ليبيا: متطرفو درنة يفقدون الاتصال مع أبرز قادتهم

بينهم الذراع اليمنى لمختار بلمختار وضابط مصري مفصول كان ينشط في سيناء

جنود من الجيش الوطني الليبي خلال عرض عسكري في بنغازي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الوطني الليبي خلال عرض عسكري في بنغازي (أ.ف.ب)
TT

ليبيا: متطرفو درنة يفقدون الاتصال مع أبرز قادتهم

جنود من الجيش الوطني الليبي خلال عرض عسكري في بنغازي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الوطني الليبي خلال عرض عسكري في بنغازي (أ.ف.ب)

مع تقدم الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في مدينة درنة التي تسيطر عليها جماعات مسلحة في شرق البلاد، منذ عام 2011 كشفت مصادر أمنية، وأخرى على صلة بتحركات المتشددين، عن فقدان المقاتلين المتطرفين في المدينة ذات التضاريس الوعرة الاتصال مع أبرز قادتهم.
وقال ضابط في الاستخبارات العسكرية: «تمكنا من تدمير جهاز رئيسي ومتقدم تقنياً للاتصالات والمراقبة والتجسس كان يخص متطرفين في درنة». وأضاف أن من بين القادة الذين انقطعت اتصالاتهم بباقي المجاميع المسلحة في درنة، ضابط مصري مفصول من الخدمة، وعلى علاقة بجماعات متشددة في سيناء ومدن مصرية أخرى، يعرف بلقب «المهاجر»، وجزائري يلقب بـ«الأفغاني». وقال إن هذا الأخير «يعد الذراع اليمنى للجزائري مختار بلمختار»، أحد أكبر زعماء المتشددين في غرب أفريقيا.
أدى هجوم الجيش على درنة إلى ارتباك في صفوف الجماعات المتشددة التي كانت تتمركز في الجبال والوديان المحيطة بالمدينة. ووفقاً لمصدر قريب من أوساط الجماعات المسلحة، فقد المتطرفون في درنة، وهم من جنسيات ليبية ومصرية وتونسية وجزائرية وغيرها، قنوات الاتصال مع قادتهم.
وذكر المصدر أسماء قياديين مصريين قال إنهم استوطنوا درنة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وترأسوا مجموعات مسلحة، ويعرفون بألقاب «خُضير» و«سعيد» و«العسال» و«عبد الحق» و«أبو فاطمة». وقال إن معظمهم من تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي بايع «داعش» وغيّر اسمه إلى «ولاية سيناء».
وأضاف أن من بين القادة المختفين أيضاً شخصيات عربية جنسياتها غير معروفة. وذكر ألقاب عدد من هؤلاء من بينهم «أبو قتادة» و«الهواش»، إضافة إلى قيادي «مهم ومخضرم» يعرف في أوساط متشددي درنة بـ«جمال الدين».
ويعتقد أن «المهاجر» أصيب في قصف سابق قام به الجيش على مواقع المتطرفين في درنة، ثم اختفى في المدينة، قبل إطباق الجيش الحصار عليها أخيراً، مثل قادة آخرين مصريين وتونسيين. ويعتقد أن معظم هؤلاء انتقلوا إلى مناطق صحراوية في الجنوب والغرب، ومنهم «خضير» الذي أوقف مع مجموعة مقاتلين قرب طرابلس.
وحصلت السلطات الليبية على معلومات وفيرة من «خضير» تتعلق بتحركات عدد من قادة المتطرفين في درنة. لكن يبدو أن غياب التعاون بين السلطات الأمنية في غرب البلاد وشرقها يعيق الاستفادة القصوى من هذه المعلومات. ويوجد مسؤولون حكوميون في طرابلس كانوا ينتمون فيما مضى إلى جماعات مصنفة لدى دول عدة بأنها «إرهابية». ويعتقد أن بعضهم يقف وراء حملة ضد دخول الجيش درنة.
