أمين المنظمة العربية للمتاحف: موروثنا الأمثل لمكافحة الإرهاب

الشرقي دهمالي: لا نريد أن يدرس أبناؤنا تاريخهم في متاحف الخارج

الشرقي دهمالي
الشرقي دهمالي
TT

أمين المنظمة العربية للمتاحف: موروثنا الأمثل لمكافحة الإرهاب

الشرقي دهمالي
الشرقي دهمالي

في الوقت الذي يحتفل العالم باليوم العالمي للمتاحف تخليدا للتراث الحضاري الإنساني، تعاني متاحف العالم العربي من التخريب والسرقات والتدمير، وتتعرض آثارها للتهريب والبيع بالمزادات.
التقت «الشرق الأوسط» الدكتور الشرقي دهمالي، الأمين العام للمنظمة العربية للمتاحف‏، عضو لجنة الأخلاقيات في المجلس الدولي للمتاحف، الذي تحدّث عن احتضان مكتبة الإسكندرية مؤتمر المنظمة الدولية للمتاحف عام 2022، وعن دورها في الحفاظ على الآثار العربية وتطوير ودعم المتاحف في العالم العربي، وشعار احتفالية اليوم العالمي للمتاحف 2018 «المتاحف وفضاء الإنترنت: تحديات جديدة وجمهور جديد».
يقول الدكتور دهمالي معرّفاً بدور المنظمة العربية للمتاحف «الأيكوم العربية»، منظمة غير حكومية لا تتبع أي دولة وهي ممثلة لـ«الأيكوم الدولي، وهي تضم عدداً من المتاحف وليست كلها، تسعى المنظمة من خلال دورها الاستشاري أن تقدّم الدّعم اللوجيستي للمتاحف العربية على عمومها. لافتاً إلى أنها تدعم أيضا المشاركة في المعارض التي توطّد العلاقة بين المتاحف والمجتمع. مضيفاً: «أهمية المعارض المتحفية المتنقلة في أنها تقدم رسالة للعالم أن علاقات العرب وأوروبا ليست علاقات متشنجة، بل منسجمة، وقد رأينا ذلك بوضوح في الأندلس، وهذا التقارب نحاول إبرازه وتعريفه للأجيال الجديدة لننبذ خطاب العنف؛ فالرجوع للموروث الثقافي هو السبيل لمكافحة التطرف والإرهاب».
وحول دور «الأيكوم» في تسليط الضوء على المتاحف التي دُمّرت في العالم العربي، يقول دهمالي: «خلال السنوات العشر الأخيرة، شهدت متاحف الشرق الأوسط ضرراً كبيراً، وقد نُقلت آثار كثيرة منها، نتيجة الصراعات والاضطرابات الداخلية، وللأسف الشديد، فإن متاحف العراق واليمن ومصر ليبيا وتونس وسوريا هي الأكثر تضرّراً، وتعرضت لحملة همجية شرسة؛ لذلك نجد في المزادات العالمية تحفاً وآثاراً للبيع بأسعار خيالية جداً». وتابع: «لا نريد للأجيال الجديدة أن تدرس تاريخها من دون أن تجد المواد لدرسها، وتسافر إلى متاحف الخارج من أجل التعّرف والاطّلاع على تاريخ بلادها».
وعن الإجراءات القانونية، أوضح دهمالي: «هناك اتفاقيات دولية تطبقها اليونيسكو مع الإنتربول، لكنها مخصّصة للقطع أو اللقى المسجلة فقط في سجلات بصور ووثائق تثبت هويتها، أما المشكلة الكبرى الآن فهي بالقطع التي عثر عليها أو نُقّب عنها بطرق غير مشروعه وغير مسجلة وتباع بالمزادات»، ويتابع: «استعادة القطع المعروفة مثل: تمثال نفرتيتي أو مهندس الهرم الأكبر أو حجر رشيد أمر صعب للغاية؛ لأن دور اليونيسكو والأيكوم استشاري فقط، وليس لديهما آليات قانونية لذلك، فهما يساعدان الحكومات للجلوس على طاولة المفاوضات بشأن استرجاع القطع الشهيرة. وتكمن العقبة الكبيرة في الوصول إلى الحل عبر التفاوضات، تخيّل مثلاً أن متحف برلين من دون رأس نفرتيتي، أو متحف بريطانيا من دون حجر رشيد، فلن يدخلهما أحد».
وفي السّياق، كشف دهمالي عن عمل المنظّمة قائلاً: «نجمع إحصائيات ونعد قوائم بالقطع التي سُرقت في اليمن وتونس ومصر وليبيا والعراق وسوريا، ونحاول استعادتها وإعادة إعمار المتاحف التي دمرت بالتعاون مع ممولين». كما يطالب قائلاً: «لا بدّ علينا التعاون في العالم العربي، للحفاظ على تراثنا ولا بد من التفكير بأهمية القضايا الثقافية، وأن يكون هناك صندوق عربي لإعادة ترميم المتاحف المتضررة». وأكمل: «لدينا كل الكفاءات والمهارات والكوادر، ولا ينقصنا سوى الرغبة السياسية فقط». ويلفت «هناك متاحف ينقصها آلات تصوير لتصوير القطع وتوثيقها، وبعضها تحتاج إلى معمل لترميم القطع، وكلّها أشياء بسيطة يمكننا أن نتكاتف لحلها».
