الـ«تشاتني»... صلصة هندية اجتاحت العالم

صنعت من الفواكه والخضراوات لحفظ الطعام قبل اختراع البرادات

للتشاتني علاقة قريبة جداً مع الأيورفيدا
للتشاتني علاقة قريبة جداً مع الأيورفيدا
TT

الـ«تشاتني»... صلصة هندية اجتاحت العالم

للتشاتني علاقة قريبة جداً مع الأيورفيدا
للتشاتني علاقة قريبة جداً مع الأيورفيدا

تمثل الـ«تشاتني»، وهي صلصة مفضلة في كل الأزمنة مكونة من الفواكه والخضراوات، والأعشاب، والبهار، والسكر، والخل، عنصراً أساسياً من عناصر المطبخ في كل أنحاء العالم. مثلما يمكن إضافة صوص الـ«سريراتشا» أو الـ«بيستو»، أو الجبن الذائب إلى كل أنواع الطعام تقريباً لجعل مذاقه أفضل، يمكن استخدام الـ«تشاتني» على نحو مماثل. يمكن عمل هذه الصلصة بحيث يكون مذاقها حلوا أو متبلا؛ وقوامها غليظ أو أملس؛ ورطبة أو جافة، وذات ملمس خشن أو ناعم.
يعود تاريخ الـ«تشاتني» إلى عام 500 ق.م على أقل تقدير. كان من الصعب على الناس حفظ الطعام قبل اختراع أجهزة التبريد والتجميد التي يمكن الاعتماد عليها، لذا كان يتم تحويل الفواكه والخضراوات إلى «تشاتني» لحفظها لمدة أطول. إذا ذهبت إلى مطعم هندي، يمكنك التعرف على مجموعة متنوعة من الصلصة التي يطلق عليها هذا الوصف، وبعضها يتكون بالأساس من الزبادي، وبعضها أملس، في حين يكون البعض الآخر رقيقاً أو شبه جاف، وغيرها غليظ القوام، أو حلو المذاق، أو به بهار أو لاذع: لكن ما هو الـ«تشاتني»؟

ما هو مصدر وأصل صلصة الـ«تشاتني»؟
يعتقد الكثيرون أن صلصة الـ«تشاتني» إنجليزية الأصل، لكنها في الحقيقة ظهرت في الهند وليس في إنجلترا، وما هذا سوى اعتقاد شائع خاطئ. كلمة «تشاتني» نفسها تهجئة مختلفة للكلمة الهندية، وهي مشتقة من كلمة «تشاتنا»، التي تعني حرفياً «أن يلعق»، وتعبر عن صوت لعق الشفاه عند تناول طعام لذيذ. ورغم أن جذور هذه الصلصة تعود إلى الهند، انتشرت طريقة عملها في دول أخرى؛ وكان الرومان هم أول من أدخلوا هذه الصلصة إلى مطبخهم، ثم فعل البريطانيون ذلك خلال القرن الثامن عشر. عاش الجنود وأسرهم خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية في الهند، وتعلموا تقدير النكهات الفريدة لأصناف الطعام الهندي مثل الكاري والـ«تشاتني». ومع تنقل أولئك الجنود من بلد إلى آخر، تنقل معهم حبهم لـ«تشاتني» حتى وصل إلى جنوب أفريقيا، ومنطقة الكاريبي، ووطنهم بريطانيا العظمى.
نظراً لأنه لم يكن لدى الكثير من الدول، التي تم إرسالهم إليها، أنواع الفاكهة والبهارات والأعشاب نفسها المتوفرة في الهند، بدأت الـ«تشاتني» تكتسب نكهات إقليمية تختلف باختلاف سكان المنطقة وتتنوع بحسب تنوع الثقافة، حيث كانوا يستخدمون المكونات المتوفرة لديهم، وبمرور السنوات ازدادت وتنوعت المكونات والنكهات بتنوع واختلاف الأشخاص الذين يعدونها.
«تشاتني الجنرال غراي» هو نوع الـ«تشاتني» البريطانية الكلاسيكية، التي أعدها ضابط بريطاني سافر إلى الهند، بحسب الاعتقاد السائد. تم بيع الوصفة في النهاية إلى شركة «كروس أند بلاكويل»، البريطانية الكبرى المصنعة للأغذية في بداية القرن التاسع عشر على الأرجح. أهم مكونات هذه الوصفة هي المانغو، والزبيب، والخل، وعصير الليمون، والبصل، وخلاصة التمر الهندي أحياناً، ومادة للتحلية، وبهارات. تم وصفها بالـ«تشاتني المعتدل» مقارنة بالتنويعات الأخرى الحريفة بدرجة أكبر. مع ذلك تكون الـ«تشاتني»، التي قد يشتريها المرء من السوبر ماركت في الخارج، محفوظة وتشبه المربى، وهي طيبة وعادة ما تمثل الفاكهة المكون الأساسي لها، ويتم تقديمها كطبق جانبي مثل الكاري الهندي. مع ذلك لا تشبه الـ«تشاتني» المحفوظة الـ«تشاتني» الأصلية الهندية في أي شيء.