وحاول الجيش طوال أشهر إقناع قيادات بالمدينة بتدخله لفك الارتباط بين المسلحين المحليين والجماعات المتطرفة الأخرى، خصوصاً تلك التي تضم قياديين وعناصر من خارج ليبيا، إلا أن المفاوضات باءت بالفشل. ومع بدء العمليات العسكرية في المدينة، ارتفعت أصوات دولية تدعو إلى «إيصال المساعدات الإنسانية إلى درنة المحاصرة». وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في ليبيا ماريا ريبيرو في بيان، إن «النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية يتواصل ليصل إلى مستويات حرجة، وترد تقارير تفيد بنقص في الأغذية».
وأظهر الجيش تصميماً على تنفيذ خطته لاستعادة المدينة. فبالتزامن مع الهجوم العسكري واسع النطاق، وعد العناصر الإرهابية التي ستسلم نفسها بـ«محاكمة عادلة، خلافاً للعناصر التي يتم القبض عليها متلبسة بحمل السلاح ومقاومة القوات المسلحة الليبية والأجهزة الأمنية والانتماء إلى عصابات إرهابية». كما تعهد عدم معاقبة العائلة التي يتحدر منها الإرهابي.
وينفذ الجيش عملية معقدة لطرد المتطرفين من المدينة، بسبب اختلاط المقاتلين المحليين بآخرين أجانب مدربين جيداً ولديهم خبرات سابقة من معارك مماثلة في سيناء والعراق وسوريا والجزائر ومالي. وعثر الجيش على مخابئ لأسلحة متوسطة وثقيلة ومراكز اتصالات وأنفاق تحت الأرض. ويتقاسم معظم المقاتلين المحليين الرافضين لدخول الجيش، ضواحي المدينة ومداخلها الرئيسية، مع تمركزات لمقاتلين أجانب ينتمون إلى تنظيمات متطرفة مختلفة لها امتداد داخل ليبيا وفي دول الجوار.
ويفترض أن «خُضير» ما زال محتجزاً لدى السلطات القضائية الليبية، بالنظر إلى وجود ضغوط من دول إقليمية متهمة برعاية الإرهاب، للإفراج عن متطرفين محتجزين في غرب ليبيا بينهم «خضير» نفسه. ويقول مصدر في النيابة الليبية إن تحركات «خضير»، وفقا لما اعترف به لسلطات التحقيق، تبين إلى أي مدى يملك قادة المتطرفين في المنطقة، حرية الحركة عبر الحدود من خلال مطارات وموانئ بحرية.
وبحسب نصوص التحقيقات التي أمكن الاطلاع عليها، فقد ظل «خضير» على اتصال مع «المهاجر» في درنة حتى أسابيع قليلة مضت. وتنقل بين دول بالمنطقة مع مجموعة تتكون من نحو عشرين من «أنصار بيت المقدس» الفارين من سيناء المصرية، وكانت إحدى تلك الرحلات عبر طائرة شحن عسكرية. كما استخدم مرافئ بحرية من ساحل طرابلس إلى درنة مرات عدة.
وأقر «خضير» في التحقيقات بأنه تلقى ومجموعته تدريبات في معسكر يقع جنوب عاصمة لدولة مجاورة لليبيا من الجنوب لمدة تسعين يوماً. ثم انتقل إلى دولة خليجية متهمة برعاية الإرهاب، وأقام فيها مع مجموعته (نحو 20 عنصراً) لمدة أسبوع، ثم نقلوا جميعاً بالطائرة إلى دولة ثالثة مجاورة لليبيا أيضاً، ودخلوا ليبيا متسللين من الحدود البرية.
واستقر «خضير» ومن معه من مسلحين في بلدة صبراتة في غرب طرابلس، حيث وجد هناك مجموعات أخرى من «أنصار بيت المقدس» تقوم بتدريبات عسكرية وسط مزارع الزيتون. وفي تلك الأيام اجتاحت البلدة قوات من الجيش الليبي التابع لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، وتم طرد المتطرفين من صبراتة. وفر «خضير» ومجموعته وعشرات آخرين من «أنصار بيت المقدس» إلى منطقة الخُمس الساحلية الواقعة إلى الشرق قليلاً من طرابلس.
