لندن تتمسك بـ«محدودية» الغارات وجدل حول «شرعيتها»

TT

لندن تتمسك بـ«محدودية» الغارات وجدل حول «شرعيتها»

تمسكت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أمس، بحق حكومتها في استخدام القوة العسكرية للمشاركة، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا، في توجيه ضربات للمنشآت الكيماوية السورية رداً على مذبحة دوما، مبررة عدم اللجوء إلى الحصول على إذن مسبق من البرلمان بضرورات «أمنية وعملانية» استدعت تنفيذ الضربة فجر السبت. لكن خطوتها هذه قوبلت بانتقادات من بعض معارضيها وعلى رأسهم زعيم حزب العمال جيريمي كوربن الذي اعتبر أن هناك «تساؤلاً حول شرعية» تنفيذ ضربة عسكرية ضد سوريا. وسيتاح للنواب البريطانيين طرح أسئلتهم على ماي في شأن الضربة ومبرراتها عندما يعود مجلس العموم للالتئام غدا الاثنين (بعد انتهاء عطلة عيد الفصح). واستبقت حكومة ماي المحافظة الجلسة بالإفراج عن «ملخص» للرأي القانوني الذي قدّمه المدعي العام في شأن شرعية لجوئها إلى تنفيذ الهجوم في سوريا، من دون إذن البرلمان. وواضح أن هذه الإشكالية ستكون محوراً أساسياً في الجدل البرلماني الاثنين، إذ إن كوربن دعاها إلى نشر النص الكامل (وليس الملخص) لموقف المدعي العام. ومعلوم أن هذه القضية بالغة الحساسية، فقد كانت محور جدل مماثل في التحقيق الذي أجرته بريطانيا (تقرير لجنة شيلكوت) في قرار غزو العراق عام 2003 خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق توني بلير. وحاولت الحكومة آنذاك منع نشر كامل الموقف القانوني الذي قدّمه المدعي العام، والذي تبيّن أنه تحفّظ في البداية على شرعية الغزو من وجهة نظر قانونية، قبل أن يأذن للحكومة بالذهاب إلى الحرب.
وعدم لجوء ماي إلى البرلمان هذه المرة جنبها المرور بتجربة مماثلة لما مر به سلفها ديفيد كاميرون الذي خسر تصويتاً في مجلس العموم عندما أراد إشراك بريطانيا في معاقبة النظام السوري على استخدام السلاح الكيماوي في مذبحة الغوطة الأولى في أغسطس (آب) 2013. ولكن يبدو هذه المرة أن هناك تأييداً نيابياً واسعاً لخطوة معاقبة سوريا على «مذبحة دوما» من أعضاء حزبي المحافظين والعمال، وإن كانت قيادة الحزب الأخيرة أعلنت معارضتها اللجوء إلى الخيار العسكري. وإلى جانب قيادة حزب العمال، كان الحزب القومي الاسكوتلندي (يقود الحكومة المحلية في أدنبرة) أبرز الأصوات المعارضة للعملية في سوريا، لا سيما أن حكومة المحافظين الحالية هي حكومة أقلية لا تملك غالبية برلمانية (تحكم بدعم من حزب آيرلندي صغير غير ممثل في الحكومة). وكانت ماي قد حصلت مساء الخميس على إذن حكومتها المصغرة للعملية في سوريا، وهي شددت خلال مؤتمرها الصحافي في 10 داونينغ ستريت، صباح أمس، على أن الضربة «محدودة» ولا تهدف إلى تغيير نظام الرئيس بشار الأسد، بل لردعه مجدداً عن استخدام أسلحة محرمة دولياً. وبدا من تركيزها على هذا الأمر أنها تحاول طمأنة النواب إلى أنها لا تدفع ببريطانيا - في قرارها العسكري الأول - إلى الدخول في عملية مشابهة لما جرى في ليبيا عام 2011، عندما أطلقت لندن وواشنطن وباريس عملية مشتركة تحت عنوان حماية المدنيين الليبيين من بطش نظام العقيد معمر القذافي، قبل أن تتحوّل إلى عملية لإطاحة النظام. كما كان واضحاً من كلامها أنها تتوجه أيضاً إلى روسيا من خلال تحذيرها من أن استخدام أسلحة كيماوية لا يمكن قبوله: «سواء كان في سوريا أو في شوارع بريطانيا أو أي مكان آخر، في إشارة إلى اتهام لندن لموسكو بأنها وراء تسميم العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبري بجنوب غربي إنجلترا. وتنفي موسكو هذه التهمة».
وكرر زعيم المعارضة العمالية كوربن، أمس، دعوته الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في مذبحة دوما، معتبراً أن «القنابل لا تنقذ حياة ولا تجلب سلاماً». وحض بريطانيا على لعب «دور قيادي» في الوصول إلى وقف للنار في سوريا عوض «أخذ تعليمات من واشنطن». وجادل بأن الشيء الوحيد الذي يجعل الضربة البريطانية لسوريا أمراً شرعياً هي أن يكون الأمن القومي البريطاني مهدداً فتكون بريطانيا ساعتئذ «في حال دفاع عن النفس».
وشاركت أربع طائرات تورنادو بريطانية انطلقت في الساعات الأولى من فجر أمس من قاعدتها في اكروتيري بقبرص لشن ضربات ضد منشأة كيماوية سوريا في محافظة حمص، وأطلقت عليها ثمانية صواريخ من نوع «ستورم شادو». واعتبر وزير الدفاع البريطاني غافين ويليامسون أن الضربة البريطانية - الأميركية - الفرنسية لعبت بالفعل دوراً كبيراً في «تقليل قدرة النظام السوري على استخدام أسلحة كيماوية». والأهداف الثلاثة التي ضُربت في العملية المشتركة فجر أمس كانت على وجه الخصوص عبارة عن منشآت لتصنيع السلاح الكيماوي، أي أنها تتعلق بقدرة النظام على إنتاج مثل هذا السلاح. وهي بذلك تختلف عن ضرب مطار الشعيرات في حمص العام الماضي (رداً على هجوم خان شيخون) والذي كان هدفه ضرب قدرة النظام على استخدام سلاح الجو في الضربات الكيماوية وليس قدرته على إنتاج الكيماوي.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.