مصر: إعادة تشكيل «بيت العائلة» لتعزيز دوره في التصدي للتطرف

المفتي: مُصطلح الجهاد الحقيقي تمت سرقته على يد «الإرهابيين» بإساءة فهمه

TT

مصر: إعادة تشكيل «بيت العائلة» لتعزيز دوره في التصدي للتطرف

في خطوة عدها مراقبون «مهمة للتصدي لفتن الجماعات الإرهابية التي تحاول الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين من وقت لآخر»، تمت إعادة تشكيل مجلس أمناء «بيت العائلة المصرية»، برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية.
و«بيت العائلة المصرية» هيئة وطنية مستقلة، تعمل على نشر ثقافة التعايش السلمي والمحبة في المجتمع المصري، وتم تدشينه عقب حادث تفجيرات كنيسة القديسين في الإسكندرية مطلع عام 2011، قبل ثورة «25 يناير (كانون الثاني)»، التي أطاحت بنظام حكم حسني مبارك.
وقال مصدر في مشيخة الأزهر لـ«الشرق الأوسط»، إن «بيت العائلة» يهدف إلى الحفاظ على النسيج الوطني للأمة المصرية، والتصدي لكل محاولات بث الفرقة بين أبناء الوطن، وذلك من خلال العمل على ترسيخ قيم المواطنة والتسامح، والتعايش المشترك بين أبناء الوطن في الداخل والخارج.
ويضم التشكيل الجديد لمجلس الأمناء في عضويته: الدكتور حمدي زقزوق رئيس مركز الحوار بالأزهر عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، والدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، والأنبا أرميا الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي، والأنبا إسحق إبراهيم بطريرك الأقباط الكاثوليك، والقس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية، والمطران منير حنا رئيس الكنيسة الأسقفية في مصر وشمال أفريقيا. كما يضم مجلس أمناء «بيت العائلة المصرية» في تشكيله الجديد أيضاً، إبراهيم محلب مساعد الرئيس المصري للمشروعات القومية والاستراتيجية، ووزراء: الأوقاف، والثقافة، والشباب والرياضة، والهجرة، وشؤون المصريين في الخارج، فضلاً عن الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، ومفيد شهاب وزير الشؤون القانونية الأسبق وأستاذ القانون الدولي، ومحمد عبد السلام المستشار القانوني والتشريعي لشيخ الأزهر عضو مركز الحوار بالأزهر، والأنبا يوحنا قلته النائب البطريركي للأقباط الكاثوليك، وعدد من الشخصيات الكنسية الأخرى.
ويقول مراقبون إن «التشكيل الجديد لبيت العائلة يأتي في ظل الجهود المصرية الرامية لمواجهة الإرهاب، الذي يحاول دائماً إثارة الفتن بين أبناء الشعب المصري، خاصة في المناسبات الدينية». ومن هذا المنطلق يقوم «بيت العائلة» بدور توعوي باستخدام القوة الناعمة لمواجهة التطرف والإرهاب عن طريق تصويب الفكر.
ويؤكد المصدر في المشيخة أن «أبناء مصر نسيج واحد؛ لكن للأسف فإن بعض النفوس المغرضة لبعض الجماعات المتشددة تحاول بث الفرقة، وإشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد من حين لآخر، عبر الآراء والفتاوى المتشددة».
في غضون ذلك، قال شوقي علام، مفتي مصر، إن «مصطلح الجهاد الحقيقي تمت سرقته على يد الجماعات الإرهابية بإساءة فهمه واستخدامه... فالجهاد مصطلح إسلامي له مفهومه الواسع، وهو يطلق على مجاهدة النفس والهوى والشيطان، ويطلق على قتال العدو الذي يراد به دفع العدوان وردع الطغيان، كما يطلق على الحج، وعلى قول الحق في موضعه وفق الضوابط الشرعية».
وأضاف علام في تصريحات له أمس، أن جماعات التطرف والعنف اختزلت مفهوم الجهاد في القتال، واعتبرت أنه مقصود في نفسه، مع ترسيخهم المشبوه بأن الأصل في المعاملة بين المسلمين وغير المسلمين هي الحرب والقتل، مرددين جملة من الدعاوى المرجفة التي يخدعون بها الناس لتمويه أهدافهم الخبيثة؛ كقولهم: «الجهاد الآن فريضة معطلة أو غائبة»، وترويجهم بأن «ما يقومون به من تفجيرات وأعمال انتحارية هو بمنزلة إحياء لفرض الجهاد الإسلامي، وقد غفلوا عن أن الجهاد مُفعل دوماً، وعلى مر العصور وغير مُعطل؛ بل تناسوا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سمى القتال جهاداً أصغر، وجعل مجاهدة الهوى والنفس هو الجهاد الأكبر.
وأوضح علام أن الادعاء بأن مفهوم الجهاد في الإسلام مقصور على الحرب والقتال فقط: «هو ادعاء مخالف للحقيقة، وهذا الادعاء هو المطية التي يركبها المرجفون والمتطرفون في سوء فهمهم للإسلام، مع أن منهج الإسلام بعيد عن أفعالهم المنكرة، وإفسادهم في الأرض الذي يريدون إلصاقه بالجهاد، والجهاد منه بريء»، مشدداً على أن هذه الأفعال التي يرتكبها المتطرفون باسم الجهاد والدعوة إليه تعد من كبائر الذنوب؛ لأنها سفك للدم الحرام وقتل لنفوس الأبرياء من المسلمين، وغير المسلمين التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق.
وأكد مفتي مصر أن الجهاد في معناه الحقيقي هو «طريق لتحقيق السلم والعمران، وليس القتال والعنف، كما يتصور بعض ضعاف العقول، وبالغوص في معانيه فإنه ينبئ عن حقيقة الإسلام ذاتها، التي تقوم على أسس ثابتة وهي الإيمان والأخلاق والعمل، التي هي المعاني الحقيقية للجهاد... معاني نستطيع أن نجاهد من خلالها لنصل إلى العمران، ثم إلى السلام، فالجهاد فقه للحياة بمفهومه الشامل».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.