شرخ بين الأميركيين وممثليهم في الكونغرس حول الأسلحة والهجرة

TT

شرخ بين الأميركيين وممثليهم في الكونغرس حول الأسلحة والهجرة

بعد المجازر التي ارتكبها عدد من الأشخاص خلال الأشهر الأخيرة الماضية في المدارس والأماكن العامة في الولايات المتحدة من قِبل أشخاص يمتلكون أسلحة نارية فتاكة، بدأت نسبة كبيرة من الأميركيين تطالب بتشديد القوانين حول حيازتها. لكن لماذا يبقى الكونغرس مكتوف الأيدي؟
في ظل نظام تقطيع الدوائر الانتخابية، وبوجود مجلسين في الكونغرس متساويين في الوزن، لا يمكن اعتبار الكونغرس مرآة فعلية للشعب الأميركي. فغالبية من الأصوات لا تنعكس بالضرورة غالبية برلمانية. وهذا ما يصح أكثر أيضاً بالنسبة للرئيس الذي ينتخب بالاقتراع غير المباشر.
أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، غريغوري واورو، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «الآباء المؤسسين ابتكروا نظاماً يحول دون التغييرات المفاجئة في السياسة على هوى نزوات الشعب وأهوائه. لكن كل ذلك له كلفة: من الصعب تغيير السياسة حتى عندما يكون الطلب قوياً».
إنها مفارقة تثير استنكار الناشطين المعارضين للأسلحة، الذين يتهمون ممثليهم المنتخبين بالتساهل والنفاق، غير أنها لا تقتصر على الأسلحة النارية، بل هي متجذرة في عقود، بل حتى قرون من الممارسات السياسية في الولايات المتحدة.
وتقول الصحافة الفرنسية في تحقيقها من واشنطن، إذا أخذنا مثال الهجرة، فإن استطلاعات الرأي تظهر أن الأميركيين يؤيدون «ضمان أمن الحدود» لكنهم معارضون لبناء الجدار على الحدود مع المكسيك. وهم يودون تشريع أوضاع الشبان الذين لا يملكون أوراقاً قانونية، لكنهم يطالبون بتخفيض عدد المهاجرين. يؤكد كل من الديمقراطيين والجمهوريين من جهتهم أنهم يمثلون الغالبية، ويجدون بالتالي صعوبة في التوصل إلى تسوية بشأن قانون يوفق بين كل هذه المطالب المتعارضة في بعض الأحيان.
أما بالنسبة إلى الأسلحة النارية، فإن 97 في المائة من الأميركيين يؤيدون تدقيقاً إلزامياً في السوابق قبل بيع أي قطعة سلاح، وفق ما كشف استطلاع للرأي أجراه معهد كوينيبياك. لكن النسبة تتراجع بشكل متباين بحسب مختلف الاقتراحات المطروحة، فتتدنى إلى 83 في المائة من المؤيدين لفرض مهلة انتظار ما بين شراء قطعة السلاح وتسلمها، وإلى 67 في المائة من المؤيدين لحظر الأسلحة الهجومية. وبالتالي، فإن أعضاء الكونغرس يصطدمون هنا أيضاً بعقبة في وجه إصلاح القوانين. الموافقة على اقتراح لا يعني أن الناخبين سيجعلون منه معياراً حصرياً لمنح أصواتهم.
وقالت أستاذة السياسة في جامعة جون مايسون جينيفر نيكول فيكتور لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الانتخابات آلية كثيرة الثغرات لمحاسبة المندوبين المنتخبين». فعندما تطرح عليهم أسئلة عدة، غالباً ما لا يكون أمامهم سوى إجابتين للاختيار من بينهما، فضلاً عن اعتبارات أخرى قد تؤثر على خياراتهم، مثل مزاجهم في ذلك اليوم تحديداً والأحداث الجارية.
وهذا ما يفسر على الأرجح كيف أن الكثير من الأميركيين المؤيدين لترمب لا يصدقونه حين ينفي صحة الفضائح المتعلقة بالعلاقات المنسوبة إليه خارج الزواج، غير أنهم لا يعتبرون هذه القضايا مهمة إلى حد سحب تأييدهم له. فيما يتعلق بقضية الأسلحة الفردية، فإن الجمعية الوطنية للبنادق تلعب دوراً محورياً في تصعيد نبرة السجال.
وأوضحت جينيفر نيكول فيكتور، أن الجمعية الوطنية للبنادق ليست مجرد مجموعة ضغط، بل هي «أنشأت ثقافة حقيقية للأسلحة النارية» ونجحت في جعلها ركيزة للأسطورة الوطنية، تجمع ما بين الصانعين والبرلمانيين والصيادين وغيرهم من هواة الأسلحة والرماية. ولفتت إلى أن البرلمانيين الجمهوريين ينتمون أيضاً إلى هذه الثقافة، ويتمنعون عن إعادة النظر فيها ولو جزئياً خشية أن يعزلوا أنفسهم عن المجموعة. في المقابل، فإن المعسكر المعارض للأسلحة النارية تأخر في ترتيب أوضاعه لتشكيل حركة حاشدة. فمجزرتا كولومباين (1999) وساندي هوك (2012) أدتا إلى قيام تنظيمات ناشطة، لكن التحركات لم تتخذ حجم حركة شعبية متصاعدة إلا بعد عملية إطلاق النار في مدرسة باركلاند في فبراير (شباط) الماضي.
في عام 1986، وقع الرئيس الجمهوري رونالد ريغان قانوناً يشرع أوضاع 2.7 مليون مهاجر في وضع غير قانوني. وفي 1996، أصدر الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون قانوناً يشدد شروط الحصول على مساعدات اجتماعية. وفي كلتا الحالتين، تحتم على الرئيس التوصل إلى توافق مع أعضاء الكونغرس من الطرف الآخر، فتفاهم ريغان مع كونغرس ديمقراطي في جزء منه، في حين تفاهم كلينتون مع غالبية جمهورية. كما ذكر جون هوداك من معهد بروكينغز في واشنطن، أن الكثير من البرلمانيين الجمهوريين أيّدوا حظر الأسلحة الهجومية عام 1994 في قانون انتهت مدته عام 2004. مضيفاً: «من غير الوارد اليوم أن نرى برلمانياً جمهورياً، أو بالأحرى رئيساً جمهورياً يدعم مثل هذا الحظر». وما يحول دون ذلك هو حال الاستقطاب الشديد السائد بين الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، وقد أصبح كل منهما متمسكاً بشدة بمواقفه لا يحيد عنها. لكن دونالد ترمب قد يميل أكثر إلى مد اليد للديمقراطيين في حال سيطرتهم على الكونغرس بعد الانتخابات التشريعية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