ويقول «خضير» في التحقيقات إن بقاءه في الخُمس لم يدم طويلاً، إذ انتقلت مجموعات «أنصار بيت المقدس» من المنطقة، عبر البحر، إلى درنة التي تبعد عن الحدود المصرية نحو 250 كيلومتراً. وفي درنة اجتمع مع «المهاجر»، وجرى تهيئة المجموعة كي تتسلل عبر الحدود المصرية لتنفيذ عمليات داخل مصر، إلا أن انتشار قوات من الجيش المصري على طول الحدود مع ليبيا وطلعات طيران المراقبة، حالت دون دخول «خضير» ومن معه إلى مصر.
وتفيد المعلومات بأن قادة المتشددين في درنة انقسموا إلى فريقين عقب ضربات الطيران التي وجهها الجيش الليبي خلال الشهور الثلاثة الماضية، لخمسة معسكرات على الأقل لتدريب المتطرفين. الفريق الأول اختار البقاء في المدينة والاعتماد على بناء التحصينات وحشد المقاتلين وتهديد السكان المناوئين لوجوده، مع تلقي الدعم المعنوي والإعلامي من بضعة مسؤولين في طرابلس، وذلك للتصدي لأي محاولة من الجيش لدخول درنة، والفريق الثاني اختار التسلل من درنة إلى وجهات أخرى.
وكان «خضير» و«سعيد» و«المهاجر» من الفريق الثاني، بينما فضل كل من «الأفغاني» (جزائري) و«جمال الدين» (جنسيته غير معروفة) و«أبو الليث» (مصري) و«صليل» (مصري) البقاء داخل درنة. وظل كل من «أبو الليث» و«صليل» يتمركزان مع عناصر موالية لهما، في منطقة مسجد الصحابة بوسط المدينة.
ويقول مصدر في نيابة مصراتة إن عملية القبض على «خضير» جرت في شرق طرابلس، بعد أيام من هروبه من درنة. وتابع موضحاً: «وفقاً لما اعترف به خضير، فقد انتقل مع القيادي المصري سعيد من درنة، إلى منطقة الهروج الصحراوية، والواقعة على بعد نحو 500 كيلومتر جنوب شرقي سرت. وتم في تلك المنطقة تقسيم العناصر الفارة من درنة وغيرها إلى مجموعتين... واحدة مع سعيد ما زالت متمركزة في الهروج، وواحدة بقيادة خضير انتقلت إلى موقع يسمى العلالقة في صبراتة» غرب طرابلس.
وكانت سلطات الأمن الليبية قد بدأت وقتها رصد نشاط المتطرفين الذين أخذوا في العودة إلى صبراتة مرة أخرى. وتقول التحقيقات إن «خضير» كان حريصاً على زيادة عدد المقاتلين في مجموعته، فلجأ إلى تجنيد شريحة من الشبان المصريين العاملين في الصيد على سواحل مدينة زوَّارة المجاورة. وبعد أن اجتازت مجموعته دورات تدريبية سريعة على القتال، بدأ بالتحرك بها عبر رتل من السيارات، إلى شرق البلاد، في محاولة لتوجيه ضربات من الخلف للجيش في المنطقة الشرقية.
واعترضت قوات من مصراتة رتل «خضير» على الطريق الساحلية قرب منطقة الخُمس. وأضاف مصدر في الاستخبارات العسكرية أنه جرى إحالة المقبوض عليهم للنيابة بعد أن قام ضابط في غرفة عمليات البنيان المرصوص، وهو برتبة عميد، بالتحقيق مع المجموعة.
ومن بين قيادات متطرفي درنة المختفين المصري «العسال» الذي اختار الخروج مع «خضير» و«المهاجر» و«سعيد» من المدينة، قبل أن يطبق الجيش الحصار عليها في الأسابيع الأخيرة. وترجح التحقيقات المبدئية أنه توجه إلى الحدود المصرية في محاولة للدخول مع مجموعة من «أنصار بيت المقدس» إلى مصر، بالتنسيق مع «المهاجر».
ويقول مصدر يعمل قرب هذه الجماعات في شرق ليبيا إن «العسال» شوهد مع نحو عشرين من عناصر «أنصار بيت المقدس» في منطقة قريبة من قرية «قصر الجدي» الليبية التي تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود مع مصر من ناحية الساحل. وتقول آخر المعلومات إن «العسال» وجماعته «يبدو أنهم توغلوا أكثر ناحية الشرق إلى أن تقطعت بهم السبل في وهاد وعرة ملاصقة للحدود المصرية تسمى وادي النصراني».
