عزيزي سيريل ريجيس، أكتب إليكم الآن لأن موتكم المفاجئ يعني أن هناك أشياء لم أحصل على فرصة أن أقولها لكم، ولأنني أريد منكم أن تعلموا مدى تأثيركم على حياتي وحياة عائلتي. لقد كان يوم السبت من كل أسبوع هو أكثر الأيام إثارة وتميزاً في ذاكرتي كصبي صغير مع والدي، ليروي، كونه لاعب كرة قدم محترفا. وكانت أسعد ذكرياتي كطفل هي الاستيقاظ في شقتنا بمقاطعة ستريتهام بجنوب العاصمة البريطانية لندن، لأرتدي قميص نادي وستهام يونايتد مع أخي، دارون، وأجلس مع أبي أثناء تناوله طعاماً خفيفاً استعداداً لمباراة كبيرة على ملعب أبتون بارك في أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
وبعد ذلك كنا نستقل السيارة لمدة ساعة في جميع أنحاء لندن معا كعائلة، وبصفتنا أبنائه كنا نحظى بفرصة مشاهدة أبي وهو يلعب أمام أكبر الفرق في البلاد، كما كانت تتاح لنا الفرصة للدخول لغرفة خلع الملابس ونشاهد عمليات الإحماء للاعبين كبار مثل لاعبي خط الوسط ليام برادي وبول إنس والمدافع جوليان ديكس قبل 20 دقيقة من انطلاق المباراة. تلك هي الذكريات التي ستبقى معي طوال حياتي، والتي ألهمتني لأن أكون لاعب كرة قدم محترفا، لكن من دون شجاعتك ومهارتك ورغبتك في كسر الحواجز وممارسة اللعبة التي تحبها في ظل ضغوط هائلة، أشك في أنني كنت سأتمكن من قضاء هذه الأوقات الثمينة.
ورغم أنك كنت أكبر منه بست سنوات فقط، فقد كنت المثل الأعلى لوالدي والرجل الذي تعلم منه الكثير والكثير في كرة القدم، ليس فقط من خلال مشاهدتك وأنت تلعب كرة القدم بشكل راق ورائع وتحرز الأهداف لنادي وست بروميتش ألبيون وأنت شاب صغير، ولكنه تعلم أيضا من تعاملك الراقي وتصميمك الشديد على مواجهة الإساءة القاسية واللاإنسانية الموجهة لك بسبب لون بشرتك.
ويعترف والدي بأن ألم العنصرية البغيضة في كرة القدم قد جعله يشك في جدوى اختياره مجال كرة القدم، لكنه وضعك كنقطة مرجعية وكمثل يحتذى به، وهو ما ساعد على إقناعه بأنه يمكن للاعب كرة قدم أسود البشرة أن يحقق النجاح في المناخ العنصري الذي كان يسيطر على بلادنا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. ومن دونك، ربما لم يجد والدي أبدا الثقة والإيمان بالنفس لكي يحقق مسيرة جيدة في عالم كرة القدم التي أحبها كثيرا، وبالتالي لم أكن أنا لأمر بهذه الذكريات والخبرات التي اكتسبتها منذ أن كنت صبيا صغيرا من خلال والدي، وبالتالي لم أكن أنا أيضا لأستمتع بمسيرتي في عالم كرة القدم لولا تأثيركم في هذا الأمر.
ومن دون نجاحكم، مع لاعبين آخرين، في كسر هذا التحيز العنصري، ربما لم تتح لي الفرصة لارتداء حذائي الساعة الثالثة مساء من كل يوم سبت، وأفكار التعامل مع العنصرية من المدرجات أو المعارضين أبعد شيء عن عقلي. ولولا المجهود الذي قمت به بلا خوف وبكل فخر، منذ تلقيك خطابا وبداخله رصاصتين ويهددك بالتوقف عن اللعب للمنتخب الإنجليزي وتعرضك لهتافات عنصرية من قبيل «زنجي يلعق حذائي» أو قذفك بالموز خلال المباريات، لولا المجهود الذي قمت به وتصديك لكل هذا، ربما لم نكن لنرى الآن لعبة كرة القدم بشكلها الحالي والتي تعترف بتعدد الثقافات.
