بولونيا... مدينة تغذي الحواس وتُشبع البطن

من أقدم جامعة في أوروبا إلى مطاعم تتوالد كل سنة

ساحة «دي بورتا رافينيانا» حيث يوجد «برج غاريزندا» الأصغر وبرج «أزينيلي»  - تنوع المطابخ وجودتها تضمن امتلاءها كل يوم
ساحة «دي بورتا رافينيانا» حيث يوجد «برج غاريزندا» الأصغر وبرج «أزينيلي» - تنوع المطابخ وجودتها تضمن امتلاءها كل يوم
TT

بولونيا... مدينة تغذي الحواس وتُشبع البطن

ساحة «دي بورتا رافينيانا» حيث يوجد «برج غاريزندا» الأصغر وبرج «أزينيلي»  - تنوع المطابخ وجودتها تضمن امتلاءها كل يوم
ساحة «دي بورتا رافينيانا» حيث يوجد «برج غاريزندا» الأصغر وبرج «أزينيلي» - تنوع المطابخ وجودتها تضمن امتلاءها كل يوم

تشتهر بولونيا الإيطالية بأسماء عدة، منها «لا دوتا» وتعني مدينة الثقافة، و«لا روزا» وتعني اللون الأحمر في إشارة إلى التيارات اليسارية التي ظهرت فيها و«لا غراسا»، أي مدينة الدهون في إشارة إلى غنى مطبخها الغني ـ وربما تكون تسميتها الأخيرة الأنسب حالياً بالنظر إلى مهرجانات الأكل التي تقام بها سنوياً، فضلاً عن أن الكثير من أشهر أطباق المطبخ الإيطالي، مثل «تالياتيلي ألا راغو» و«مورتاديلا» و«تورتيليني» و«لازانيا ألا بولونيزي» التي تأتي في أشهى مذاقاتها هنا. ومع أن المطاعم الكلاسيكية لا تزال واحدة من العناصر التي تفخر بها المدينة ومن بعض أهم مزاراتها، فإن السنوات القليلة الأخيرة شهدت اتساع رقعة المطاعم الجديدة على نحو ملحوظ، لترسّخ سمعتها بصفتها عاصمة المطبخ الإيطالي بلا منازع.
لكن السحر الذي تتميز به بولونيا يتجاوز بكثير الطعام، ويمتد إلى عوالم الفنون والموسيقى وفن معماري يعود إلى القرون الوسطى. فقبل أن تشتهر بمطاعمها اشتهرت أيضاً بمعمارها واحتضانها أعرق جامعة في أوروبا. فجامعة بولونيا يعود تاريخها إلى عام 1088، وكانت ملاذاً للمثقفين وتيارات الفكر الإبداعي منذ ظهور العقول التنويرية أمثال دانتي وفرانشيسكو بتراركا في القرن الـ14. ومع أن العواصم الثقافية بوجه عام تبقى عرضة للتحجر والانحسار بمرور الوقت، فإن بولونيا نجحت في الإبقاء على ديناميكيتها بفضل التدفق المستمر للدماء الشابة إليها.
في المساء، تعج المقاهي المترامية في الكثير من جهاتها بأهاليها الذين يتنوعون ما بين سيدات الطبقة الراقية وخريجي الجامعات. بينما تجتذب ساحة فيردي موسيقيين وفنانين من مختلف المشارب، تقدم المقاهي المتراصة تحت أقواس ساحة سانتو ستيفانو الشهيرة مشروبات شهية المذاق. وخلال عطلات نهاية الأسبوع، يجري تخصيص شوارع «فيا أوغو باسي» و«فيا ريتسولي» و«فيا ديلينديبندنسا» للمشاة فقط؛ ما يجعلها مناطق جذب للمتسوقين والمؤديين من فناني الشوارع على حد سواء.
