مثقفون مصريون يدقون أجراس الخطر

يقولون إن مؤسستهم الرسمية تراكم أخطاءها دون مساءلة

مثقفون مصريون يدقون أجراس الخطر
TT

مثقفون مصريون يدقون أجراس الخطر

مثقفون مصريون يدقون أجراس الخطر

«الثقافة المصرية لا تقدم ولا تؤخر»... عبارة تطالعك في الوسط الثقافي، وتستنسخ نفسها من عام إلى آخر. هذا في الأقل ما يراه الكثيرون من المثقفين، الذي يقولون: إن القطاعات الثقافية، لا تزال قاصرة عن دفع الفعل الثقافي لينفتح بحيوية على هموم المجتمع والمستقبل، وألا يكون، كما هو الآن، مجرد وظيفة أو أداة تصبّ في خدمة هذه القطاعات؛ من أجل المحافظة على كياناتها الهشة، بدل السعي إلى إعادة نظر وهيكلة لطبيعتها والأدوار المنوطة بها.
«ثقافة» استطلعت في هذا التحقيق آراء عدد من الكتاب والمبدعين المصريين حول تقييمهم ثقافتهم، ورؤيتهم لـ«ثوابتها» وسلبياتها، والدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة الثقافية الرسمية، ممثلة بوزارة الثقافة، في تجاوز الواقع القائم.
في البداية، يقول الشاعر والمترجم أسامة جاد: «إن مفهوم (الثوابت) الثقافية مسألة خلافية إلى حد كبير، تأسيساً على أن مسألة (الثبوت) هي مسألة ضد (الحركة) أو (الدينامية) التي هي في ذاتها أهم مركزيات الحياة، والمعنى أن مفهوم الثبوت مفهوم (ضد) الحياة، أولاً، وهو ضد فكرة الثقافة، في جدليتها، باعتبارها سؤال البحث الدائم والمراجعة المستمرة لأسئلة الوجود والحياة، ويمكنني طبعاً أن أتحدث عن (ثوابت) وطنية، أو تاريخية، أو دينية، أو حتى (جينية) كما قد يزعم البعض، لكن حتى تلك الـ(ثوابت) إن سلمنا بفكرة وجودها، تظل ذات طبيعة نسبية سوف تختلف من مثقف مصري إلى مثقف مصري آخر.
إنني يمكن أن أتحدث عن ملامح ثقافية، أو عن هوية ثقافية، في لحظة ما من الزمن، وهذا لا يعني محاولة (تثبيت) تلك الملامح، فهو أمر ضد التطور، يظهر تجسده الكبير في فكرة (المجاز) بمفهوميها، الأدبي والاجتماعي. وتأسيساً على ذلك، فالهوية الثقافية بهذا المعنى يمكن تلمسها في عناصر مركزية عدة، أهمها اللغة، والتاريخ الجمعي، والهوية الشعبية، التي تسم كل إقليم في مصر، كما في العالم، بسمات مميزة وفارقة، بشكل مرحلي، تماماً كما يمكننا الحديث عن صعايدة وفلاحين، وعن سواحلية ونوبيين، وعن بدو وحضر. إن العنصر الجامع في الثقافة المصرية، وفق هذا المعنى، هو القدرة على دمج التمايزات المتنوعة في هوية واحدة، مرنة، قادرة على تطوير ذاتها والانتقال من لحظة تاريخية إلى لحظة تاريخية أخرى، تتأثر دائماً، وتؤثر بالضرورة في الحراك الإنساني كاملاً، وبخاصة في زمننا هذا، زمن القرية الإلكترونية الصغيرة».