أوروبا عنصر من الشرطة الفرنسية في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر أمنية، السبت، أن اثنين من رجال الأمن ومهاجرَين قُتلوا بإطلاق نار في لون بلاج بالقرب من مدينة دونكيرك الشمالية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا سفينة على متنها مهاجرون غير شرعيين ترسو في جزيرة كريت اليونانية (أرشيفية - رويترز)

غرق مهاجر ومخاوف من فقد آخرين بعد انقلاب قارب قبالة اليونان

قال خفر السواحل اليوناني، اليوم السبت، إن السلطات انتشلت جثة مهاجر وأنقذت 39 آخرين من البحر بعد انقلاب قارب.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
شمال افريقيا حرس جزر الكناري الإسبانية يقدم مساعدات لمهاجرين أفارقة انطلقوا من سواحل تونس بعد غرق مركبهم (إ.ب.أ)

مقتل 9 مهاجرين وفقدان 6 آخرين قبالة سواحل تونس

قضى تسعة مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفُقد ستة آخرون بعد غرق قاربهم قبالة السواحل التونسية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

سلطات طرابلس تضبط 40 باكستانياً قبل تهريبهم إلى أوروبا

يقول «جهاز دعم الاستقرار» الليبي بطرابلس إنه «تم جلب هؤلاء المهاجرين عبر تشكيل عصابي دولي يتقاضى 20 ألف دولار أميركي من كل مهاجر مقابل إرساله إلى ليبيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.