أصدرت محكمة تركية أمس حكما بالسجن مدى الحياة على قائدي الانقلاب العسكري الدامي في تركيا عام 1980، في حلقة جديدة من الصراع على السلطة بين الجيش والحكومة الإسلامية المحافظة.
ففي أعقاب عامين من محاكمة تاريخية، اعتمدت المحكمة الجنائية في أنقرة، في قرار غير مفاجئ، طلب النيابة العامة، وحكمت بالسجن المؤبد على الجنرال السابق كنعان إيفرين (96 سنة) زعيم الانقلاب والرئيس التركي الأسبق، وعلى القائد الأسبق للسلاح الجوي تحسين شاهين كايا (89 سنة). وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، دوت قاعة المحكمة بالتصفيق لدى النطق بالحكم. وهتف الحاضرون: «إنها ليست سوى بداية. الانقلابيون سيحاسبون أمام القضاء».
وفي أثناء افتتاح الجلسة، ندد المدعي العام مجددا بالدور الذي لعبه المتهمان، المذنبان برأيه، بالدفع نحو «مناخ موات لتدخل عسكري من خلال سلسلة أعمال غير قانونية» وكذلك «بقلب النظام الدستوري».
وبعد الادعاء قدم المحامي بولند أجار آخر مرافعة دفاع عن المتهمين رافضا جميع الاتهامات.
وقال أجار: «هذه المحكمة لا تملك صلاحية محاكمة المتهمين»، مضيفا بنبرة ساخرة أن «المتهمين يحاكمان بموجب الدستور الذي وضع في أثناء الفترة المتعلقة بالاتهام».
ورغم التعديلات الكثيرة، فإن القانون التأسيسي الذي تبنته السلطة العسكرية عام 1982 وندد به وقتئذ لأنه «ينتهك الحريات»، ما زال ساريا.
وبسبب حالتهما الصحية، لم يحضر الجنرالان الجلسة لكنهما تابعا وقائعها عبر دائرة فيديو من غرفتيهما في المستشفى. وردا على سؤال أخير من القاضي، أكد العسكريان السابقان أن لا أقوال لديهما «تضاف إلى دفاع المحامي». وبدا الرجلان اللذان خفضت المحكمة رتبتيهما إلى جنديين، ضعيفين أثناء جلسة استغرقت أكثر من ثلاث ساعات. ومن المقرر أن يجري إعفاؤهما من تنفيذ العقوبة، بعد تأكيدها نهائيا إن قررا استئناف الحكم، بسبب حالتهما الصحية وسنهما المتقدم.
وكان الاثنان أكدا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 مسؤوليتهما عن هذا الانقلاب دون أن يبديا أي ندم، مؤكدين أنهما قاما بذلك بدافع حب الوطن. وقال إيفرين من سريره في المستشفى: «فعلنا ما كان يجب عمله في ذلك الحين. وإذا اقتضى الأمر القيام به من جديد اليوم فسأفعل» من أجل إنهاء عدم الاستقرار السياسي الذي ساد تركيا في السبعينات. وأكد رفيق سلاحه السابق أن «القوات المسلحة التركية نفذت في 12 سبتمبر (أيلول) 1982 واجبها تجاه الشعب. قمنا بأفضل الممكن في تلك الفترة».
وكان الجيش أطاح ثلاث مرات بحكومات منتخبة في أعوام 1960 و1971 و1980، باسم الدفاع عن المبادئ العلمانية للجمهورية التركية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك في 1923.
كما أدى تدخل الجيش إلى استقالة حكومة نجم الدين أربكان الإسلامية عام 1997، وإثر انقلاب 1980 أعدم 50 شخصا واعتقل 600 ألف فيما توفي العشرات في السجن نتيجة التعذيب وفقد أثر عدد كبير آخر. وأعرب المدرس نوزات آر البالغ نحو 50 سنة وتعرض للتعذيب آنذاك: «لا يمكن على الإطلاق محو المعاناة التي تسبب بها هذا الانقلاب، لكنها بداية». وأضاف: «خسرت صحتي وعملي، لم أتعاف بالكامل من هذه الأمور».