وعن دور المؤسسة الثقافية، يرى جاد أن الدور الأهم المنوط بها هو «دعم وتشجيع الملامح الثقافية والتمايزات الإبداعية والفنية، وتوثيقها في ظرفياتها المختلفة، والاستفادة من التطور التقني والرقمنة المعاصرة لإتاحتها للمهتمين بصور توثيقية شتى. إن دور المؤسسة الثقافية بالأساس هو (الإتاحة)، وأقصد به وضع المصادر الثقافية المتنوعة في متناول من يطلبها، وبتيسيرات تسمح بنوع من الحراك الاستعادي للتراث المصري وفق رؤى متنوعة تستفيد من مكتشفات النقد الحديث، والدراسات التراثية والاجتماعية المتنوعة». لافتاً إلى أن فكرة «سلبيات الثقافة»، والتدخل الفوقي لضبطها أو تغييرها أمر لا بد من تقنينه والحذر في استعماله، بما لا يصل قط إلى الراديكالية الحدية التي تسعى لتنميط الواقع الثقافي وفق نموذج واحد. والخطورة هنا تكمن في تبني مواقف قيمية مسبقة قد تؤدي بنا إلى التعديل في تراثنا الأدبي والتاريخي وفق أهواء اجتماعية وظرفية من طبيعتها التغير الدائم. وربما كان المثال الصارخ على ذلك ما حدث في مصادرة طبعة (ألف ليلة وليلة) الأصلية لصالح طبعة (مهذبة) أشرف عليها الشاعر طاهر أبو فاشا، وهو الأمر الذي أعدّه واحداً من أفدح القرارات التي تمس نظرتنا للتراث، وتعاملنا معه. المهمة الثقافية المنوطة بالمؤسسة لا ينبغي أن تتجاوز حدود دعم المشروعات الإبداعية والبحثية المتنوعة، وإتاحة المعرفة، دون التدخل الصريح في طبيعة ونوع المنتج الثقافي، بما هو نتاج جماعي من جهة، ونتاج يعبر عن مرحلته وظروفه التي لا يصح إخضاعها لظروف وقيم مرحلة أخرى مختلفة».
أما الروائية والقاصة سعاد سليمان، فتقول: «تشوهت صورة المثقف في الخمسين سنة الأخيرة، بداية من وصف الرئيس السادات لهم بأنهم مجموعة من الأرزال، ثم الاستهانة بهم في عهد مبارك لدرجة أن يطلق على وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني أنه أدخلهم الحظيرة باعتبارهم حيوانات مدجنة، وذلك بالتوازي مع إصرار الفنان عادل إمام على تصويرهم شكلاً ومضموناً «حنجوريين»: «ريحتهم وحشة» وعالة على المجتمع. وفي المقابل إعلاء قيمة شخصيات تم تجسيدها في السينما مثل «الهلفوت والحريف»... وغيرهم.
وتضيف سعاد سليمان: «من هنا نصل إلى كيفية نظر المثقفين إلى ثقافتهم، أعتقد أنها عبء عليهم أن يبتلوا به... لكن الثقافة، في الوقت نفسه، لا يجب أن تكون وقفاً على فئة بعينها، وإنما هي ملك للجميع، غير أنه في ظل الحرب الشرسة الخفية والمعلنة تاهت فكرة ومعنى الثقافة، وماذا نريد منها؟ فأصبحت معنى هلامياً غامضاً ليس مفهوماً لدى العامة، وارتبط جانب كبير منها بالسخرية».
وتتابع صاحبة «شال أحمر يحمل خطيئة» قائلة: «إن الثوابت الثقافية التي نتحدث عنها لن تصنعها المؤسسة الثقافية الرسمية، بل هي دور أصيل من أدوار المؤسسة التعليمية فمن المستحيل أن تتأسس أي ثقافة على جهل. المؤسسة الثقافية تستكمل ما زرعه التعليم، وحينها ستشكل الثقافة ملامحها الخاصة بها، أما ما يمكن أن تقدمه وزارة الثقافة في الفترة الحالية، وليتها تستطيع، هو أن تنزل للناس في الشوارع والميادين وتقدم الحفلات الموسيقية، خصوصاً في المناطق الشعبية، ومهرجانات شعر ومسرح ورسم، وتعيد حضور المسارح والسينما إلى دورها الحقيقي الذي اختفى».