ويعد «العسال» الذي بدأ حياته في مصر مهندساً للطرق من القيادات الشابة والملهمة للمئات من تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذين فروا من مصر إلى دول في المنطقة بسبب ضربات الجيش في شبه جزيرة سيناء، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة. وسبق أن قاد «العسال» عمليات قتالية ضارية لصالح تنظيم داعش في العراق. ويفيد مصدر أمني يعمل على مراقبة المتطرفين أن «العسال» تعامل بشكل مباشر مع زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في الموصل، قبل أن تحررها القوات العراقية. ويضيف أن هذا المصري انتقل بعد ذلك إلى سوريا وشارك في معارك «داعش» في الرقة، ثم انتهى به المطاف في درنة.
وأدى التنافس على تولي الزعامة في درنة بين قيادات مختلفة خلال الشهور الماضية إلى تشتت ولاءات العناصر المحلية والعربية والأجنبية التي تعمل تحت إمرتها وإضعاف جبهة المتطرفين. ويقول المصدر نفسه إن سمعة «العسال» كقائد خاض معارك في العراق وسوريا سبقته إلى درنة، وأثارت قلق شخصيات مثل «المهاجر» و«أبو قتادة» و«سعيد» و«الهواش» و«الأفغاني» و«عبد الحق».
وأدى التنافس بين القيادات كذلك إلى ظهور ما لا يقل عن خمس مجموعات داخل درنة وما حولها، يحمل كل منها اسم «المرابطون»، كتنظيمات غير محددة الملامح، لأن عناصر كل منها تبدو متباينة الولاءات ما بين «القاعدة» و«داعش» و«الإخوان». ويوحد بين كل هؤلاء العداء للجيش الليبي. وكلما زاد ضغط الجيش، زاد مستوى التنسيق والتعاون بين خصومه.
وتجد هذه الجماعات غطاء سياسيا وإعلامياً مما يسمى «مجلس شورى مجاهدي درنة»، وكذلك من بعض الشخصيات في طرابلس في كل من المجلس الرئاسي ومجلس الدولة.
وتكونت شخصية «المهاجر» البالغ من العمر 39 عاماً في درنة التي انتقل إليها قبل خمس سنوات من سوريا. وحصل على نفوذه في ليبيا، من خلال قربه من أحد زعماء تنظيم «أنصار الشريعة» المعروف في المدينة بلقب «بن قمو»، وهو سجين سابق في غوانتانامو. وكان «بن قمو» من بين ثلاثة يهيمنون على توجيه الرأي داخل المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) في ليبيا، من خلف الستار، إلى جوار اثنين أحدهما قيادي في جماعة «الإخوان»، والثاني قيادي في «الجماعة الليبية المقاتلة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة». وهذان الأخيران ورد اسمهما في لائحة عربية للشخصيات والكيانات الإرهابية صدرت الصيف الماضي.
وأسقط الليبيون «المؤتمر الوطني» في انتخابات 2014 وتراجع نفوذ «بن قمو» في درنة، بعد اقتتال بين مؤيدي «داعش» و«القاعدة». وأعطى هذا فرصة لـ«المهاجر» كي يستقل بنفسه في العمل، بعيداً عن «بن قمو»، بعد أن أصبحت لدى هذا المصري موارد مالية وقتالية كبيرة في وديان درنة الوعرة، إضافة إلى احتفاظه، وقتها، بعلاقات قوية مع مجموعات متطرفة في ضواحي المدينة مثل الفتايح والسيدة خديجة وباب شيحة وميدان الصحابة. وتتهمه السلطات في القاهرة بالوقوف وراء تنفيذ هجمات إرهابية ومحاولة اغتيال مسؤولين في مدن مصرية.
