صنّفت الإدارة الأميركية اثنين من قادة شبكة «حقاني»، جلال الدين حقاني وابنه سراج الدين حقاني، «أهدافاً ثمينة» في حربها على الإرهاب في المنطقة. كما أخطرت الإدارة الأميركية الحكومة الباكستانية، من خلال قنوات غير رسمية، باحتمال قيام قواتها بتنفيذ عملية عسكرية داخل الأراضي الباكستانية.
وتدرس وزارة الدفاع الأميركية خياراتها في باكستان، في الوقت الذي دعا فيه مسؤولون سياسيون باكستانيون حكومتهم الجمعة، إلى اتخاذ تدابير انتقامية إذا علقت واشنطن مساعداتها لإسلام آباد، وقال زعيم المعارضة عمران خان: «يجب أن نرفض استخدام الولايات المتحدة المنشآت التي نقدمها لها مجاناً».
وأكد مسؤولون باكستانيون لصحيفة «الشرق الأوسط» حالة الخوف التي تتملك دوائر الحكومة الباكستانية من أن تأخذ العملية العسكرية شكل ضربات باستخدام طائرات درون أو غارات تشنّها قوات الكوماندوز داخل المناطق القبلية الباكستانية. وفي مثل هذا المناخ الذي بلغ فيه التوتر السياسي ذروته بين إسلام آباد وواشنطن، لن تقبل باكستان «انتهاك» القوات الأميركية المتمركزة في أفغانستان لأراضيها.
ومنذ بداية التوتر السياسي، أكد القادة الباكستانيون أنهم سيتخذون كل الإجراءات المطلوبة لضمان حماية أمن باكستان. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر في إسلام آباد أن الإدارة الأميركية قد أبلغت الحكومة الباكستانية طلبها قتل أو اعتقال قادة شبكة «حقاني» الموجودين في المنطقة الحدودية القريبة من أفغانستان. ورغم أن المطلب الأميركي باعتقال قادة الشبكة ليس الأول من نوعه بعد أن تكرر على مدار السنوات الماضية، فإن المطلب هذه المرة جاء أكثر إلحاحاً في ضوء تأكيدات القيادة الأميركية بأنها لن تسمح «باستمرار التضارب في المصالح والعلاقات في الوضع الحالي». وتتهم الإدارة الأميركية باكستان بتوفير الملاذ الآمن لشبكة «حقاني» في المنطقة القبلية، وهو ما ينكره المسؤولون الباكستانيون. وفي عام 2014، دخل الجيش الباكستاني منطقة شمال وزيرستان (التي تعتبر معقلاً لشبكة حقاني)، وأعلن أنه قام بعمليات واسعة النطاق ضد جميع الجماعات المسلحة، ومن ضمنها شبكة «حقاني».
غير أن مخاوف الإدارة الأميركية من الصلة بين باكستان وشبكة «حقاني» تعززت عندما قام المسؤولون الباكستانيون بترتيب لقاء بين بعض قادة شبكة «حقاني» والدبلوماسيين الأميركيين الموجودين في إسلام آباد في عام 2012.
واعتبر خبراء أن العلاقات الباكستانية - الأميركية قد وصلت إلى نقطة حرجة عقب تغريدة الرئيس دونالد ترمب التي اتهم فيها الحكومة الباكستانية بالكذب والخداع. وتعتبر شبكة «حقاني» أكثر الجماعات المسلحة وحشية داخل الأراضي الباكستانية خصوصاً في ضوء صلتها بجماعة طالبان «الأفغانية». واستمرت الشبكة في استخدام منطقة وزيرستان الشمالية قاعدة لها، لفترة طويلة، لمهاجمة قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) والقوات الأميركية في أفغانستان.
ولطالما نظرت وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) لشبكة «حقاني» بوصفها الجماعة الإرهابية المفضلة خلال الحرب ضد الاحتلال السوفياتي في الثمانينات. وكانت أغلب مساعدات «سي آي إيه» خلال تلك الفترة توجه إلى المجاهدين الأفغان.
