ليبيا تتنصل من تهديدات لمواطني تركيا وقطر وتتعهد بالحفاظ على سلامتهم

أول عملية تبادل أسرى بين قوات حفتر والمتطرفين في بنغازي

آثار حريق اندلع في أسواق بنغازي أمس (رويترز)
آثار حريق اندلع في أسواق بنغازي أمس (رويترز)
TT

ليبيا تتنصل من تهديدات لمواطني تركيا وقطر وتتعهد بالحفاظ على سلامتهم

آثار حريق اندلع في أسواق بنغازي أمس (رويترز)
آثار حريق اندلع في أسواق بنغازي أمس (رويترز)

نأت الحكومة الليبية بنفسها رسميا عن التهديدات التي وجهها اللواء خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الذي يخوض معارك ضد المتطرفين في منطقة شرق ليبيا، والخاصة باعتقال مواطني تركيا وقطر إذا لم يغادروا المنطقة خلال يومين، وهي المهلة التي انتهت فعليا منتصف ليل أمس. وقالت وزارة الخارجية الليبية إن «هذه التهديدات لا تمثل الموقف الرسمي للدولة الليبية».
وعدت الوزارة، في بيان أصدرته أمس، أن من مسؤولية الحكومة الليبية المؤقتة توفير الحماية لجميع الأجانب الموجودين، والحرص على تجنب إلحاق أي ضرر بهم. وطالبت جميع الليبيين باحترام الضيوف الأجانب وحظر المساس بهم. ولفتت إلى أن وجود الأجانب في ليبيا مرتبط بمساهمتهم في تقديم الخدمات الضرورية للشعب الليبي في مختلف القطاعات، وحذرت من أن التعرض لسلامتهم أمر يعاقب عليه القانون. وقالت الوزارة أيضا إنها «تطمئن الشركات الأجنبية ورجال الأعمال والعاملين كافة بهذه الشركات، إلى أنها ستتخذ الإجراءات كافة للحفاظ على سلامتهم وتمكينهم من أداء أعمالهم في أمن وأمان»، لكنها لم تحدد هذه الإجراءات ولا طبيعتها.
وكانت الوزارة تعلق بهذا البيان على ما وصفته بـ«تقارير إعلامية» تفيد بمنح مهلة 48 ساعة لمواطني قطر وتركيا لمغادرة المنطقة الشرقية، وإلا فإنهم سيتعرضون للقبض عليهم والمحاكمة، في إشارة ضمنية إلى التصريحات التي أطلقها قبل يومين العقيد محمد حجازي الناطق باسم قوات الجيش الوطني بقيادة حفتر.
وقبل انتهاء المهلة، أمس، أعلنت القنصلية التركية في بنغازي أن موطنين أتراكا بدأوا بالفعل في مغادرة الأراضي الليبية، مشيرة إلى أنها تشرف على عملية إخلاء 250 تركيا كانوا يعيشون في جنوب البلاد، لم يتمكنوا من مغادرة مدينة بنغازي جوا، بسبب إغلاق مطار المدينة. وقالت وكالة أنباء الأناضول التركية إن القنصلية تدرس عدة خيارات لتأمين مغادرة الجالية التركية بأمان، موضحة أن عددا من الأتراك سيغادرون عن طريق العاصمة طرابلس إلى إسطنبول مباشرة، وأن عددا آخر سيغادر عن طريق مطار «لبرق» في البيضاء، مرورا بتونس، نظرا لغياب وجود رحلات مباشرة إلى أي مدينة تركية.
ووجه سعيد أقن، القنصل التركي في بنغازي، نداء إلى جميع الأتراك بتجنب التوجه إلى المناطق الشرقية في ليبيا، إلا في حالات الضرورة القصوى، لافتا إلى أن القنصلية تدير جميع أعمالها عن طريق السفارة في العاصمة الليبية طرابلس، منذ نحو عشرة أيام، بسبب ما وصفه بالأوضاع الأمنية السيئة في بنغازي، وأن معظم أفراد الجالية التركية غادروا الأراضي الليبية، خلال الفترة السابقة.
في المقابل، أكد عبد الرزاق مختار السفير الليبي في أنقرة، أن المواطنين الأتراك في شرق ليبيا في وضع آمن، وتعهد بأن الحكومة الليبية لن تسمح بأي حال من الأحوال بتعرض أي مواطن تركي للأذى. ورأى مختار أن من وصفهم بـ«المتمردين» في شرق البلاد لا يمثلون، بأي شكل من الأشكال، إرادة الحكومة الليبية، مضيفا للوكالة التركية أن «ما يسمى بعملية الكرامة بقيادة حفتر لا يمثل إرادة الحكومة الليبية، فالأتراك هم إخوتنا وأصدقائنا، وليبيا هي وطن الأتراك أيضا».