وتعرض «المهاجر» لأكبر خسارة، أخيراً، حين قصف الجيش الليبي مواقع للإرهابيين في درنة. وأصيبت معه في هذا القصف غالبية القيادات التي كانت قد وصلت حديثاً إلى المدينة في رتل آخر من المقاتلين من منطقة الخُمس. كما أدت عمليات الجيش في الأيام الماضية إلى تدمير شبكة الاتصالات الخاصة بالمتطرفين في المدينة، وهي شبكة متقدمة يقدر ثمنها بنحو ثمانية ملايين دولار، وكان يديرها مهندس عراقي، ولا يعرف إن كان ما زال على قيد الحياة أم قُتل في تلك الغارة.
ويقول مصدر على علاقة بعمليات الجيش إن «القصف الدقيق بالطيران قلَّم أظافر تلك القيادات وزعزع موقفها. فقد لحقت خسائر كبيرة بمعسكرات التدريب في درنة، لكن الأهم هو تدمير الرتل الذي كان قد جاء من الخُمس، واستقر في منطقة الفتايح جنوب المدينة، وكان فيه من القيادات المهمة والمعروفة في أوساط متشددي درنة، أسماء تحمل ألقاب أبو عبد الله (مصري) وأبو المنجد (مصري) وأبو قتادة (مصري) والمقدسي (جزائري) وأبو حسن (تونسي) وأبو حسام (فلسطيني)، بينما أصيب المهاجر أثناء وجوده في محور الظهر الحمر في أقصى جنوب المدينة».
وشكل «المهاجر» تنظيم «المرابطون» في درنة، وهو الاسم نفسه الذي تحمله جماعة بلمختار النشطة في جنوب ليبيا وجنوب الجزائر وشمال مالي. ويقول مصدر على صلة بالجماعات المتطرفة في درنة: «لم نعرف أبدا منهج المهاجر منذ حط مع جماعته في المدينة قبل سنوات. فهو بايع (داعش)، وفي الوقت نفسه يعد بلمختار الموالي لـ(القاعدة) مثله الأعلى. كما أن له علاقات متشعبة مع تنظيمات متشددة متباينة التوجهات في المدينة وخارجها. ولهذا ظهرت تنظيمات أخرى في جبال درنة تحمل اسم (المرابطون) لكن بقيادات مختلفة ومتنافسة».
ويعتقد أن إصابة «المهاجر» جعلت حالته الصحية تتدهور. وفي الأسبوع الماضي تلقى ضربة أخرى حين تمكن الجيش الليبي من حصار اثنين من أبرز مساعديه وكاتمي أسرار عملياته، في ضاحية «شيحة» في درنة، ويدعى الأول «أيمن» والثاني «سرور». ولم يعرف بعد إن كانا قد قُتلا أو أصيبا أو ألقي القبض عليهما.
أما الجزائري الملقب بـ«الأفغاني» فيعد الأهم في أوساط المتطرفين في درنة. ويعد اختفاؤه وانقطاع التواصل معه منذ أيام، ضربة قاصمة للجماعات المتشددة عبر ليبيا ودول أخرى. ومن بين المعلومات التي أمكن جمعها عنه من مصادر مختلفة في شرق البلاد، أنه كان من أكبر قادة تنظيم «أنصار الشريعة» في بنغازي منذ سيطرة المتطرفين على المدينة في 2012 حتى إخراجهم منها بواسطة الجيش العام الماضي. ويعد من المقربين من «أبو ختالة» الذي اعتقلته الولايات المتحدة الأميركية في بنغازي عام 2014 بتهمة الإرهاب.
ورغم ولائه لبلمختار الرافض للعمل تحت راية «داعش»، تمكن «الأفغاني» من مد خيوط التعاون مع معظم الجماعات في ليبيا، بما في ذلك التواصل والتنسيق مع قيادات من «داعش» ومن «الإخوان» ومن «الجماعة المقاتلة» ومن «أنصار بيت المقدس». ولدى «الأفغاني» البالغ من العمر 40 عاماً، خبرات استقاها من قيادته لتنظيم «القاعدة» في شمال مالي بتكليف من بلمختار. وينسب إليه مناصروه وقوفه وراء عمليات عدة استهدفت مراكز عسكرية في بلدان أفريقية، وقتل وخطف رعايا أجانب ومحليين في دول بالساحل الأفريقي، بداية من عام 2004 إلى أن انتقل إلى ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي.



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.