إجلاء دفعة من دوما إلى شمال سوريا... وقياديون معارضون يرفضون التهجير

رجل وسط الدمار في حي جوبر شرق دمشق أمس (أ.ف.ب)
رجل وسط الدمار في حي جوبر شرق دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

إجلاء دفعة من دوما إلى شمال سوريا... وقياديون معارضون يرفضون التهجير

رجل وسط الدمار في حي جوبر شرق دمشق أمس (أ.ف.ب)
رجل وسط الدمار في حي جوبر شرق دمشق أمس (أ.ف.ب)

انقسمت قيادات «جيش الإسلام» على خيار الخروج من مدينة دوما، معقل التنظيم في غوطة دمشق الشرقية، إلى الشمال السوري، بعد يومين على إنجاز اتفاق مع الطرف الروسي قضى بخروج الرافضين للتسوية مع النظام السوري إلى الشمال، فيما بدأت عملية إجلاء مقاتلين ومدنيين من مدينة دوما، في خطوة تمهد طريق قوات النظام السوري لاستعادة كامل المنطقة قرب دمشق.
وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات لـ«الشرق الأوسط» إن انقساماً ظهر بين قيادات «جيش الإسلام» أمس، أحدهما يمثله قائد الجيش عصام البويضاني المؤيد للاتفاق، والثاني يمثله أبو عبد الرحمن كعكة، الذي أعلن معارضته للخروج من الغوطة. وقالت المصادر إن الجانب الروسي «يصرّ على خروج جميع الرافضين للتسوية من الغوطة».
ويمثل كعكة، المعروف بأنه أحد قياديي «جيش الإسلام»، قسماً يناهز الـ40 في المائة من المقاتلين، ويعتبرونه ناطقاً باسمهم، بحسب ما قال المصدر، وهو «ما من شأنه أن يعقد عملية الإجلاء التي يدفع إليها النظام وروسيا»، تمهيداً لإخلاء آخر معاقل المعارضة في الغوطة الشرقية. وقالت المصادر إن الخلافات «تبدو عملية ضغط على الطرف الروسي لتعديل بنود في الاتفاق».
وظهرت تلك المعلومات في ظل صمت من «جيش الإسلام» والمقربين منه، فيما أكد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وقوع خلافات داخل الفصيل المعارض بين موافقين على الاتفاق وقياديين متشددين معارضين له. وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك محاولات لإقناع الجناح المتشدد في (جيش الإسلام) بعدم إعاقة تنفيذ الاتفاق».
وقال المرصد إن «الاتفاق بين الروس وجيش الإسلام هو مؤكد، ولكن الخلاف حاليا داخل صفوف قيادات (جيش الإسلام)»، لافتاً إلى أن «القيادي أبو عبد الرحمن كعكة هو الطرف الذي يرفض الخروج من دوما»، كما أنه «يطالب بتطبيق سيناريو غزة في دوما، ويتهم الناشطين والراغبين في الخروج بالخيانة والتخاذل، ويقول بأنه سيقاتل حتى النهاية ولن يقبل بأي اتفاق مع الروس». وتوجه كعكة إلى سكان دوما بالقول عبر حسابه في «تويتر»: «أهل الغوطة، الثبات الثبات، والصبر الصبر، والحذر الحذر، من إعلام عدوك، فإنه أقطع لك من الصارم البتار، ومن السهم الغرب، ولا يدفعنك المنهزمون إلى هزيمتهم، فكل إنسان عن عمله مسؤول، وإلى قبره صائر».
ويقول المدافعون عن الاتفاق من المقربين من «جيش الإسلام» في الشمال، إن «(الجيش) وافق عليه تحت الضغط العسكري والقصف الجوي العنيف من قبل النظام والروس»، وبهدف «حقن دماء المدنيين».
وتعرض جيش الإسلام لضغوط داخلية من سكان دوما الذين طالبوا باتفاق يحمي المدينة من أي عمل عسكري.