وأكد مختار استمرار تسيير رحلات السفر بين البلدين، وقال إن أي ضرر يلحق بالأتراك كأنه لحق بالليبيين، كما أكد حرص الحكومة الليبية على سلامة المواطنين الأتراك تحت أي ظروف.
في غضون ذلك، جرت، أول من أمس، عملية لتبادل أسرى بين قوات حفتر وتنظيم أنصار الشريعة المتشدد، الذي أفرج عن جنديين تابعين للجيش الليبي كانا محتجزين لديه.
وقال الشيخ مفتاح الفرجاني، أحد خطباء مساجد مدينة بنغازي، إن المساعي التي بذلتها وزارة الأوقاف أثمرت إطلاق سراح الجنديين، مشيرا إلى أن «الوزارة ستسعى للجلوس مع الأطراف الأخرى للتحاور والتفاهم وإصلاح ذات البين».
من جهة أخرى، أكدت مصادر محلية في بنغازي لـ«الشرق الأوسط» أن حريقا كبيرا ناجما عن اشتعال النار بمخزن للألعاب النارية والمفرقعات في سوق شعبية شهيرة باسم «السوق المصرية» في وسط جنوب المدينة، أدى إلى سقوط ثلاثة مصابين واحتراق عشر سيارات، بالإضافة إلى خسائر مادية كبيرة.
كما أعلنت قناة ليبيا الوطنية الحكومية أنه جرى إطلاق سراح مديرها التنفيذي طارق الهوني، الذي قامت مجموعة مسلحة باعتقاله، بعد اقتحام المقر الرئيس للقناة، في أحدث عمل يستهدف حرية الإعلام في البلاد. وعبر المركز الليبي لحرية الصحافة، في بيان له، عن استنكاره واستهجانه الشديد لما وصفه بـ«عملية الاعتقال القسري الخارجة عن القانون» للهوني من قبل مسلحين، قيل إنهم من فرقة الإسناد الأمني الثامنة بوزارة الداخلية.
وقال موظفو قناة الوطنية إن «مسلحين يرتدون واقي الرصاص على متن سيارتين اقتحموا المبني التلفزيوني من دون وجه حق، وقاموا باقتياد الهوني بوضح النهار وأعادوه من بعدها. وهو ما يعد انتهاكا جسيما بحق الصحافيين وغير مبرر، من قبل مجموعة مسلحة تدعي أنها تحت شرعية الدولة».
في غضون ذلك، بحث رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله الثني مع سفير إيطاليا لدى طرابلس جوزيبي بوشينو، التجهيزات الجارية لإرسال الدفعة الثانية من جنود الجيش الليبي للتدرب في إيطاليا، التي ستنطلق عقب شهر رمضان المبارك. وجدد الثني، بحسب بيان لمكتبه، تأكيده على ضرورة التنسيق بين الجانبين، مشيرا إلى أنه جرى بحث التعاون الأمني، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، ومساعدة ليبيا في مراقبة الحدود، وتدريب أفراد أمن المصارف.
وكان الثني اجتمع، في وقت سابق، مع عدد من مسؤولي المصارف التجارية العاملة بليبيا، بحضور وزيري المواصلات والاتصالات ومندوب عن مصرف ليبيا المركزي، لمناقشة الصعوبات التي تواجه المصارف في الإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطن، وخصوصا نقص السيولة الناتج عن تعثر انسياب النقد من المصرف المركزي إلى المصارف التجارية، مما أربك حياة المواطن.
وأكد الثني على ضرورة حل هذه الإشكاليات، والتنسيق مع الجهات المختصة لتأمين نقل الأموال، وتسهيل سحب المواطنين من مدخراتهم لدى هذه المصارف، خصوصا مع قدوم شهر رمضان.
من جهة أخرى، احتجز محتجون معتصمون بحقل النافورة النفطي، القريب من منطقة اجخرة بالواحات، طائرة مقبلة من العاصمة طرابلس تقل عاملين، كانت هبطت بمطار الحقل التابع لشركة الخليج العربي للنفط.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية إن المحتجين أغلقوا المطار بالسيارات لمنع هبوط أي طائرة، مما شل حركة النقل. ونقلت الوكالة عن المعتصمين أنهم يتبعون حرس المنشآت النفطية وكتيبة الجزيرة، وأن احتجاجهم يرجع لأنهم لم يتقاضوا مستحقاتهم منذ مدة.



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».