تمر الحكومة الجزائرية بأصعب ظرف منذ تولي أحمد أويحيى رئاسة الوزراء في 15 أغسطس (آب) الماضي، حيث «تحالف» ضدها عدة «خصوم»، وأهمهم شح الموارد المالية بسبب انخفاض سعر النفط، وإضراب الأطباء وأساتذة التعليم المستمر منذ شهور، وانتقادات تنظيمات حقوقية محلية وأجنبية، ترى أن الحقوق بالجزائر تتعرض لانتهاكات غير مسبوقة.
وكنتيجة لكل ذلك بدأت تتعالى في البلاد أصوات تدعو أويحيى إلى «الخروج من صمته»، لتقديم تفسير لما يجري في البلاد، وخاصة تطورات القبضة الحديدية بين وزارة التعليم والنقابة المستقلة للأساتذة، ووزارة الصحة ونقابة الأطباء المقيمين (السنوات الأولى للتخصص في الطب)، خاصة بعد أن بدأت منذ يومين عمليات فصل مئات المعلمين المضربين، وكان ذلك مؤشرا على وصول المفاوضات بين الطرفين إلى الانسداد. وتسجيل وفاة أستاذة تعليم فصلت من العمل إثر سكتة قلبية، وهو ما دفع نقابتها للتصعيد من حدة اللهجة بخصوص أهم مطالب المضربين، وفي مقدمتها تحسين ظروف العمل، ورفع أجور الأساتذة.
واحتجت جمعيات آباء التلاميذ على الوضع، ودعت أويحيى إلى التدخل لمنع سنة بيضاء تلوح في الأفق. وقد زاد ذلك من الضغط على الحكومة، وعلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خاصة، الذي تصله عبر الصحافة مناشدات تنظيمات نقابية واتحادات مهنية من كل القطاعات، تدعوه إلى «فعل شيء» لوقف «انفجار اجتماعي يلوح في الأفق»، ويتحدث الجميع على أنه «وشيك».
أما بخصوص الأطباء المضربين فإن وزارتهم لم تجرؤ على فصلهم بالنظر إلى مكانتهم الاجتماعية، لكن رغم ذلك فالعلاقة بين الطرفين بلغت أيضا نقطة اللاعودة. وقد بدأت جمعيات المرضى تضغط على الحكومة لوقف إضراب الأطباء بسبب معاناة المرضى في المستشفيات والمصحات الحكومية، التي توقفت عن تقديم الخدمة الصحية منذ مطلع العام. وقد تعرض رئيس الوزراء نفسه الجمعة الماضي لموقف أحرجه كثيرا يرتبط بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتوتر. فخلال تجمع لحزبه «التجمع الوطني الديمقراطي» عقد في جنوب البلاد، فوجئ أويحيى بمجموعة من أساتذة الرياضة المدرسية يرفعون في وجهه لافتات ينتقدونه فيها بشدة بسبب مشاكل يواجهونها في عملهم اليومي، ورد بمهاجمتهم ووصفهم بـ«القراصنة».
وبحسب مراقبين سياسيين، فقد ارتكب بوتفليقة خطأ بإعادة أويحيى إلى رئاسة الحكومة، بحجة أن شخصية الرجل «مستفزة»، وهو بطبعه ينحو إلى المكابرة حيال الاحتجاجات الاجتماعية، بدل المهادنة والميل إلى الحوار، وهذا دأب أحمد أويحيى منذ أول مرة تسلم فيها رئاسة الوزراء عام 1995. وكانت فترة عصيبة من الناحية الاقتصادية، تميزت بندرة المنتجات والبضائع في الأسواق، وبعجز الشركات الحكومية عن دفع رواتب عمالها وموظفيها. وكان أويحيى وقتها هو من دافع عن إجراءات فرضها صندوق النقد الدولي، تمثلت في غلق عشرات المؤسسات وتسريح مئات العمال. ولذلك تخشى قطاعات واسعة من المجتمع أن يتكرر هذا السيناريو الحالك، بعد سنوات من البحبوحة المالية بفضل تحسن مداخيل البلاد من بيع النفط والغاز.
وقال إسماعيل لالماص، رئيس «جمعية ترقية الصادرات»، لـ«الشرق الأوسط» «يبدو أن الحكومة لا تملك بدائل لخطة وقف الاستيراد، وقد منعت بسبب تقلص الإيرادات إلى النصف منذ 2014. المستوردين من جلب المواد الغذائية والمنتجات نصف المصنعة، ومواد أولية لتشغيل المصانع المحلية، على قلتها، التي تنتج بعض المواد الجزائرية، وهي بسيطة ولا تتوفر على معايير دولية تسمح بتصديرها إلى خارج».
وعد الخبير لالماص هذه الطريقة «غير مجدية»، لأن الجزائر لا تنتج شيئا يذكر، ما عدا المحروقات واحتياطها من العملة الصعبة يتآكل من يوم لآخر.
ومما زاد من متاعب الحكومة الانتقادات الحادة التي تتلقاها حاليا من جمعيات حقوق الإنسان، التي دقت ناقوس الخطر بشأن «تقلص مساحات حرية التعبير»، على خلفية اعتقال ومحاكمة ناشطين بشبكة التواصل الاجتماعي، بسبب مواقف عبروا عنها ضد مسؤولين حكوميين، عدت «إهانة لهيئة حكومية»، زيادة على ترحيل المئات من المهاجرين الأفارقة بالقوة إلى بلدانهم بجنوب الصحراء. وتمت عمليات الترحيل في ظروف «غير إنسانية»، بحسب تعبير «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان».
شح الموارد المالية يعمّق أزمات الحكومة الجزائرية
شح الموارد المالية يعمّق أزمات الحكومة الجزائرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة