بيريس يستغل زيارته «الأخيرة» للولايات المتحدة للحث على الإفراج عن بولارد

سيبحث مسألة الإسرائيليين الثلاثة المختفين.. والكونغرس سيمنحه «وسام الشرف»

بيريس يستغل زيارته «الأخيرة» للولايات المتحدة للحث على الإفراج عن بولارد
TT

بيريس يستغل زيارته «الأخيرة» للولايات المتحدة للحث على الإفراج عن بولارد

بيريس يستغل زيارته «الأخيرة» للولايات المتحدة للحث على الإفراج عن بولارد

يستغل شيمعون بيريس زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة بصفته رئيسا لدولة إسرائيل قبل انتهاء ولايته في يوليو (تموز) المقبل، لممارسة ضغوط كبيرة من أجل الإفراج عن الجاسوس اليهودي المعتقل في أميركا جوناثان بولارد.
ووصل بيريس، أمس، إلى الولايات المتحدة في زيارة عمل تستغرق أسبوعا يلتقي خلالها الرئيس الأميركي باراك أوباما والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ويلقي خطابا في الكونغرس، ويودع فيها قادة الجالية اليهودية. ويعلق الإسرائيليون آمالا على قدرة بيريس الملقب «بالثعلب» لإقناع أوباما على التوقيع على الإفراج عن بولارد.
وكان بيريس التقى قبل مغادرته إلى واشنطن زوجة الجاسوس اليهودي الأميركي (استر)، وأبلغها بأنه سيبذل جهده للإفراج عن زوجها. وقال بيريز: «إن العمل على الإفراج عن بولارد هو واجبنا الوطني، وسأتوجه باسم إسرائيل لرئيس الولايات المتحدة لإطلاق سراحه من السجن بدوافع إنسانية، أنوي القيام بذلك في لقاءاتي في الكونغرس الأميركي والبيت الأبيض وفي كل مكان».
وهذه ليست أول محاولة إسرائيلية للإفراج عن بولارد، فعلى مدار ربع قرن حاول الإسرائيليون مع جميع الرؤساء الأميركيين من أجل إطلاق سراحه. ووضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب الإفراج عن بولارد شرطا لاستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين وإطلاق سراح أسراهم، قبل أن تنهار المفاوضات برمتها في أبريل (نيسان) الماضي.
وكان بولارد، الذي عمل في مجال تحليل المعلومات بالبحرية الأميركية اعتقل في الولايات المتحدة عام 1985 بتهمة تسريب «أسرار دفاعية» بين مايو (أيار) 1984 ونوفمبر (تشرين الثاني) 1985 لصالح إسرائيل، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدى الحياة عام 1987.
وتشير وثائق نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) في وقت سابق، إلى أن بولارد اعترف بأنه كان يبحث عن معلومات تتعلق بالبلدان العربية وأن مهمته كانت تقضي آنذاك بتقصي المعلومات المتعلقة بالبرامج النووية العربية أو الباكستانية.
ويسود الاعتقاد بأن بولارد قدم أيضا معلومات عن مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، ساعدت إسرائيل في التخطيط للغارة الجوية في 1985، وأيضا عن تقدير أميركي قلل من حظوظ سوريا في استعادة هضبة الجولان إذا ما اندلعت حرب مع إسرائيل.
واستبعد مراقبون إسرائيليون أن ينجح بيريس في إقناع أوباما بالتوقيع على إطلاق بولارد، دون مقابل سياسي كبير من جانب إسرائيل، لكن بيريس يأمل بأن يخلي منصبه الشهر المقبل مع «بشرى كبيرة» يزفها للإسرائيليين.
وسيخلف بيريس في منصبه الرئيس المنتخب من قبل الكنيست، رؤوفين ريفلين.
ومن المفترض أن يعقد بيريس خلال زيارته الحالية لقاء عمل مع الرئيس الأميركي وسيبحث، إلى جانب قضية بولارد، مسألة الإسرائيليين الثلاثة المختفين في الضفة والمباحثات النووية مع إيران. وقال مكتب بيريس إنه سيسعى للحصول على الدعم لحملة «إعادة ثلاثة إسرائيليين مخطوفين».
وسيلقي بيريس خطابا وداعيا في الكونغرس الذي سيمنحه «وسام الشرف» وهو الوسام الأرفع الذي يمكن أن يمنحه الكونغرس. وكتب في توصية منح الوسام: «الرئيس بيريس شخصية تاريخية، رجل كرّس حياته لإنشاء قوة إسرائيل والحفاظ عليها. خلال سنوات عمله، ساهم بيريس مساهمة ملحوظة في دعم مصالح الولايات المتحدة ولعب دورا رئيسا في تأسيس العلاقة القوية والشجاعة بين الولايات المتحدة ودولة إسرائيل».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»