«استيقظ، هذا ليس اختباراً»... يقولها صوت مع انطلاق لعبة الواقع الافتراضي «أويكنينغ Awakening» التي تعني «الإيقاظ».
تتمحور شخصية اللعبة الأساسية حول طفل عالق في مختبر حكومي شنيع. وأثناء تفحّص الغرفة، سترون أشياء متنوعة على الأرض، وكلّ واحدة منها يشعّ منها ضوء. خلال اللعب، يجب أن تركزوا انتباهكم العقلي على كتلة ما، لترتفع وتدور في الهواء أمامكم؛ ثم تركزون على مرآة معلّقة على الحائط، فتتجه الكتلة نحوها فترتطم بها وتكسر زجاجها، لتكشف عن أرقام متسلسلة مكتوبة تحتها. بعدها، ستلاحظون وجود لوحة مفاتيح عند الباب تحتوي أرقاماً يشع منها الضوء أيضاً. وفقط عبر استخدام قوة «جيداي» (الفارس من مسلسل حرب النجوم) الخاصة بكم، ستركزون على بعض الأرقام في التسلسل الصحيح لفتح الباب.
قراءة الدماغ
التقنية التي جعلت من هذه اللعبة حقيقة هي عصبة للرأس متصلة بنظارة الواقع الافتراضي، وتعمل على قراءة الدماغ. هذه العصبة، مقترنة ببرنامج يحلّل الإشارات العصبية، يسمح لمرتديها بممارسة اللعبة دون استخدام أي نوع من أنواع أدوات التحكم اليدوية. ويرى مطورو نظام كومبيوتر العقل الوسيط هذا في شركة «نيورابل» في بوسطن، أن أداة التحكم العقلية هذه ستكون الإنجاز الكبير التالي في عالم الواقع الافتراضي. ويصف رامسيس ألكايد، مؤسس «نيورابل» ورئيسها التنفيذي الاختراع الجديد قائلاً في حديث لمجلة المهندسين الكهربائيين الأميركية: «نحن طوّرنا فأرة عقلية».
«أويكنينغ» هي إذن أول لعبة واقع افتراضي تعمل بالتحكّم العقلي، وستصبح بمتناول اللاعبين الفضوليين في أواخر عام 2018، بعد طرح لعبة شركة «نورابل Neurable» الجديدة بتقنية الواقع الافتراضي في أسواق العالم.
تضمّ عصبة الرأس سبعة أقطاب كهربائية كبيرة تسجّل تخطيطاً للموجات الدماغية. وهذا التخطيط هو وسيلة نموذجية لمراقبة النشاط الكهربائي في المساحات الواسعة لخلايا الدماغ. للتعرف على نية المستخدم، يستفيد نظام «نيورابل» من ذكاء نوع من الإشارات الدماغية التي تعرف بـ«القوة المرتبطة بالأحداث». فعندما يركز اللاعب على جسم ما يشع منه الضوء مثلاً، يسجل الدماغ لا شعورياً شكل هذا الجسم الخاص وهو مضاء، فتتحرّك بعض الأعصاب بشكل عاجل للاستجابة. عندها، يعالج نظام «نيورابل» بيانات تخطيط الموجات الدماغية الصاخبة، يعثر فيه على الإشارة، ويترجمها إلى أمر في اللعبة: استخدم الجسم المختار.
وقع اختيار «نيورابل» على الأشياء المضاءة والمؤشرات العصبية المرتبطة بها لأن نظام تخطيط أمواج الدماغ عبر الأقطاب الكهربائية الملتصقة بالرأس يستطيع تمييز رسومات الدماغ هذه بشكل موثوق. وحتى اليوم، لم يتوصل علماء الأعصاب إلى معرفة كيفية ضبط إشارات تتيح تحكماً مباشراً أكبر (كإشارة تعني «حرّك الكتلة إلى اليسار») دون الحاجة إلى أقطاب كهربائية مزروعة جراحياً في داخل الدماغ.
يقول ألكايد إن «أويكنينغ» ليست لعبة معقّدة جداً في مجموعتها، ويشرح أن شركته استعانت بشركة غرافيكس متخصصة بتقنية الواقع الافتراضي لتطويرها لتكون بمثابة مقدّمة للتقنية الجديدة. ولكن الشركة تعمل اليوم على تقديم أداة مخصصة للمطورين تتيح لمصممي الألعاب الاستفادة منها في ابتكار جميع نماذج التسلية والتجارب. ويتطلع مؤسس «نيورابل» قدماً لمعرفة ما سيقدمه المطورون من الشركات الأخرى. يقول ألكايد: «نحن لسنا مصممي ألعاب، ولا نعرف كيف نوجّه اللاعبين في هذه البيئات. الصعوبة تكمن في الجزء السردي وليس في التقنية».
واقع افتراضي مبسط
تتواءم العصبة الجديدة من «نيورابل» بشكل مثالي مع نظارات «إتش تي سي فايف» الجديدة، ولكنها أيضاً تعمل مع أنظمة واقع افتراضي أخرى. ويقدّم تخطيط الأمواج الدماغية حلاّ تقنياً لا يحتاج إلى شاشة ويتميز بالخصوصية، إذ ليس على اللاعب أن يلوّح بيده أو أن يتحدث بصوت عالٍ أثناء وجوده في حافلة لنقل الركاب مثلاً.
ويقول جيتيش أوروباني، المحلل في شركة «آي دي سي» الأميركية للأبحاث الذي نشر مؤخراً تقريراً عن سوق تقنية الواقع الافتراضي، إن طرح هذه اللعبة بتقنية الواقع الافتراضي هي استراتيجية ذكية. ويعتبر أن السعر المرتفع لنظارات هذه التقنية منع انتشارها بين الناس، خاصة وأن اللاعب لا يملك فرصة تجربتها قبل شرائها. ويضيف: «أظنّ أن ألعاب الواقع الافتراضي سيكون لها دور مهم جدا، لأنها سهلة الاستخدام بالنسبة للاعبين، وتتيح لهم أن يتعلموا الكثير حول تجارب هذه التقنية».
ويلفت المحلّل إلى أن هذه الألعاب تتمتع بشعبية كبيرة في الصين ومناطق أخرى في شرقي آسيا، رغم محدودية انتشارها في الولايات المتحدة وأوروبا.
ليست «نيورابل» الشركة الوحيدة التي تطمح إلى تطوير المزيد من الوسائط التي تعتمد على الدماغ في استخدام تقنية الواقع الافتراضي. ويلفت أوروباني إلى أن شركات كـ«ليب موشن» في سان فرانسيسكو، تعمل على تطوير أنظمة تتبع لحركة اليدين تمهّد لتطوير وسائط تعتمد على الإيماء. وتسعى هذه الأنظمة أيضاً، التي من المتوقع أن تبصر النور خلال السنوات المقبلة، لتحلّ محلّ أدوات التحكم المحمولة، حتى أنها قد تكون أكثر ألفة للاعبين من نظام «نيورابل» الذي يرتكز على النشاط الدماغي.
يقول ألكايد من «نيورابل» إنه ليس قلقاً لأنه يرى أن ألعاب الواقع الافتراضي ليست إلا المرحلة الأولى في استخدام التقنية التي تعمل عليها شركته. ويضيف أن تطوير نظام متعدد الجوانب يتطلب تطوير أدوات هذا النظام لتصبح أقل تطفلاً على المستهلك. ويتوقع مؤسس «نيورابل» أولاً أن تتطور عصبة الرأس الخاصة بشركته، فتصبح عصبة تقتصر على قطب أو قطبين كهربائيين صغيرين فقط، لتتحوّل أخيراً إلى جهاز استشعار كهربائي يوضع بسهولة في سماعات للأذنين.
بعدها، يمكن استخدام أجهزة الاستشعار السرية هذه في نظارات الواقع المعزز، التي تقدم لنا واقعاً افتراضياً ولكن بنظرة من عالم الحقيقة. وفي حال استطاعت نظارة مشابهة أن تجذب المستهلكين، ستتيح تقنية «نيورابل» للاعبين فرصة التفاعل دون الحاجة إلى هاتف ذكي، أو حركات يدوية، أو حتى إصدار الأوامر الصوتية، بل إلى تركيز الانتباه على لائحة الأوامر، أو زرّ «تسجيل»، أو أي شيء آخر يرغب اللاعب بالنقر عليه.