قادته الصدفة البحتة، لاحتراف صناعة الأراجوز وعرائس الماريونت، فبعد أن عمل في بداية شبابه سائق تاكسي، في مدينة طنطا، بمحافظة الغربية (وسط دلتا مصر). وأثناء تجوله في مولد السيد البدوي الشهير بالمدينة، اشترى أراجوزين صغيرين لطفلتيه، وخلال طريقهم للبيت، أتلفت إحدى بناته واحدا منهما، ما دعاه للاحتفاظ بالآخر بيده، حتى لا يتلف مثل الأول، الذي قام بإصلاحه تماما.
بعد هذه الخطوة الفاصلة في حياته، أخذ جمال المصري على عاتقه تعلم كيفية تصنيع العرائس وتطويرها بأساليب جديدة، حتى بات أحد أشهر فناني تصنيع العرائس في مصر.
يحكي المصري لـ«الشرق الأوسط» عن ذكرياته التي مر عليها أكثر من 3 عقود، قائلا: «ذهبت إلى أحد الخياطين، وطلبت منه تصنيع ملابس للأراجوز، وقمت بوضع طرطور فوق رأسه، حينها أعجبني، وقررت أن أنافس صانعه، الذي يروجه في المدينة».
بدأ المصري، رحلة صناعته بتنفيذ 10 أراجوزات، وفي أثناء قيادته السيارة، التي جعل منها فاترينة متحركة لعرض منتجاته، راح يبيع الواحد منها بـ3 جنيهات فقط: «كنت أعود يومياً بمبلغ كبير، بعد بيعها بالكامل، ما دفعني لتخصيص وقت أكثر لها، والبحث عن مخلفات مصانع لعب الأطفال، لاستغلالها في تشكيل ما أقوم به، وقمت باستغلال ذلك لتوفير مصروفات تعليم أبنائي».
بعد مرور 17 سنة على بداية اقتحام جمال، مجال صناعة العرائس، عرف من شقيقه سامي، (مهندس ديكور بالمسرح القومي)، أن هناك عروسة ماريونيت، يمكنه أن يقوم بتصنيعها، وترويجها مع الأراجوز، لكنه كان عليه أن يجعلها تغني، وترد على محدثيها، مثلما تفعل لعب الأطفال الصينية، التي تجاوزت فاتورة استيرادها خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الماضي، عبر بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مبلغ عشرين مليون دولار.
قام جمال المصري بدراسة مكونات الماريونت، التي نصحه أخوه بتصنيعها، واكتشف أن أقدامها وذراعيها ورأسها مصنوعة من خشب مخروط، ودرس تكلفتها فوجد أن صناعتها بهذه المواد سوف يزيد سعر عروسته، من مائتي جنيه، إلى الضعف، وهذه الزيادة سوف تصعب عملية ترويج منتجاته، في الأسواق الشعبية، التي يرتادها في مدن ومحافظات مصر، يقول: «فكرت طويلاً في حلول، وقررت أن أستخدم بدلا منها مخلفات الدمى البلاستكية، التي أقوم بشرائها من المصانع، وقد وفر لي ذلك صناعة أنواع من العرائس بأشكال متعددة، تحمل تارة رؤوس بشر وحيوانات، مثل الكلاب والقطط بجانب الطيور، ما زاد من أسباب رواج بضاعتي، وأكسبها نوعاً من الاختلاف عما يقدمه الآخرون في السوق».
اتسعت تجارة المصري، في قرى ومدن الدلتا، فقرر توسيع تجارته بالقاهرة: «قلت لنفسي، العاصمة، بها إمكانيات كبيرة للشراء، ونوعيات متنوعة من الزبائن، كما سعيت للبيع بالجملة، لتجار في الحسين، وشارع المعز، ومحمد علي، لكنني ظللت أحب السير في الأسواق، وملاعبة عرائسي وأراجوزاتي، هذه اللحظة تساوي الكثير بالنسبة لي، لذا أحاول طول الوقت الاحتفاظ ببعضها، رافضاً بيعها، لأقدم بها عرضاً راقصاً أمام الناس، وأرسم البسمة على وجوههم».
يوضح المصري، أنه يحب عمله ولا يخجل منه، وطوال مدة وجوده في السوق سواء في منطقة العتبة، أو غيرها، يحرك عرائسه يمينا ويسارا كأنه يلاعبها أو يراقصها، ويسعده كثيراً اهتمام العابرين بما يقدمه لهم، وفرحة أطفالهم، وانجذابهم إلى فنونه وأغانيه، ولا يبخل حتى بتقديم عروضه، التي يخص بها جمهوره في حفلات أعياد الميلاد الخاصة التي يدعى لها في المنازل.
ولفت المصري إلى أنه من أجل ذلك قام بتصنيع مسرح صغير، يمكن تفكيكه وتركيبه بسهولة في أي مكان يذهب إليه، وقد صممه بشكل يناسبه لتقديم عروضه التي زاد الطلب عليها في مناطق مختلفة من العاصمة المصرية بسبب شهرة عرائسه التي تتميز بخفة الدم والقدرة على مشاكسة الجمهور ومراقصته وإضفاء الكثير من البهجة والسعادة، بنفوس الكبار قبل الصغار.
«المصري»... صانع عرائس ينشر البهجة في الأسواق
الصدفة غيّرت مجرى حياته
«المصري»... صانع عرائس ينشر البهجة في الأسواق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة