وهي اتهام أمل دنقل بسرقة محمد الماغوط، وذلك في مقاله «أمل دنقل والماغوط سرقة أم تأثر؟!»، عارضاً رسالة من الأديب اليمني عبد الرحمن الوزير يتهم فيها أمل بالسطو بشكل يكاد يكون حرفياً على بعض أسطر شعرية للماغوط، واستلهامه كثيراً من روح القصائد، ضارباً بعض الأمثلة، منها قول الماغوط: «من هذا الشبح الراقد على الأرض. والنمل يتجاذب مسبحته ومنديله وخصلات شعره». وقول أمل دنقل: «من ذلك الهائم في البرية ينام تحت الشجر الملتف والقناطر الخيرية» وغيرها من المقاطع. ويتصدى النقاش لهذه القضية بالتأكيد على أن ما بين أمل والماغوط هو تأثُّر من الأول بالثاني، يدعمه ما بين الشاعرين من تشابه في الطبيعة الفنية والطبيعة الشخصية، وهو تأثر مشروع وليس له علاقة بالسرقات الأدبية.
وفى فصل بعنوان «بين عبد الناصر ونزار قباني»، يروي النقاش وقائع منع الشاعر نزار قباني من دخول مصر، جراء قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» التي تمت مصادرتها، وشنّت أوساط قريبة من السلطة حملة عنيفة على الشاعر، كان في مقدمتها الشاعر صالح جودت، أدت لمنع إذاعة أغاني نزار قباني، ومنع اسمه من أجهزة الإعلام.
ويروي النقاش تفاصيل لقاء له مع نزار في بيروت تحدث خلالها الأخير عن ألمه وضيقه مما يحدث له في مصر جراء قصيدته، وهنا طرأت على رأس النقاش فكرة أن يكتب نزار رسالة شخصية لجمال عبد الناصر يحملها هو ويوصلها إلى دوائر السلطة، وهو ما تم بالفعل، ويرد عبد الناصر بخط يده على رسالة نزار بـ«يُلغى قرار المصادرة بالنسبة للقصيدة. ويُرفع أي حظر على اسم نزار أو أي قرار يمنعه من دخول مصر».
وفى مقالة بعنوان «لماذا يتراجع المجددون؟!» يناقش رجاء النقاش ظاهرة من أغرب الظواهر، ممثَّلَة في الشاعرة نازك الملائكة التي كانت من أقوى أصوات التجديد في الأدب العربي، وكانت صاحبة أول صيحة مؤثرة في الدعوة لحركة الشعر الحر، إلا أنها بعد ما يقرب من 20 عاماً على دعوتها التجديدية عادت وتراجعت عنها تراجعاً كاملاً، ووصل بها الأمر للقول إن «تيار الشعر الحر سيتوقف في يوم غير بعيد... وسيرجع الشعراء إلى الأوزان الشطرية بعد أن خاضوا في الخروج عنها والاستهانة بها...».، ويرجع النقاش ظاهرة التراجع هذه لأسباب من بينها تقدم العمر بهؤلاء المفكرين، ممثلاً بمواقف لطه حسين من الشعر الجاهلي والشيخ علي عبد الرازق ومحمد حسين هيكل والعقاد الذي بدأ حياته أيضاً داعياً للتجديد قبل أن يعود ليقف في وجه حركة التجديد، وبالأخص ضد قصيدة الشعر الحر.
ويأخذ صاحب كتاب «نقد الشعر عند رجاء النقاش» على الناقد المصري عدداً من الملحوظات، منها «اعتماده على الذاكرة، وهو ما يوقعه في بعض الأخطاء» و«انعزاله في الفترة الأخيرة من حياته عن متابعة الجديد في الحركة الشعرية»، ولكن الدكتور رجب أبو العلا يتغافل عن أحكام نقدية عامة يسقط فيها النقاش، وآراء غير محسوبة، من بينها وصمه الشاعر اللبناني أنسي الحاج صاحب التجربة المهمة بـ«ضعف الموهبة»، وذلك في الحين الذي نجده ينحاز لشعراء آخرين في المشهد الشعري العربي.



«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».