85 مليار دولار خسائر سنوية للشركات الأوروبية والبريطانية بعد «بريكست»

منها 46 % تتكبدها مؤسسات في المملكة المتحدة

TT

85 مليار دولار خسائر سنوية للشركات الأوروبية والبريطانية بعد «بريكست»

اتفاق ما بعد «بريكست» بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لن يفضي إلى تبادل تجاري حر وميسر بين الطرفين، سيكون ذلك أكثر تعقيداً وكلفةً مما هو عليه الآن، وذلك حسبما قال دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، الأسبوع الماضي.
فرغم أن المفاوضات لم تنتهِ بعد، وأمامها عدة جولات إضافية للتوصل إلى شروط تحكم الانفصال، فإن الظاهر حتى تاريخه يؤكد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون صعباً وبنتائج سلبية، خصوصاً على صعيد الشركات وما ستعانيه.
وظهر تقدير لما ستخسره الشركات الأوروبية المصدرة سنوياً، يشير إلى كلفة تبلغ 69 مليار يورو (85 مليار دولار)، إذا أعيد نصب الحدود الجمركية بين الطرفين، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها شركة «أوليڤر وايمان»، بالتعاون مع شركة «كليفورد تشانس» للاستشارات القانونية، التي أوضحت أن هذه الكلفة لا تشمل الرسوم الجمركية فقط، بل أيضاً كلفة العوائق الأخرى التي قد تنشأ، مثل تعقيد إجراءات الاستيراد والتصدير، والإفصاحات المشددة، والمعوقات غير المباشرة، أو ما يعرف بالحواجز التنظيمية، مثل إجراءات القبول أو فترات الانتظار على الحدود التي تكبد أموالاً أيضاً. وهذا يهدد عوائد الأرباح، بل يهدد جدوى بقاء بعض الشركات التي تعتمد، أولاً وأخيراً، على التبادل التجاري الحر في السوق الأوروبية المشتركة.
وفي جانب دول الاتحاد، تقدر الكلفة التي ستتكبدها الشركات الأوروبية المستوردة والمصدرة بنحو 37 مليار يورو (45.6 مليار دولار)، موزعة على شركات 27 دولة في الاتحاد، مقابل كلفة 32 مليار يورو (39.5 مليار دولار) تتحملها الشركات البريطانية وحدها، أي 46 في المائة من الكلفة الإجمالية.
وبالنظر إلى حجم كل طرف نسبياً، ستكون الكلفة على الشركات البريطانية أعلى 4 إلى 6 مرات، قياساً بما ستتحمله الشركات الأوروبية في دول الاتحاد مجتمعةً. وحتى لو حصل اتفاق جمركي، ستبقى الشركات البريطانية تحت عبء التكلفة الإضافية، إذ وفقاً لحسابات دراسة شركة «أوليڤر وايمان»، فإن الشركات البريطانية ستتكبد تكاليف إدارية سنوية تصل إلى 21 مليار يورو (25.8 مليار دولار)، مقابل 17 مليار يورو (21 مليار دولار) تتحملها الشركات الأوروبية، علماً بأن الشركات البريطانية الصغيرة والمتوسطة، وعددها 65 ألف شركة، ستكون الأكثر معاناة تحت الأعباء.
أما القطاعات البريطانية الأكثر انكشافاً على صعوبات الانفصال والخروج من السوق المشتركة، فعددها 5، ويقع عليها 70 في المائة من العبء. ويأتي في المرتبة الأولى القطاع المالي لأن حي المال اللندني، الذي يشكل 10 في المائة من الناتج البريطاني، سيتحمل وحده ثلث التكاليف المباشرة لـ«بريكست»، علماً بأن قطاع الخدمات المالية البريطانية، مقارنة ببقية القطاعات الأخرى، هو الوحيد الذي يسجل فائض تبادل سنوياً مع دول الاتحاد.
ويلي الخدمات المالية، من حيث التأثر، قطاعات الصناعات الغذائية والطيران والبتروكيماويات والمعادن، لأن شركات هذه القطاعات البريطانية هي الأكثر اندماجاً مع سلاسل التوريد الأوروبية. ويذكر أن دراسة بريطانية حكومية قدرت تأثير «بريكست» على النمو بنحو 5 إلى 8 في المائة في السنوات الخمس الأولى بعد الانفصال.
أما في الجانب الأوروبي، فتختلف الكلفة بين بلد وآخر. فقطاع الشركات الزراعية والغذائية الآيرلندي سيعاني كثيراً من معوقات تحول دون تدفق منتجاته إلى المستهلكين.
وإلى ذلك، ستتضرر السيارات والصناعات الألمانية. فوفقاً للدراسة، ستكون ألمانيا أكثر دولة في الاتحاد الأوروبي متضررة من خروج بريطانيا من الاتحاد.
وتأتي الشركات الفرنسية في المرتبة الثالثة، من حيث التأثيرات السلبية، لا سيما في قطاعات الصناعات الغذائية والسيارات والسلع الاستهلاكية والكيماويات.
وتقول الدراسة إن «الطلاق» من دون اتفاق سيضع العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا تحت كاهل تطبيق قواعد منظمة التجارة العالمية، وهذا هو سيناريو الـ«بريكست الصعب». أما في حال التوصل إلى اتفاق جمركي، فإن الكلفة تنخفض بنسبة 50 في المائة تقريباً. لكن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أشارت، في وقت سابق من هذا الشهر، إلى أن الاتفاق الجمركي (أو التجاري) مع الاتحاد الأوروبي مستبعد لأن ذلك سيشكل عائقاً أمام تقدم مفاوضات التجارة الحرة التي تجريها المملكة المتحدة مع دول مثل الصين والهند.
كان الاتحاد الأوروبي قد عرض، الأسبوع الماضي، مسودة اتفاق تبين أنها أدنى من طموحات البريطانيين، لا سيما على صعيد الخدمات المالية التي يوفرها حي المال اللندني على المستوى الأوروبي العام، الذي سيتضرر بعدما بات على الشركات والبنوك فيه فتح فروع ومكاتب في دول الاتحاد، لا سيما فرانكفورت وباريس وبروكسل، حتى تستطيع الاستمرار في العمل على الصعيد الأوروبي من دون عراقيل، مع إجراءات تنظيمية معقدة ترفع الكلفة وتخفض التنافسية.
وكان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك قد قال، الأسبوع الماضي، ساخراً: «إن الاتفاقية المتوقعة مع بريطانيا بعد (بريكست) ستكون فريدة من نوعها، لأنها مخصصة للتباعد بدلاً من الاندماج والتكامل. فهذا الاتفاق الذي نناقشه الآن سيجعل التجارة بيننا أكثر تعقيداً وكلفة مما هي عليه الآن». وهذا التصريح جاء بوقع «الماء البارد، بل المثلج... على رؤوس رؤساء ومجالس إدارات الشركات التي تأتي أرباحها أولاً من التبادل الحر من وإلى بريطانيا»، كما قال أحد الذين يشكلون قوى ضغط تجول أروقة بروكسل ليل نهار، لعلها تستطيع التأثير على مجريات التفاوض، والتخفيف من العواقب التي ستقع على كاهل المصدرين والمستوردين بعد الانفصال.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»