أمّا عن دور «الأيكوم» في تنسيق المعارض المتحفية التي تروّج للحوار بين الثقافات، فأوضح: «نلجأ للمعارض الافتراضية حلاً للتغلب على الأزمة الاقتصادية وارتفاع التكاليف؛ لأن المعارض المتنقلة تكلّف مبالغ ضخمة بسبب تكلفة تأمين القطع أثناء نقلها من بلد إلى آخر؛ لذا أصبحنا ننظّم معارض عبر الإنترنت وبالتعاون مع المجلس الدولي للمتاحف فطنا لهذه القضية؛ إذ وقع الاختيار على قضية «المتاحف وفضاء الإنترنت: تحديات جديدة وجمهور جديد» لتكون محور الاحتفال في اليوم العالمي للمتاحف الذي صادف يوم أول من أمس، في 18 مايو (أيار)، باعتبار المعارض الافتراضية وسيلة لاستمالة الأطفال والأجيال الجديدة، ووجدنا أنها وسيلة لاستمالتهم في «الفضاء الأزرق»، لكي نجذبهم لزيارة المتاحف فيما بعد». وعن دورها في التربية المتحفية وتكوين الذائقة الجمالية لدى الأطفال، أكد أن «المتاحف الافتراضية ليست بديلاً؛ لأنها تفتقر لميزة التفاعل البصري والحسي والمكاني مع القطع الأثرية والفنية».
ويضرب دهمالي، مثالاً عن تجربته بصفته مدير متحف تاريخ الاتصالات في المغرب قائلاً: «لدينا خاصية زيارة 360 درجة للمتحف، لكن حرصنا على ألا يتمكّن مستخدمها من الاطلاع على التفاصيل بخاصية (زووم)؛ لأن الغرض الرئيسي هو أن يأتي لزيارة المتحف ويلمس القطعة وربما يحاكيها من خلال تشكيل مثيلتها من الطين وغيره». وشدّد على أهمية التفاعل مع المقتنيات والمعروضات المتحفية، مشيراً إلى أنه «إذا أخذنا تمثال رمسيس الثاني مثالاً كصورة ثلاثية الأبعاد في الحاسوب أو الهاتف الذكي، هل سيكون إحساس المتلقي نفسه عند رؤيته وجهاً لوجه؟ بالتأكيد لا، والأمر نفسه ينطبق على الفن المعاصر من لوحات ومنحوتات». واستطرد قائلاً: «أرى في بعض المتاحف الأوروبية زائرين يأتون كل عامين لزيارة القطعة نفسها، تشعر وكأنه وقع في غرامها. آمل أن أرى مثل هذا الشغف في عالمنا العربي». ويؤكد أن «التكنولوجيا مهمة ولا يتجاهلها إلا جاهل ولا بد أن تُؤخذ بعين الاعتبار، لكن لا بد أيضاً أن تُستغل أحسن استغلال، ليأتي الزائر للمتحف ويتفاعل مع المعروضات».
كما يلفت إلى أن «هناك فرقاً بين التلقّي فقط وبين التفاعل، عندما يسأل المتلقي عن القطعة ويستزيد من المعرفة حولها، فالمتحف هو أول ما يزوره السائح، وهو البوابة للتعرف على تاريخ المدينة وعلى الخلفية الثقافية للبلد، ثم يتعرف على ثقافتها الشعبية ويزور شوارعها ومقاهيها ومطاعمها»، مشيراً إلى أن «هناك دولة آسيوية صدر بها قرار رئاسي بأن يكون استقبال الوفود في المتحف الوطني؛ لأنها شحنة معرفية وثقافية وتاريخية تلخّص للضيوف تاريخ البلاد وتراث الأجداد». لذلك؛ يري دهمالي «المتحف ذاكرة المدينة وذاكرة الدولة»، وإن زيارتها ليست للترفيه كما يخيل للكثير من المسؤولين في العالم العربي، ويتابع: «لدينا أمل كبير في الأجيال المقبلة لتغير مصيرها. التوجه في أوروبا الآن هو أن تكون المتاحف في مركز المدينة؛ لأنها ذاكرة لها، ثم تجاورها المقاهي الثقافية والمطاعم التاريخية وغيرها من المزارات». ويشير، إلى إمكانية تحويل بيوت الشخصيات العامة والفنانين إلى متاحف، ويراه أمراً غاية في الأهمية، لكنه يوضح أن المنظمة لا تفرض المشروعات على الدول، لكنها تقدم كافة النصائح والدراسات العلمية لتأسيس هذه المتاحف، كما تقدم العون في البحث عن ممولين، سواء كانوا أشخاصاً أو مؤسسات تدعم الثقافة العامة، مؤكداً أن «أي متحف عربي يطلب أي استشارة سنقدم له كل الدعم».
وعن ترشيح مكتبة الإسكندرية لاستضافة المؤتمر الدولي للمتاحف 2022، يقول: «ستكون مصر أول دولة عربية وأفريقية تحتضن هذا الحدث الكبير الذي يُنظّم كل ثلاث سنوات، وقد استُضيف المؤتمر في جميع أنحاء العالم. ومكتبة الإسكندرية مرشحة بقوة له؛ لما فيها من تجهيزات وقاعات وموظفين». كاشفاً عن أن عدد المشاركين في المؤتمر سيكون نحو ثلاثة آلاف شخص من أعضاء «الأيكوم»، و50 في المائة منهم من أوروبا.



«أمازون» تتراجع عن خطط توصيل الطلبات بطائرات مسيّرة في إيطاليا

قالت شركة «أمازون» إنها قررت ​التراجع عن خطط توصيل البضائع عبر طائرات مسيّرة في إيطاليا (د.ب.أ)
قالت شركة «أمازون» إنها قررت ​التراجع عن خطط توصيل البضائع عبر طائرات مسيّرة في إيطاليا (د.ب.أ)
TT

«أمازون» تتراجع عن خطط توصيل الطلبات بطائرات مسيّرة في إيطاليا

قالت شركة «أمازون» إنها قررت ​التراجع عن خطط توصيل البضائع عبر طائرات مسيّرة في إيطاليا (د.ب.أ)
قالت شركة «أمازون» إنها قررت ​التراجع عن خطط توصيل البضائع عبر طائرات مسيّرة في إيطاليا (د.ب.أ)

قالت شركة «أمازون»، الأحد، إنها قررت ​التراجع عن خطط توصيل البضائع عبر طائرات مسيّرة في إيطاليا، رغم إحرازها تقدماً جيداً مع الجهات التنظيمية في مجال الطيران، لكن القضايا التنظيمية التجارية ‌الأوسع نطاقاً ‌حالت دون إتمام ‌المشروع.