ويشبّه الروائي والقاص عصام حسين الثقافة المصرية بالعقل المصري، كلاهما ينقل وينسخ عن الآخر، دون مساءلة، ودون أن يكون للعقل الناقد دور في التجديد وفي النفاذ إلى العمق الثقافي وهو عصبها وقضيتها المركزية، فالمفروض، كما يقول، أن تهدف الثقافة أساساً إلى تحرير العقل وفك قيوده بالتغلب على الفكر الماضوي المعطل لحركة الحياة.
ويضيف صاحب «سرير عنكبوت»: «ليس خفياً على أحد تغلغل أصحاب الفكر الظلامي في أغلب إدارات ومواقع وزارة الثقافة، ورغم أن الثقافة تنهض بتوفير مناخ من حرية الفكر والتعبير، فإن هؤلاء دائماً ما ينثرون الغبار ويشوشون على الحريات تحت ذريعة الادعاء بأنهم يملكون وحدهم الحقيقة المطلقة، ويتحالفون دائماً مع قوى الفساد الأخرى ضد أي مشروع تنويري قائم علي تحرير العقل من كل هذه الخرافات والأوهام. أهم سلبيات ثقافتنا - من وجهة نظري - تنحصر أساساً في تلك الرؤية الباهتة التقليدية والتي تظل متجمدة؛ لأنها لا تسعى للتجديد ومن ثم تحرير العقول كي تكسر كل القوالب الجاهزة، وعلى المؤسسة الثقافية أن تتبناها بصفتها مشروعاً تنويرياً لتخرج للناس بعيداً عن القوالب. نحلم باليوم الذي تنال فيه الثقافة الدرجة الأولى من الاهتمام بأسلوب وآليات جديدة ومتجددة، أبرزها توفير مناخ حقيقي من حرية الفكر والتعبير، ثم التخلص من التبعية الثقافية الغربية باستدعاء كل مقومات الثقافة الوطنية والتركيز علي هويتنا المصرية أولا وقيل أي شيء آخر».
ويحذر الباحث والروائي عمار علي حسن من مخاطر جمة تحيط بالثقافة المصرية، قائلاً: «يرى المثقفون المصريون أن ثقافتهم باتت في خطر، وأن الدور الطليعي والريادي أو القيادي للثقافة المصرية في الإقليم أو الوطن العربي بات موضع مساءلة، وهناك كثيرون يرون تراجعه، ليس لخلو مصر من مثقفين كبار، لكن لأن المشروع السياسي للدولة المصرية لم يعد موجوداً، كما أن المؤسسات الرسمية لا تقدم إلى الواجهة أصحاب القدرات الثقافية الرفيعة، إنما الموالون لها، وأغلب هؤلاء ليسوا على شيء من ثقافة. إن الثقافة المصرية تنبني على الكثير من الثوابت أو الأوتاد تتعلق بطبقات مصر الحضارية، ودورها القديم في العالم القديم والأوسط، ثم طموحها الدائم، رغم التراجع الحالي، إلى استعادة مكانتها، وهي مسألة تتعلق بالتجدد الحضاري، أو القدرة على النهوض بعض قعود، والاستيقاظ بعد غفلة.
وخلص أستاذ علم الاجتماع صاحب كتاب «الخيال السياسي» إلى القول: هناك أيضاً ثابت التنوع الديني والجهوي والثقافي، والعمل الدائم على أن تصب الثقافات الفرعية لسكان الصحراء والصعيد والنوبة والأقباط في الثقافة الأصلية، والتي يمثلها الجميع أيضاً. وهناك جذر يتمثل في هوية مصر، التي صنعت ونمت عبر تاريخ طويل. واستعادة الدور الثقافي، أو الحفاظ على ثوابتها، والعمل على تجددها، ليس مسؤولية وزارة الثقافة فحسب، بل هي مسؤولية المجتمع المدني وقوى المثقفين من الكتاب والفنانين والخبراء والمتعلمين.



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.