شاشة الناقد

ستالون وشوارتزنيغر في «خطة هروب»
ستالون وشوارتزنيغر في «خطة هروب»
TT

شاشة الناقد

ستالون وشوارتزنيغر في «خطة هروب»
ستالون وشوارتزنيغر في «خطة هروب»

* الفيلم: Escape Plan
* إخراج: ميكائيل هافستروم عن سيناريو مكتوب خصيصا.
* أدوار أولى: سلفستر ستالون، أرنولد شوارتزنيغر، فاران طاهر، سام نيل.
* النوع: أكشن (الولايات المتحدة 2013)
* تقييم: *3 (من خمسة) في صلب هذا الفيلم الذي يستطيع المرء أن يكتفي بالنظر إليه على أساس أنه ليس أكثر من «أكشن» لممثلين كبرا على النوع لكنهما ما زالا يحققانه، تنضوي رسالة سياسية ضد السجون السرية التي يقول الفيلم أن الـ«سي آي إيه» تقوم بإنشائها لإيواء أكثر المجرمين خطرا. هؤلاء هم إرهابيون وقتلة سافلون ومجرمون آخرون لا أمل لهم بالحياة خارج تلك الجدران العالية. في الحقيقة السجن الذي ينقلنا إليه هذا الفيلم إذ يذكر بغوانتانامو، يكمن في وسط المحيط فوق سفينة عملاقة مشادة على أساس أنها مكان نهائي لمن عليها. الأسوأ أن أحدا من السجناء لا يعرف أنه فوق البحر ولا يعرف بالتالي أين موقعه فوق كوكب الأرض.
راي برسلين (سلفستر ستالون) هو سجين محترف ليس لأنه مجرم، بل لأنه ابتدع وظيفة فريدة لنفسه. في مقابل ملايين الدولارات يستطيع أن يدخل أي سجن ويهرب منه. بذلك يكشف لمديري ومسؤولي السجن أين مكامن الضعف. لكن في هذه المرة يدخلونه سجنا مستحيلا ويقطعون صلاته بالعالم الخارجي. سجن أنشأ كمكان حياة أبدي. فيه يلتقي بإميل (أرنولد شوارتزنيغر) وبعد محاولة كل منهما بز الآخر في حلبة قتال في مشاهد مصنوعة للمشاهد الذي ربما لا يزال يسأل نفسه أيهما أقوى من الآخر، يعملان معا للهرب من ذلك المكان. وهكذا بعد أن يجري تقديم السجن كمكان مستحيل النفاذ منه، يقدم الفيلم احتمال ذلك عبر مجموعة من الأحداث التي تعتمد على بعض الأفكار الطازجة وبعض من الاحتمالات التي تحميها الصدف. في النهاية يحققان هروبهما وينفذ راي وعده لمدير السجن القاسي هوبس (جيم كافيزييل الذي يمنح الشر بعدا أدائيا جديدا) بأن يحرق المكان.
حين يفعل، بإطلاق الرصاص على براميل نفط محفوظة فوق الباخرة يتبعها بطلقة واحدة على ما تسرب منها، ينجز أمل المشاهد في تحقيق عدالة خيالية حماسية هي في الواقع لا تؤذي ولا تفيد، بل تبقى في طيات التمني. وإذ يدور الفيلم في حقيقته حول سجون الـ«سي آي إيه» السرية وغير الإنسانية، يسعى لتنميط ثم فك تنميط بعض الشخصيات الأخرى وأهمها شخصية سجين مسلم اسمه جافد (فاران طاهر) الذي نراه يصلـي ويدعو السجناء للإسلام ويثير الخوف بين من لا يستجيب، ثم إذا به يتحول إلى واحد من أبطال الفيلم يساعد راي وإميل على الهرب وبل يشارك فعليا في المعركة ضد «إرهاب» السجانين.
حين يسقط مصابا (كما توقع هذا الناقد) ينظر إليه ستالون بامتنان، وينحني فوقه شوارتزنيغر بحنان.. منذ متى كان للمسلم هذا التقدير؟ الفيلم لا يقول إن جافد إرهابي، ولا يقدمه، في الوقت ذاته، كبريء مسجون، لكنه يوحي أنه «يا ما في السجن مظاليم» كما يقولون في الأفلام المصرية. لا بد حين متابعة هذا التحول أن تدرك أن غاية الفيلم، الذي كتبه مايلز تشاتمان وأرنل جسكو، هي مهاجمة فكرة وجود مثل هذه السجون وهذا يفرض إلى حد بعيد تقديم مسلمين أو عرب في صورة ربما ليست بطولية كاملة لكنها بالتأكيد إيجابية.
ليس هناك من هفوات تنفيذية كبيرة في هذا الفيلم، ويد المخرج تقبض جيدا على الأحداث وتوردها بتوال مثير. في الوقت ذاته، كان يستطيع الاستفادة من عمق أكثر لولا خوفه أن يصبح ثقيل الوطأة ويحيد عن خطه المتسارع.



بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.