نقابات تونس تطلق مفاوضات «عسيرة» حول الزيادة في الأجور

TT

نقابات تونس تطلق مفاوضات «عسيرة» حول الزيادة في الأجور

شرعت النقابات التونسية وبعض الهيئات الحكومية، ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال)، ووزارة الشؤون الاجتماعية (ممثلة للحكومة)، في عقد لقاءات تهدف إلى فتح مفاوضات حول الزيادة في الأجور، في ظل خلافات قوية بين مختلف الأطراف المشاركة في هذه الاجتماعات.
ويمثل نور الدين الطبوبي، رئيس نقابة العمال، وفد الطرف العمالي، فيما يتولى سمير ماجول، رئيس اتحاد الصناعة والتجارة، قيادة وفد مجمع رجال الأعمال، بينما يؤدي محمد الطرابلسي، وزير الشؤون الاجتماعية، مهمة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، بعد بروز خلافات جوهرية حول ملف الزيادات في الأجور.
ويحاول الطرف الحكومي التوفيق بين مواقف النقابتين رغم تباعد وجهات نظرهما (نقابة العمال ونقابة رجال الأعمال)، كما يسعى إلى كيفية تجاوز العقبات، آخذا في عين الاعتبار تأثير هذه المفاوضات على القدرة الشرائية للمواطنين، وإمكانية مساهمتها في إخماد وتيرة الاحتجاجات التي تطالب بالتنمية وفرص العمل في أكثر من مدينة تونسية.
واستعد الطرف العمالي منذ أشهر لهذه المفاوضات من خلال الملتقى التحضيري للمفاوضات، الذي جمع أكثر من 250 نقابياً، يمثلون لجان التفاوض في القطاع الخاص. وفي محاولة لطمأنة أصحاب المؤسسات الخاصة أكد رئيس نقابة العمال أن المفاوضات «ستراعي الحقوق والواجبات في نفس الوقت، وتعمل على توفير ظروف العمل اللائق للأجراء، كما ستسعى إلى تحقيق توازن بين استحقاقات المؤسسة والنهوض بالإنتاج، وتوفير الحماية الاجتماعية للأجراء».
في المقابل، أوضح ممثلون عن اتحاد الصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال) أن المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص ستفضي في القريب العاجل إلى حل يرضي جميع الأطراف.
وتشكو عدة قطاعات من صعوبات اقتصادية كثيرة، تجعل موافقتها على الزيادة في الأجور عملية صعبة للغاية. وتقدر زيادة الأجور بحوالي 6 في المائة، وهي تقريبا نفس الزيادة التي يحصل عليها موظفو القطاع العام، ويرافقها سنويا ارتفاع في الأسعار بمعدل يزيد على 5 في المائة، وهو ما يعني أن تأثير الزيادة سيكون منعدما، دون زيادة الإنتاج والتحكم في أسعار البيع.
وتناقش هذه المفاوضات مراجعة محتوى 54 اتفاقية مشتركة قطاعية، بهدف تحسين القدرة الشرائية للموظفين، والنهوض بالمؤسسات في القطاع الخاص، وتشمل هذه الاتفاقيات أكثر من 2.5 مليون عامل. وفي هذا الشأن، قال محمد صالح فراد، الخبير الاقتصادي التونسي، إن الزيادة المنتظرة في الأجور «ستزيد من أعباء المؤسسات، وخاصة تلك التي تعمل في مجال التصدير، وستضعف تنافسية المنتجات التونسية في الأسواق العالمية». مشيرا إلى أن الزيادة في الأجور تفترض في المقابل زيادة سعر البيع حتى لا تتضرر الموازنات المالية للمؤسسات، «وهو الأمر الذي سيجعل من منتجات الشركات التونسية المصدرة غير تنافسية، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذه الزيادة الحل الأمثل في هذا الظرف الصعب، بل لا بد من ربط الزيادات في الأجور بالزيادة في الإنتاج»، على حد قوله.
وعلى الرغم من التأثير الإيجابي للزيادة في الأجور على الوضع الاجتماعي العام، فإنها تبقى، حسب محللين اقتصاديين، غير كافية لمجابهة تدهور المقدرة الشرائية التي تأثرت بعدة عوامل أخرى، أبرزها انهيار العملة المحلية (الدينار)، وارتفاع نسبة التضخم التي تجاوزت 7 في المائة.
على صعيد آخر، انطلقت أمس في مدينة سوسة (وسط شرقي) الدورة الثانية للمؤتمر الوطني للحركات الاجتماعية، التي ينظمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة)، والتي تتواصل على مدى ثلاثة أيام.
وحول أهداف هذا المؤتمر والنتائج المتوخاة منه، قال مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لـ«الشرق الأوسط» إن المنظمة «تدعم كل أشكال التحرك السلمي المطالب بالتنمية، وخلق فرص العمل، باعتبارها حقوقا يكفلها الدستور، كما تدعو الحكومات إلى تفهم مطالب الفئات الضعيفة والفقيرة، وعدم الاعتماد على الحلول الأمنية لحل الملفات الاجتماعية والاقتصادية الشائكة».
ويشارك في هذا المؤتمر أبرز الفاعلين المحليين المدافعين عن الحقوق الدستورية في الشغل والتنمية والبيئة، والصحة والتعليم، وممثلون عن نشطاء الحركات الاجتماعية والمجتمع المدني. كما يعرف مشاركة 150 ناشطا، يمثلون مختلف الحركات الاجتماعية الناشطة في مختلف جهات تونس.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.