من ناحية أخرى، تعتبر أسواق الطعام في بولونيا من بين الأفضل على مستوى إيطاليا. وتتركز في مناطق «كواديريلاترو»، وهي مجموعة من الشوارع القديمة التي يعود تاريخها إلى قرون مضت جنوب «فيا ريتسولي» التي تشتهر بأنواع الجبن المختلفة على نحو خاص، وكذلك «لا بايتا فيكيا مالغا» في «فيا بيسكيريي فيكي». يمكن كذلك شراء المعجنات من «باولو أتي إي فيلي» في «فيا ديليورفيشي»، وأي شيء آخر تقريباً من «تامبوريني» في «فيا كابراريي». أما في «أوستريا ديل سولي» في «فيكولو رانوتشي»، وهو مقهى يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1465، فيمكن الاستمتاع بالمشروبات بأسعار تراعي الإمكانات المحلية.
في المقابل، تعج سوق «ميركاتو دي ميتزو» الكائنة في «فيا كلافاتوري» بحركة كبيرة في كل الأوقات، ولا يضاهيها حركة وشعبية سوى سوق «ميركاتو ديليربي» الواقعة على الطرف الغربي من «فيا أوغو باسي» وتتميز ببعض أفضل المنتجات على مستوى المنطقة.
هناك أيضاً سوق «ميركاتو ديلي تيري» التي تقام أسبوعياً في «فياتسو غاردينو»، حيث يحتشد أكثر عن 40 بائعاً.
الفن والتاريخ والموسيقى
اللافت في بولونيا وجود مجموعة مبهرة من أعمال جوتو دي بوندون وتيتيان ورفائيل وعدد من كبار الفنانين القدامى داخل «معرض بولونيا الوطني»، الذي يبلغ سعر تذكرته للبالغين 6 يوروات، و3 يوروات لمن تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً. ويمكن كذلك الاستمتاع بأعمال الفن المعاصر داخل مبنى «مامبو» ويتراوح سعر تذكرته بين 4 و6 يوروات، بينما يسمح بدخول الأطفال مجاناً. ويضم المبنى «متحف موراندي»، وهو يحمل اسم الفنان المحلي جورجيو موراندي الذي لا يزال على قيد الحياة. هناك أيضاً متحف تاريخ بولونيا في «بالاتسو ريبولي» (تذكرة دخوله للبالغين: 10 يوروات، و8 يوروات لمن تتراوح أعمارهم بين 19 و26، و6 يوروات لمن هم بين 6 و18 عاماً. ويتميز المتحف بعروض تفاعلية عالية التقنية تتناول تطور المجتمع البولوني على مر السنوات. وتتوافر العروض بالإيطالية، لكن متاح مرشد سمعي بالإنجليزي أيضاً. ولا يمكن أن تكتمل زيارة بولونيا من دون زيارة المتحف الدولي ومكتبة بولونيا داخل «بالاتسو سنغوينيتي» (سعر التذكرة يتراوح بين 3 و5 يوروات، أما الأطفال فيسمح بدخولهم مجاناً).
أما عشاق الأفلام، فيمكنهم القيام بجولة إلى العصر الذهبي لصناعة الأفلام الإيطالية داخل المكتبة الضخمة لتاريخ السينما في دار بولونيا للفنون السينمائية (فياتسو غاردينو 65).
لا يمكن زيارة بولونيا من دون زيارة كنيسة مادونا دي سان لوكا الواقعة على تل بارتفاع 10 كيلومترات جنوب غربي قلب المدينة؛ لما تتيحه من مظهر بانورامي على بولونيا بأكملها. ويمكن الوصول إليها بواسطة «سان لوكا إكسبريس»، قطار سياحي ينطلق من «بياتسا ماجيوري». ومع هذا، فإنك قد تجد متعة أكبر في الوصول إلى الكنيسة عبر الطريق المتعرجة التي تبدأ من «بياتسا دي بورتا ساراغوتسا» على الطرف الغربي من قلب المدينة.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».