«الفن الإسلامي» المصري ينطق بالإشارة و«برايل» لخدمة المكفوفين والصّم

تصميم مستنسخات خشبية من الآثار للزائرين

«الفن الإسلامي» المصري ينطق بالإشارة و«برايل» لخدمة المكفوفين والصّم
TT

«الفن الإسلامي» المصري ينطق بالإشارة و«برايل» لخدمة المكفوفين والصّم

«الفن الإسلامي» المصري ينطق بالإشارة و«برايل» لخدمة المكفوفين والصّم

انحصرت حياة هديل محمد منذ نعومة أظافرها بين كتب الدراسة المطبوعة بطريقة «برايل»، وبين الراديو الذي كان وسيلتها الوحيدة لمتابعة ما يحدث في مصر والعالم. ظلت أزمة حرمان هديل من البصر حائلة بينها وبين مغادرة هذا العالم الصغير، بيد أنّ متحف «الفن الإسلامي» في مصر، قد أطلق تجربة جديدة ربما تساعدها وغيرها في تجاوز مشكلاتها، إذ أتاح أخيراً، بطاقات متحفية مكتوبة بلغة برايل بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف، ووفر مرشداً سياحيا يجيد لغة الإشارة لتقديم الشّرح للصّم والبكم.
تقول هديل التي تدرس في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن لـ«الشرق الأوسط»: «دعاني شباب جمعيتي (مشوار التحدي) و(رسالة) القائمتين على هذه التجربة، بالتعاون مع الكاتب وعالم المصريات بسام الشّماع، وإدارة المتحف الإسلامي للمشاركة في حفل التدشين والاستمتاع بزيارة المتحف، وكان يوماً مميزاً، فلأول مرّة تُتاح لي فرصة زيارة أحد المتاحف».
حصلت هديل على معلومات لم تتح لها من قبل عن آثار المتحف الإسلامي من مختلف العصور، وذلك عبر 50 بطاقة تشرحها بطريقة برايل، وعلى الرّغم من سعادتها بذلك، فقد بقيت لديها أمنية أعربت عنها للشباب القائم على التجربة، لتتحول بعدها إلى قرار صدر في حينها من إدارة المتحف.
تقول هديل: «بعد اطّلاعي على معلومات عن الأثر شعرت برغبة ملحة في لمسه، وهو أمر تمنعه اللوائح، وعبرت للشباب القائم على التجربة عن ذلك، فنقلوا رغبتي إلى مدير المتحف الذي أصدر على الفور قراراً بإعداد مستنسخات خشبية من الآثار حتى يتمكن الكفيف من لمسها».
لا تقل سعادة هديل بهذا القرار الذي سيحقق أمنيتها، عن سعادة مصطفى محمدي الذي تمكّن لأول مرّة في نفس اليوم، من الاستمتاع بشرح عن الآثار، لم يكن متاحا له قبل ذلك، لانتمائه لفئة الصّم والبكم.
تعاونت مترجمة الإشارة رانيا محمد مع المتحف الإسلامي في ترجمة شرح للآثار بلغة الإشارة سُجّل على فيديو يمكن لزائري المتحف من الصّم والبكم مشاهدته، وقدّمت أول من أمس تلك الخدمة حية لمجموعة من الصّم والبكم، بينهم محمدي.
تنقل رانيا لـ«الشرق الأوسط» مشاعر محمدي بهذه التجربة التي قال عنها مستخدما لغة الإشارة: «كنت أحزن عند زيارة أي متحف عندما أشاهد الزائرين، وقد التفوا حول مرشد يشرح لهم الأثر، الآن يمكنني أن أحصل على نفس الخدمة، لقد كان حلماً وتحوّل إلى حقيقة».
تحقيق حلم محمدي وجزء من أحلام هديل بدأ العمل عليه قبل نحو عام ونصف العام، من خلال مجموعة من المتطوعين المهتمين بذوي الاحتياجات الخاصة، وهم كاتب علم المصريات بسام الشّماع والشّباب المنتمون لجمعيتي مشوار التحدي ورسالة، مريم حمدي، وحسن سعيد، ومنى صفوت.
وتعود مريم في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى بدايات الفكرة قائلة: «لفت انتباهنا كتيب أعد للمكفوفين يحمل اسم كاتب علم المصريات بسام الشماع، فتواصلنا معه من أجل تعميم التجربة في أكثر من كتاب، ولكن اكتشفنا أنّ طباعة هذه الكتب مكلف جدا، ومن خلال المناقشات تولدت فكرة البطاقات المتحفية للمكفوفين في المتاحف».
وتابعت مريم قائلة: «لم نكن نعرف من أين نبدأ، ولكنّ اتصالا هاتفيا أجراه بسام الشماع بمدير المتحف الإسلامي ممدوح عثمان وضع قدمنا على أول الطرق، إذ أعرب ممدوح عن ترحيبه بالفكرة، وتعاون معنا على تنفيذها سريعا». وتضيف «في عام 2017 نفّذنا التجربة على نطاق ضيق وعلى عجل مع عدد محدود جداً من الآثار لاستطلاع رأي المكفوفين حولها، ووجدنا تجاوبا كبيرا منهم شجعنا على المضي قدما في التجربة فقمنا بتقديم شرح لـ50 أثرا بطريقة برايل، وكان التدشين الرسمي للتجربة في اليوم العالمي للمتاحف».
تختلف البطاقات المتحفية الخاصة بالمكفوفين عن تلك التي يلحظها الزائر العادي داخل فاترينات عرض الآثار، كما تؤكد مريم. وتقول: «تمنح البطاقات العادية للزائر معلومات عن تاريخ الأثر والعصر الذي ينتمي إليه، ولكنّ بطاقات المكفوفين تضيف إلى ذلك وصفا للأثر، لعدم قدرة الكفيف على مشاهدته».
ويمكن للصّم والبكم الاستماع بشرح لهذا الوصف من خلال تجربة تولدت فكرتها بعد البدايات الأولى لفكرة البطاقات المتحفية للمكفوفين.
ويقول حسن سعيد عن تلك التجربة لـ«الشرق الأوسط»: «دارت بيننا وقتها، حوارات أفضت في النهاية إلى اتخاذ قرار بتقديم خدمة متحفية للصّم والبكم أيضا، حيث كان مضمون تلك الحوارات أنّه إذا كنّا قد حاولنا خدمة الكفيف بتقديم وصف مكتوب للأثر بطريقة برايل، فلماذا لا نجعل هذا الوصف بصريا للصم والبكم باستخدام لغة الإشارة، وهو ما قامت به مترجمة الإشارة رانيا محمد عضو جمعيه مشوار التحدي».
ويسعى فريق المتطوعين إلى تعميم التجربة في أكثر من متحف، وستكون البداية من المتحف المصري الكبير، كما يؤكد بسام الشماع الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إنّه تواصل مع وزارة الآثار وعرض عليها تنفيذها في المتحف الكبير، لإعطاء رسالة إيجابية للسائح بأنّ مصر تولي اهتماما بذوي الاحتياجات الخاصة. ويضيف: «اخترنا 100 أثر مهم سنعمل على كتابة وصف لها بطريقة برايل، وشرح لها بلغة الإشارة، حتى تردّ الوزارة على العرض الذي تقدمنا به».



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».