ووفقاً لـ«رويترز»، وصفت ⁠هيئة ​الطيران ‌المدني الإيطالية القرار بأنه غير متوقع، وقالت في بيان أمس السبت إن الخطوة مدفوعة بسياسة الشركة، المرتبطة «بالأحداث المالية في الآونة الأخيرة ⁠التي شملت المجموعة».

وأعلنت «أمازون» في ديسمبر ‌(كانون الأول) 2024 عن إتمام الاختبارات الأولية بنجاح لطائرات التوصيل المسيّرة في بلدة سان سالفو الواقعة في منطقة أبروتسو الوسطى.

وقالت «أمازون» في بيان لـ«رويترز»، ​الأحد: «بعد مراجعة استراتيجية، قررنا التراجع عن خططنا ⁠التجارية لتوصيل الطرود عبر الطائرات المسيّرة في إيطاليا».

وأضافت «أمازون»: «رغم المشاركة الإيجابية والتقدم المحرز مع الجهات التنظيمية الإيطالية في مجال الطيران، فإن الإطار التنظيمي الأوسع للأعمال في البلاد لا يدعم، في الوقت الراهن، أهدافنا طويلة المدى ‌لهذا البرنامج».


الخزانة البريطانية تؤمّن «نسيج بايو» التاريخي بـ800 مليون إسترليني

فنية تفحص النسيج (متحف بايو)
فنية تفحص النسيج (متحف بايو)
TT

الخزانة البريطانية تؤمّن «نسيج بايو» التاريخي بـ800 مليون إسترليني

فنية تفحص النسيج (متحف بايو)
فنية تفحص النسيج (متحف بايو)

تعتزم وزارة الخزانة البريطانية تأمين لوحة «نسيج بايو» التاريخية ضد التلف أو الضرر بقيمة نحو 800 مليون جنيه إسترليني خلال فترة إعارتها إلى المتحف البريطاني، العام المقبل. ويبلغ طول النسيج نحو 70 متراً، ويصور وقائع معركة هاستينغز عام 1066.

وتشمل التغطية التأمينية عملية النقل والتخزين والعرض للجمهور، ضمن نظام التعويض الحكومي الذي يسمح بعرض أعمال فنية ثمينة دون تكاليف باهظة، وفق «بي بي سي».

وأكدت وزارة الخزانة أن هذا النظام يحمي المؤسسات العامة من أقساط التأمين التجاري المرتفعة، ويوفر لها فرصة عرض قطع نادرة بأمان مالي كبير.

وأثار نقل النسيج جدلاً في فرنسا بسبب هشاشته وكون عمره يبلغ ألف عام، لكن المسؤولين الفرنسيين أكدوا صلاحيته للسفر، وفق معايير دقيقة. وقد قُيِّم التأمين بشكل أولي، وقُدّر بقيمة 800 مليون جنيه إسترليني، مع انتظار التقييم النهائي.

عمال ينقلون النسيج في متحف بايو (متحف بايو)

ومن المقرر عرض النسيج في قاعة معارض ساينسبري بالمتحف البريطاني من سبتمبر (أيلول) المقبل حتى يوليو (تموز) 2027، بالتزامن مع ترميم متحفه الحالي في بايو الفرنسية. ويضم العمل 58 مشهداً و626 شخصية و202 حصان، ويروي صراع ويليام الفاتح مع هارولد غودوينسون على عرش إنجلترا، ليصبح أول ملك نورماني.