كما أن حضوركم الهائل وقدرتكم الكبيرة قد أجبرت مجتمعنا على إعادة النظر في مثل هذه الأمور وتحدي نفسه ليكون أفضل، وهذا هو السبب الذي جعلني أكتب هذه الرسالة لكم انطلاقا من احترامي وامتناني للرمز الحقيقي ولرائد اللعبة التي نمارسها. إن أهدافك قد جعلت ملايين الأشخاص من عشاق كرة القدم يشعرون بالسعادة، لكن طيبة قلبك وشخصيتك القوية وشجاعتك قد أعطت الجيل الذي يليك (وأنا منه) الثقة في التقدم للأمام وتحقيق أحلامه من دون العنصرية العلنية والبغيضة التي كان يتعين عليك أنت وغيرك من اللاعبين أن تتعاملوا معها خلال مسيرتكم الكروية.
إن أفضل طريقة نعبر بها، كجيل أصغر، عن احترامنا وامتناننا لك هو أن نستفيد من الفوائد التي أتيحت لنا بفضل نضالكم، وأن ننقل هذه اللعبة وهذا المجتمع إلى الأمام. ومن واجبنا أن نسير على الدرب نفسه الذي سرتم عليه فيما يتعلق بالمهارة والتواضع والحب والاحترام، لكي تتعلم الأجيال المقبلة أنه بغض النظر عن عرقك أو جنسك أو عقيدتك، فإنه يتعين علينا جميعا أن نلعب دورا إيجابيا في مجتمعنا. ويتعين علينا أن نواصل رسالتكم التي تشير إلى أن أفضل طريقة للتغلب على المتعصبين هو أن نثبت على موقفنا، ونسعى جاهدين للتفوق فيما نقوم به وأن نبتسم ونحن نقوم بذلك. وهذا بالضبط ما فعلتموه.
لقد كان من دواعي سروري أن أجتمع بكم لفترة وجيزة في مناسبات قليلة، ويؤسفني أنني لم أغتنم هذه الفرصة لأخبركم بمدى أهميتكم في حياة والدي وفي حياتي أنا أيضا، وكذلك في حياة عدد يعد ولا يحصى من اللاعبين المحترفين والجمهور. وبدلا من ذلك، ابتسمت في وجهكم وصافحتكم باحترام خجول منعني من توضيح دوركم الكبير في حياتي وكيف كنتم مصدر إلهام بالنسبة لي. أدعو أن تصل إليكم هذه الرسالة بطريقة أو بأخرى وأنت في العالم الآخر.
شكراً سيريل،
ارقد في سلام،
ليام روسينيور
توفي المهاجم السابق لوست بروميتش ألبيون والمنتخب الإنجليزي سيريل ريجيس الذي كان من أوائل اللاعبين السود في الدوري الإنجليزي لكرة القدم، عن 59 عاما. وخاض ريجيس 5 مباريات دولية بين 1982 و1987، وكان من أبرز نجوم وست بروميتش ألبيون بين 1977 و1984، وسجل له 112 هدفا في 297 مباراة قبل الانتقال إلى كوفنتري سيتي الذي أحرز معه لقبه الوحيد وكان في كأس إنجلترا عام 1987. وشكل ريجيس مع لاوري كانينغهام وبرندون باتسون الذي انضم لوست بروميتش عام 1978، الثلاثي الأسود الذي أطلق عليه اسم «ذي ثري ديغريز»، تيمنا بالفرقة الموسيقية الثلاثية الأميركية التي تكونت من ثلاث نساء من صاحبات البشرة السوداء عام 1963، وولد ريجيس في غويانا الفرنسية في فبراير (شباط) 1958، لكنه انتقل إلى لندن مع عائلته في سن الخامسة، وشوهد يلعب كرة القدم من قبل رئيس ناد هاو، ومن هنا بدأ المشوار.
رسالة إلى الراحل ريجيس: نجاحكم كسر حاجز «التحيّز العنصري» في الملاعب
من ليام روسينيور لاعب برايتون والناقد الكروي بـ«الغارديان»
سيريل ريجيس
رسالة إلى الراحل ريجيس: نجاحكم كسر حاجز «التحيّز العنصري» في الملاعب
سيريل ريجيس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

