روح النحات العراقي محمد غني

تمتد في مجوهرات ابنته هاجر

مصممة المجوهرات هاجر محمد غني
مصممة المجوهرات هاجر محمد غني
TT

روح النحات العراقي محمد غني

مصممة المجوهرات هاجر محمد غني
مصممة المجوهرات هاجر محمد غني

تلك كانت أيام الرخاء، حين كان النحات العراقي محمد غني حكمت يتردد على باريس ليهدي بوابة منحوتة من خشب البلوط لمبنى «اليونيسكو»، أو ليعرض مجموعة من أعماله الجديدة ويلتقي أصدقاءه وتلاميذه الفنانين المغتربين ويتزود بأفكار جديدة من عاصمة النور والفن. وغالباً ما كانت ترافقه ابنته هاجر، الشابة التي استعار ملامح وجهها الجميل في صياغة النماذج النسائية التي طلعت من بين أنامله. ففي نصب كهرمانة شيء من هاجر. وفي منحوتة شهرزاد أيضاً، وفي تمثال عشتار، وحتى في تخطيطاته الكثيرة بالفحم أو جدارياته البرونزية، كانت البنت سر أبيها و«موديله» الأثير. ومن خلالها صاغ أسلوباً يستند إلى تاريخ عريق من منحوتات بلاد الرافدين، ومن البذخ الجمالي لتماثيل عصر النهضة التي طالعها أثناء دراسته في إيطاليا.
في صيف 2011 غاب شيخ النحاتين العراقيين محمد غني عن عالمنا. ودّع الحياة في العاصمة الأردنية عمّان بينما كانت ابنته قد استقرت مع أسرتها في البحرين. ومن موقعها في المنامة تبدو اليوم وكأنها الحارسة لاسم والدها والمهمومة بالحفاظ على أعماله وصيانة تركته الفنية ودفاتره وتصاميمه. هل كان يمكن للبنت التي درست الأدب الإنجليزي أن تشتغل في حقل تخصصها وتفلت من كماشة الفن؟ منذ يفاعتها، حاولت هاجر غني أن تختط لنفسها نمطاً يكشف عن ذوقها في الثياب وعن انتمائها لبقعة محددة من العالم. وقد تنامى هذا الذوق حين اطلعت على ما تقوم به عربيات في عواصم عدة جعلن من التصميم مهنة لهن. ومن هنا بدأت التفكير بتصميم حلي ومجوهرات تعكس نظرتها الجمالية وتقترب من العناصر والخامات والمعادن التي ترعرعت بينها في مشغل والدها النحات. وشيئاً فشيئاً، تبلور أسلوبها وانتقلت، في السنوات الأخيرة، من الهواية إلى الاحتراف وأطلقت مجموعة من المجوهرات التي تحمل اسمها. وطبعاً فإن الاحتراف يعني السفر للحصول على الأحجار الكريمة من مصادرها، والتعاون مع مهنيين مؤتمنين يشاركونها تنفيذ تصاميمها التي تشبهها في الرقة وفي الاحتفاء بالأمومة.
من يقلب الكاتالوغ الجديد لمجوهرات هاجر يجد روح محمد غني مخبوءة فيها. هنا طرف من أشرعة السندباد التي تنفخ فيها الريح، وهناك ألوان الفيروز والتمائم الشرقية والخطوط المنحنية الملمومة على نفسها والأهلّة الذهبية المفتوحة والزوايا التي كانت طريقته في رسم حروف أبجديته.
على استحياء، تقدم هاجر نفسها لجمهور يرتبك بين كثرة ما تطرحه الأسواق من أسماء وتصاميم وبضائع متغيرة ومتواترة. إنها تتوجه لزبونة من نوع خاص، تتوقف عند ما هو مبتكر عن أصالة، وما هو ناعم لا يخدش النظر، يتناسق مع رغبة في التميز وفي التألق بحلية راقية تتكتم على أسرارها. هل يمكن القول إنها مجوهرات ذات نبرة هامسة تعيد تعريف معاني هذه المفردة التي بات يثقلها الابتذال؟



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.