ويتيح نظام التعويض الحكومي عرض القطع الفنية القيمة في المملكة المتحدة بتكلفة أقل، وقد أسهم منذ إنشائه عام 1980 في إعارة أعمال مهمة، بينها لوحة «غرفة النوم» لفنسنت فان غوخ. ووفق الاتفاق، سيُعير المتحف البريطاني قطعاً أثرية إلى فرنسا، تشمل مكتشفات أنغلو-سكسونية وقطع شطرنج لويس من القرن الـ12.


«المُلحد» على شاشات السينما المصرية أخيراً بعد تجاوز الجدل والمنع

محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)
محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)
TT

«المُلحد» على شاشات السينما المصرية أخيراً بعد تجاوز الجدل والمنع

محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)
محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

يصل فيلم «المُلحد» إلى شاشات السينما المصرية بعد مسار شائك من الجدل لم يكن منفصلاً عن طبيعة العمل نفسه، ولا عن القضايا التي يقترب منها بحذر وجرأة في آنٍ واحد، فالفيلم الذي لم يعرض في موعده بصيف 2025 لأسباب «رقابية» قبل أن يحصل أخيراً على الموافقة، سيطرح بالصالات السينمائية بدءاً من الأربعاء المقبل، بعد أكثر من عام ونصف العام على الانتهاء من تصويره، وأقيم العرض الخاص له مساء السبت في القاهرة.

لا يكتفي الفيلم -الذي يقوم ببطولته أحمد حاتم، ومحمود حميدة، وحسين فهمي، وصابرين، ونجلاء بدر- بطرح فكرة الإلحاد بوصفها موقفاً فكرياً، بل يحاول تفكيك السياق الاجتماعي والنفسي الذي قد يدفع شاباً إلى هذا الخيار، واضعاً التشدد الديني في قلب هذا السياق.

أحمد حاتم وحسين فهمي في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

منذ مشاهده الأولى، يضع «المُلحد» المشاهد أمام صدام مباشر لا يحتمل التأويل. الأب «حافظ»، الذي يؤدي دوره محمود حميدة، يقرر تزويج ابنته القاصر رجلاً يكبرها في السن، وفي مواجهة هذا القرار يرفض الابن «يحيى»، الذي يجسده أحمد حاتم، هذا الزواج، ويعدّه جريمة أخلاقية قبل أن يكون خلافاً عائلياً، وحينها تتفجر أزمة بين الأب والابن لا تتوقف عند حدود الأسرة، بل تمتد سريعاً إلى جوهر الإيمان ذاته.

ومع تصاعد الصدام، يتكشف أن «يحيى» لم يعد مجرد ابن متمرد، بل شاب اختار الإلحاد بعد رحلة طويلة من القهر الفكري والتناقضات التي عاشها داخل بيت يحكمه التشدد، هنا يتحوّل الخلاف من نزاع على قرار زواج إلى مواجهة وجودية، يرى فيها الأب أن ابنه خرج عن الدين، في حين يرى الابن أن ما فُرض عليه باسم الدين لم يكن سوى قسوة وتجريد للإنسان من حقه في السؤال والاختيار.

تأخذ المواجهة منحنى أكثر قتامة حين يُهدد الأب ابنه بالقتل، لا بوصفه فعلاً إجرامياً بل «واجب» (في منطق الشخصية) لتطهير العائلة، واستعادة ما يراه حقّاً إلهياً.

في هذا السياق، يُحاول الأب أن يمنح نفسه شرعية أخلاقية عبر جلسات «الاستتابة»، فيسعى إلى إعادة ابنه إلى الإيمان قبل تنفيذ تهديده، في مشاهد تتقاطع فيها القسوة مع الادعاء، والرحمة المعلنة مع العنف الكامن.

