شاشة الناقد: إنقاذ العالم مرة تلو أخرى

توم كروز في «حافة الغد»
توم كروز في «حافة الغد»
TT

شاشة الناقد: إنقاذ العالم مرة تلو أخرى

توم كروز في «حافة الغد»
توم كروز في «حافة الغد»

* الفيلم: «حافة الغد» Edge of Tomorrow
* إخراج: دوغ ليمان Doug Liman
* أدوار أولى: توم كروز، إميلي بلانت، بل باكستون، برندان غليسون.
* تقييم الناقد: (3*)
* تقوم فكرة هذا الفيلم الذي شارك في كتابته ثلاثة أميركيين، اقتباسا عن رواية للياباني هيروشي ساكورازاكا، على أن جنديا في فرقة عسكرية تقاوم غزاة مقبلين من الفضاء، يسقط قتيلا بعد وقت قصير من أول موقعة يشترك فيها، يسقط قتيلا لكنه لا يموت. ها هو يعود إلى الحياة من جديد. إلى نحو 24 ساعة من موته الذي حصل ولم يحصل، وذلك تبعا لدخوله وضعا زمنيا يشبه الحلقة المغلقة. يدور داخلها ولا يستطيع الخروج منها. لذلك يعود في اليوم التالي إلى نقطة البداية، تلك التي نجده فيها نائما على أرض معسكر التدريب، وينتهي (فرضيا) بهجوم الوحوش الفتاكة عليه وقتله.
في الفيلم فإن كايج (توم كروز) هو ضابط يعمل في الجبهة الداخلية، لكن الجنرال برغهام (برندان غليسون) يقرر أن يرسله إلى أرض المعركة الفاصلة بين الآدميين وتلك الوحوش، التي تبدو مزيجا ما بين الأخطبوط والعنكبوت. يحتج كايج على أساس أن لا خبرة له. لكن الجنرال يأمره ويتكفـل بإيصاله إلى المعسكر مقيـدا ومتـهما بأنه هارب من الخدمة.
حين يستيقظ كايج ويواجه الملازم المسؤول عنه (بل باكستون) يخفق في إقناعه بأنه بريء من تهمة الهروب، ولا يملك أي خبرة قتالية. يزج به، مع أفراد فرقة، إلى المعركة الواقعة على أبواب مدينة لندن. وهذا الوضع يتكرر كل يوم لأن كايج دخل تلك الحلقة الزمنية المفرغة نتيجة الإصابة التي تعرض لها، كما يشرح الفيلم.
إنه نص أسهل وضعه رواية من كتابته سيناريو، انطلاقا من محاذير الاعتماد على لولب واحد من الأحداث، التي تبدأ وتنتهي على نحو ثابت من التكرار، من دون أن تسقط في هاوية ذلك التكرار. الأمر الأصعب هو تحقيق فيلم ناجح من هذه التوليفة يتحاشى ما هو قائم عليه؛ المرور على الحدث ذاته عشرات المرات، وإن كان يتوسـع تدريجيا بعد كل مرة.
دوغ ليمان، المخرج الذي خبر التشويق بنجاح في بعض سلسلة فيلم Bourne الجاسوسية، والذي صنع أفلاما أخرى تستحق المشاهدة مثل «مستر ومسز سميث» تقوم جميعا على حبكات مشوقة، ينجح هنا عبر عناصر مختلفة تجتمع تحت خطـة ماهرة. في البداية، ينحصر ذلك التكرار في وضع واحد مع تغييرات طفيفة، لكنها كافية لإثارة التساؤل. في النصف الثاني من الفيلم، تتسع نسبة التغيير، فإذا بالفيلم ينضوي على أحداث تعود إلى فترات سابقة كما إلى مستقبل مغاير عن ذلك الذي كان يقع. كل ذلك، تحت خبرة مونتاجية من جيمس هربرت (من أعماله الماضية «فرقة الغانغستر» و«شرلوك هولمز: لعبة الظلال») يجعل الفيلم ينفذ، بصعوبة، من مخاطر الوقوع في الضجر أو السقوط في اللامبالاة.
موضوع إنقاذ العالم في آخر لحظة ليس جديدا. كل الأفلام التي تدور حول هذه الفكرة (المتكررة بدورها من فيلم لآخر مع احتمالات خطر ناتجة عن وحوش أو أسباب مختلفة) تنتظر حتى اللحظات الأخيرة لترينا نجاح البطل الواحد في تجنيب العالم الدمار النهائي. لكن هذا الفيلم يقترب، على نحو غريب من ذاك الكوميدي الذي حققه هارولد راميس قبل 21 سنة في «غراوندهوغ داي»، باستثناء أن ذاك الفيلم كان كوميديا ولم يتعامل مع أي سيناريو حول نهاية العالم المحتملة، بل انحصر اهتمامه بشخصية مذيع نشرة جويـة يقوم به بيل موراي تتكرر أيامه من دون هوادة.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.