وبدأت أمس عملية إجلاء المقاتلين وعائلاتهم من دوما باتجاه الشمال، حيث أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أمس الاثنين، بـ«خروج دفعة حافلات» من مدينة دوما على متنها عدد من مقاتلي «جيش الإسلام» وعائلاتهم تمهيداً لنقلهم إلى جرابلس الواقعة تحت سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة في محافظة حلب. وأفاد التلفزيون السوري بخروج ست حافلات على الأقل عبر معبر الوافدين الواقع شمال دوما، إلى نقطة تتجمع فيها الحافلات بانتظار اكتمال القافلة قبل أن تنطلق إلى مدينة جرابلس.
وأفاد «المرصد السوري» بخروج حافلات من مدينة دوما، تحمل على متنها مقاتلين وعائلاتهم ومدنيين ممن رفضوا اتفاق «جيش الإسلام» مع القوات الروسية، إذ خرج عدد من الحافلات فيما لا يزال القسم الأكبر من الحافلات متوقفاً داخل مدينة دوما، على أن يجري خروج الحافلات تباعاً إلى أطراف الغوطة الشرقية، لحين استكمال القافلة وانطلاقها نحو ريف حلب الشمالي الشرقي بالشمال السوري.
ويأتي بدء خروج الحافلات غداة إعلان الجنرال في الجيش الروسي يوري إيفتوشينكو، وفق تصريحات نقلتها وكالة «إنترفاكس» ليل الأحد، التوصل إلى «اتفاق مبدئي» لعملية «الإجلاء» من دون تحديد موعد بدئها، وذلك بعد نشر وسائل الإعلام السورية معلومات عن تفاصيل الاتفاق.
ونص الاتفاق، وفق ما نقل الإعلام السوري الرسمي الأحد، على خروج مقاتلين من دوما، و«تسوية أوضاع المتبقين» على أن تجري «عودة جميع مؤسسات الدولة» وتسليم المقاتلين «أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة للدولة».
وكان الطرف الروسي قد أعلن عن الاتفاق الأحد، بالتزامن مع نشر «جيش الإسلام» على قناته على موقع «يوتيوب» شريط فيديو لقائده العام عصام البويضاني، وهو يتحدث داخل مسجد في دوما، من دون تحديد تاريخ التصوير. ويخاطب البويضاني الحاضرين بالقول: «في أي لحظة قد تفتح المعركة وتُفرض علينا معركة (...) نحن باقون في هذه البلاد ولن نخرج منها. من يريد أن يخرج فليخرج، لكن لا يشوش علينا». وحذر من «الشائعات» عن خروج مقاتلي «جيش الإسلام» من دوما.
وبات الجيش النظامي يسيطر على 95 في المائة من مساحة الغوطة الشرقية. وغادرت الأحد قافلة تنقل 1146 شخصاً من دوما إلى إدلب، وفق التلفزيون السوري. وضمت القافلة بحسب المرصد، مدنيين جرحى، إضافة إلى مقاتلين سابقين في «فيلق الرحمن» وأسرهم. ووصلت القافلة في وقت مبكر من صباح الاثنين إلى ريف حماة الشمالي، وفق ما أفادت وكالة «الصحافة الفرنسية».
وبعد هجوم عنيف استمر نحو خمسة أسابيع وتسبب في مقتل أكثر من 1600 مدني، وافق فصيلا «حركة أحرار الشام» و«فيلق الرحمن» على إجلاء مقاتليهما بموجب اتفاق مع روسيا. وخرج خلال ثمانية أيام أكثر من 46 ألف شخص من مقاتلين ومدنيين إلى شمال غربي سوريا. وكانت قوات النظام قد عززت انتشارها في محيط دوما خلال الأيام الأخيرة، بالتزامن مع المفاوضات، تمهيداً لعمل عسكري في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مع فصيل «جيش الإسلام».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».