وسط هذا التصعيد يتدخل العم، الذي يؤدي دوره حسين فهمي، شقيق الأب، بوصفه صوتاً مختلفاً داخل العائلة لا يملك حلولاً جاهزة، لكنه يكشف عبر حضوره هشاشة البناء الفكري الذي يستند إليه الأب، ويطرح نماذج أخرى في العائلة مع خلفيات تكشف مزيداً من التفاصيل الحياتية حول العائلة، وما مرت به في فترات سابقة.

حسين فهمي في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

الفيلم لا يقدم «يحيى» بوصفه بطلاً مثالياً أو مالكاً لحقيقة مطلقة، بل شخصية «مأزومة» تشكّلت عبر صراع طويل بين العقل والخوف، وبين الرغبة في الفهم والرغبة في النجاة. وفي المقابل، لا يُصور الأب شيطاناً مطلقاً، بل هو إنسان اختزل الإيمان في منظومة من الأوامر الجامدة، وفقد قدرته على رؤية ابنه إلا بوصفه مشروع خطيئة ينبغي محوها.

بطل الفيلم أحمد حاتم أكّد لـ«الشرق الأوسط» أن «الجدل المصاحب للعمل لا يقلقه بقدر ما يهمه استقبال الجمهور للعمل»، مؤكداً أن «الحكم الحقيقي لا يكون إلا بعد المشاهدة، لكونها وحدها قادرة على الرد على كل شيء، فالعمل موجّه للجمهور في الأساس، ولكل مشاهد الحق الكامل في أن يراه ويفسره بطريقته الخاصة».

وأضاف أن «حماسه للفيلم جاء من إيمانه بأنه عمل مهم يناقش فكرة نادراً ما يتم التطرق إليها في السينما المصرية، معرباً عن أمله في أن يتأثر الناس بالفيلم ويحبوه، مع ترحيبه بجميع ردود الأفعال بعد المشاهدة، سواء أكانت سلبية أم إيجابية».

وعن تجسيده شخصية «يحيى»، الشاب الذي تتشكل أفكاره في ظل بيئة دينية متشددة، كشف أحمد حاتم عن تحضيرات مكثفة سبقت التصوير، موضحاً أنه جلس لفترات طويلة في مذاكرة الشخصية، واستعان بمدرب تمثيل، بهدف الوصول إلى أكبر قدر من المصداقية، عادّاً أن «التحدي الحقيقي كان في إقناع الجمهور بالشخصية، لا في إثارة الصدمة، لأن التأثير من وجهة نظره لا يتحقق إلا إذا شعر المشاهد بأن ما يراه حقيقي وقابل للحدوث، وليس مجرد تمثيل».

الناقد السينمائي محمد عبد الرحمن يرى أن «عرض (المُلحد) يفتح علامة استفهام كبيرة حول أسباب منعه في البداية»، عادّاً أن «الفيلم يناقش قضية محددة وواضحة، تتمثل في أن التشدد الديني قد يقود إلى نتيجة عكسية هي الإلحاد أو الكفر بكل المبادئ والأديان».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأضاف أن «الفيلم يُقدّم هذه الفكرة من خلال بناء درامي متماسك، مشيداً بما عدّه نجاح المخرج محمد العدل في إيجاد معادل بصري قوي للحوارات الفكرية التي تشبه، في كثير من الأحيان، مناظرة مستمرة بين 3 أطراف؛ التشدد، والإيمان الوسطي، والإلحاد».

ويرى عبد الرحمن أن «الفيلم لا يقع في فخ الخطابة المباشرة، بل يوظف مواقع التصوير وبناء المشاهد ليُحافظ على توتر درامي مستمر، خصوصاً بعد النصف الأول من الفيلم». وخلص إلى أن «العمل لا يُقدّم صراعاً ثنائياً مبسطاً، بل يعتمد على شبكة من الشخصيات التي تخلق توازناً داخل الحكاية، بحيث لا تتحول القضية إلى مواجهة أحادية بين أب وابن فقط».