الـ«تشاتني» الهندية

عادة ما يتم تقديم الـ«تشاتني» مع كل وجبة في الهند خاصة مع الأطعمة اللذيذة بالكاري، وأيضاً كصلصة تُضاف إلى الأطباق الساخنة كاللحم. تكون الـ«تشاتني» الهندية طازجة، ويجب تناولها خلال فترة قصيرة بعد إعدادها.
يمكن إعداد الـ«تشاتني» الهندية من مجموعة كبيرة متنوعة من المكونات، بداية من الزبادي، ووصولاً إلى الفول السوداني. بعض أنواع الـ«تشاتني» ملساء القوام، وبعضها الآخر غليظة القوام، وبعضها مطهية وبعضها غير مطهية، كذلك يتم استخدام بعضها كصلصة، والبعض الآخر يتم تقديمه كطبق جانبي، أو كوجبة إفطار. لدى كل منطقة من الهند نوعها المفضل من الـ«تشاتني»، وأشهرها ذلك المعد من المانغو والليمون. رغم أنه يتم طحن المكونات في الهند يدوياً حتى تصبح عجينا ذي نكهة قوية غليظ القوام باستخدام المدقة والمهراس، يمكن إعداده بطريقة حديثة في المنازل الهندية العصرية.
ومن المفترض أن يتم إعداده قبل كل وجبة بفترة قصيرة، لذا لا توجد حاجة إلى إضافة الخل أو السكر لحفظه.
يتم إعداد الـ«تشاتني» في الهند باستخدام البذور مثل السمسم والشمر، والمكسرات مثل الفول السوداني والكاجو، وجوز الهند الطازج والمجفف، وقشور الخضراوات، مثل اليقطين المر، والأسفنجي، وكذلك باستخدام مجموعة متنوعة من الفلفل الحار، والأعشاب مثل أوراق الكاري، والكزبرة، والشبت، وبعض المواد التي تضيف نكهة لاذعة مثل عنب الثعلب الهندي، وثمرات المانغو غير الناضجة، والتمر هندي، والغرسنية الهندية، والبقوليات بمختلف أنواعها، والأرز المفلطح.
من البهارات المستخدمة في تلك الوصفات حبوب الكمون، والحلبة، وبذور الشمر، والكركم، ومسحوق الزنجبيل الجاف، ومسحوق المانغو الجافة، وحبوب الكزبرة، وبذور الخردل، والأنجدان. كذلك يتم استخدام السكر غير المكرر، والليمون، والفلفل، والتمر هندي لتحقيق التوازن بين النكهات في بعض وصفات الـ«تشاتني».

الأيورفيدا والـ«تشاتني»

هناك 6 نكهات مذكورة في الطب التقليدي الهندي، أو الأيورفيدا، وهي الحلو، واللاذع، والمالح، والحريف، والمر، والحامض. بعض تلك النكهات أقوى من الأخرى، ولكل منها تأثير مختلف على الجسم والعقل. لذا يشير طب الأيورفيدا إلى إمكانية تحقيق الـ«تشاتني» للتوازن في النظام الغذائي، وكذلك يمكن الاستعانة به لتناول المكونات المفيدة غير المستساغة. ومن الأمثلة على ذلك «تشاتني» الليليك الهندي، الذي يتم تناوله في صباح أول يوم من العام الهندي الجديد.
يقول دكتور راميش سريفاستفا، ممارس طب الأيورفيدا: «تضيف التشاتني إلى الوجبة ما هو أكثر من النكهة. حين يتم استخدامها بشكل صحيح، يمكن أن تساعد في عملية الهضم، وفي تحفيز إفراز العصارات الهضمية، وتحسين الحالة الصحية. وتعد التشاتني المعدّة من الفاكهة الطازجة جزءا من وجبة صحية طبقاً لقواعد طب الأيورفيدا».
الجدير بالذكر أن الفاكهة من الأطعمة، التي تحظى بتقدير في طب الأيورفيدا، حيث تعد من أفضل الأطعمة التي تحفز الذهن، وتعزز جهاز المناعة، وتزيد القوة الجسمانية. كذلك تعد مصدراً غنياً بالمواد المغذية والفيتامينات، ناهيك عن فوائدها كمضادات للأكسدة. وعندما يتم تناول الـ«تشاتني» مع مجموعة من البهارات، يمكن أن تصبح الأطباق التي يتم تقديمها معه لذيذة وصحية في الوقت ذاته بفضل مذاق الفاكهة. من المهم اختيار أنواع البهار، والفاكهة التي يتم استخدامها في الـ«تشاتني» طبقاً لنمط حياة المرء والموسم.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.