محافظان يتنافسان على إدارة نينوى المدمَّرة

فتاتان عراقيتان بين الدمار في الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
فتاتان عراقيتان بين الدمار في الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
TT

محافظان يتنافسان على إدارة نينوى المدمَّرة

فتاتان عراقيتان بين الدمار في الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
فتاتان عراقيتان بين الدمار في الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)

يبدو أن الكتل السياسية المتنافسة في محافظ نينوى لم تستفد كثيراً من الدرس القاسي الذي تعرّضت له المحافظة بشكل عام ومركزها، مدينة الموصل، بشكل خاص، منذ صعود «داعش» وسيطرته عليها في يونيو (حزيران) 2014، وما تلا ذلك من دمار لحق بالمحافظة نتيجة الحرب التي شنتها القوات الحكومية على التنظيم الإرهابي وطرده منها نهاية العام الماضي.
وتشير الإحصاءات الصادرة عن المحافظة مثلاً، إلى أن 90% من جسورها مدمرة، فضلاً عن مشكلة النازحين والخراب الكبير في البنى التحتية والأنقاض التي ما زالت تغطي الحي القديم في الجانب الأيمن من الموصل. ويلاحظ أنه وبدلاً من أن توجّه الكتل السياسية الممثلة في مجلسها المحلي تركيزها إلى جهود الإعمار وتحقيق الاستقرار وإعادة النازحين، انشغلت بالصراع على منصب المحافظ الذي أدى في نهاية الأمر إلى أن تشغله شخصيتان من كتل متنافسة في وقت واحد.
صحيح أن موضوع الخلافات بين الكتل السياسية في نينوى ليس جديداً، وهو امتداد لشكل الصراع القائم في العراق عموماً، إلا أن جذور المشكلة الحالية المتمثلة في وجود محافظَين، تعود إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي بعد نحو 3 أشهر من تحرير مدينة الموصل بالكامل على يد القوات العراقية في شهر يوليو (تموز) الماضي، حيث صوّت مجلس نينوى على سحب يد المحافظ نوفل العاكوب، على خلفية تهم فساد ومخالفات إدارية، وأرسل كتاباً إلى رئاسة الوزراء بهذا الصدد، فحصلت موافقة الأخيرة على إيقافه عن العمل مدة 60 يوماً، لكن كتاب رئاسة الوزراء وصل إلى محافظة نينوى بعد نحو شهر من ذلك التاريخ، الأمر الذي دفع العاكوب إلى البقاء في منصبه، بينما كلف مجلسُ المحافظة النائبَ الأول للمحافظ، عبد القادر سنجاري، بتولي منصب المحافظ لحين انتهاء فترة الـ60 يوماً ووصول كتاب رئاسة الوزراء. ورد المحافظ العاكوب برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية في بغداد للطعن في شرعية تصويت مجلس المحافظة فحكمت لصالحه.
وفي ظل الخلافات والمشكلات السياسية والقضائية القائمة بين طرفي الخلاف، ظلت الأطراف المتخاصمة مصرّة على مواقفها من خلال تمسكها بما تعتقد أنها إجراءات مطابقة للقانون. ويقول مصدر مقرب من مجلس محافظة نينوى إنه لا يستطيع تفهم ما يحدث من صراع بين الأحزاب والكتل السياسية في ظل حاجة المحافظة إلى العمل وإعادة الإعمار، ويعتقد أن على «الحكومة الاتحادية في بغداد التدخل لحسم الموضوع». وكشف المصدر (الذي يفضّل عدم كشف هويته) عن أن «المحافظَين (نوفل العاكوب وعبد القادر سنجاري) يجلسان في نفس المبنى، وقد تسلم الأخير مهام عمله منذ بضعة أيام».
ويشير إلى أن «المكاسب المالية هي ما فجّر الصراع بين الكتل السياسية مؤخراً. كل ما يقال عدا ذلك حجج واهية. التنافس على السلطة شديد في المحافظة المقبلة على موازنة مالية جديدة، والجميع يريد جني الفوائد المالية من وراء ذلك». وبرأيه فإن «الصراع في نينوى أثّر تأثيراً سلبياً على أوضاع المحافظة، لأن أطراف الصراع اهتمت بمتابعة خلافاتها أمام المحاكم في بغداد وتركت شؤون الناس والمحافظة».
ويؤكد عضو مجلس محافظة نينوى أضحوي جفال الصعيب، التأثير السلبي للخلاف الذي يلقي بظلاله القاتمة على مجمل أوضاع المحافظة، ويرى أن كتلها السياسية «لم تستفد من تجربة (داعش) المريرة ولا تريد الاستفادة، وذلك شيء يتحمله رؤساء الكتل بالدرجة الأساس». ويقول الصعيب، وهو عضو عن قائمة نينوى في المجلس، لـ«الشرق الأوسط»، أن الصراع الحالي «غير مبرر من الناحية الأخلاقية في ظل الخراب الذي تعانيه نينوى، ولا يمكن للناس العاديين والمراقبين تفهمه، لكن الكتل السياسية تنظر إلى الأمر من زاوية مصالحها وأهدافها الخاصة».
مع ذلك، يرى الصعيب، وهو من الجبهة غير الراغبة في إقالة المحافظ نوفل العاكوب، أن «إقالته في هذا الوقت غير مفيدة، إذ لم يتبقَّ غير 4 أشهر وتنتهي ولايته بإجراء الانتخابات، لكن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني متمسكة بموقفها وبقاء عبد القادر سنجاري في منصبه، مستندةً بذلك إلى قرار رئاسة الوزراء بتجميد عمل العاكوب». وبشأن عملية إدارة المحافظة في ظل الصراع الحالي بين كتلها، يلفت الصعيب إلى أن «المجلس يجتمع كل شهرين أو ثلاثة، وهو شبه معطل في وقت يُفترض فيه الاجتماع كل يوم لمعالجة المشكلات المتراكمة في المحافظة». ونفى وقوف أجندات قومية أو طائفية وراء الصراع الحالي باعتبار أن المجلس مكون من خليط من المكونات القومية والدينية، وبرأيه فإن «الصراع يتعلق بمصالح حزبية صرفة».
ويتألف مجلس محافظة نينوى من 39 عضواً، ضمنهم 13 عن التحالف الكردستاني ومثلهم عن قائمة «نينوى» العربية، إلى جانب 3 أعضاء عن الحزب الإسلامي و3 عن المكون التركماني، فضلاً عن بعض المستقلين وأعضاء عن المكونات الدينية في المحافظة مثل المسيحيين والإيزيدين والشبك.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».