وأفاد المسؤولون الباكستانيون بأنهم يشعرون بالحيرة والخوف من احتمال شن القوات الأميركية غارة جوية داخل الأراضي الباكستانية للتخلص من قادة شبكة «حقاني». وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، استبعد مسؤولون باكستانيون إمكانية قيام شبكة «حقاني» بعمليات من داخل الأراضي الباكستانية. وأوضح خبراء أنه ما من خيار أمام الحكومة الباكستانية الآن سوى أن ترد عسكرياً على أي عمليات عسكرية أميركية تجرى داخل أراضيها، خصوصاً في مثل هذا المناخ المتوتر الذي أعقب تغريدة الرئيس الأميركي الأخيرة.
وقد نصح بعض القادة المحليين الحكومة الباكستانية بمحاولة تهدئة الأجواء السياسية لمنع مزيد من التوتر في العلاقات الباكستانية - الأميركية. ولهذا السبب سمحت الحكومة الباكستانية لقادتها العسكريين بمواصلة الحوار مع نظرائهم الأميركيين لتهدئة الأجواء المتوترة في إسلام آباد. وأشار المسؤولون إلى أن الأيام المقبلة قد تشهد إحياء للمحادثات العسكرية بين البلدين. لكن هذا الاحتمال سيتلاشى حال أقدمت الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية داخل الأراضي الباكستانية.
من جهتها، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن البنتاغون يناقش الخيارات المتاحة لتزويد قواته بما تحتاج إليه في أفغانستان إذا تعرضت لأعمال انتقامية من باكستان، بعد التهديد بتجميد المساعدة الأميركية لإسلام آباد المتّهمة بالتساهل في التصدي للإرهاب.
فقد أعلنت الولايات المتحدة الجمعة أنّها قد تعلق مساعدات تبلغ قيمتها ملياري دولار، اقتناعاً منها بنفاق باكستان التي يمكن أن تكون متساهلة جداً حيال المجموعات المتمردة مثل حركة طالبان الأفغانية، أو حلفائها في شبكة «حقاني». وترى واشنطن التي تحارب منذ 16 عاماً في أفغانستان، أن أكبر خطر يتمثل في إقدام باكستان على إغلاق حدودها ومرفأ كراتشي، مشيرة إلى أن من شأن ذلك منع تزويد القوات الأميركية بالمواد الغذائية والسلع والمعدات، كما حصل عام 2011.
ففي تلك الفترة، ردت إسلام آباد على مجموعة من الحوادث الدبلوماسية مع واشنطن، لا سيما العملية السرية الأميركية التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن في مدينة أبوت آباد الباكستانية. واضطرت قوات الحلف الأطلسي التي تأتمر بقيادة أميركية إلى استخدام قاعدة جوية في قيرغيزستان، وطريق برية تعبر روسيا وآسيا الوسطى والقوقاز، وهي طرق أطول وأكثر تكلفة. وترى كريستيان فير، المتخصصة بشؤون جنوب آسيا في جامعة جورج تاون، أن إغلاق المجال الجوي الباكستاني أمام طائرات الشحن الأميركية سيكون «مشكلة كبيرة»، كما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية.
وأوضحت أن «القاعدة الجوية في قيرغيزستان قد أغلقت في 2014، ومن المحتمل أن يكون الوصول إلى بلدان آسيا الوسطى أكثر صعوبة بسبب العلاقات المتوترة بين واشنطن وموسكو».
لكن مسؤولين أميركيين يؤكدون أنهم أقاموا شبكة للتزود بالمواد الغذائية والسلع والمعدات تتسم «بالمرونة والانتظام». وقال الليوتنانت كولونيل كوني فولكنر للوكالة الفرنسية، إنه «في إطار التخطيط العسكري، نعمل على تطوير خطط الاستمرارية لمتابعة مهمتنا التدريبية وتقديم المشورة والمساعدة إلى القوات الأفغانية في مكان العمليات». فيما قال وزير الدفاع جيمس ماتيس أيضاً، إنه «لا يشعر بالقلق» من احتمال عرقلة عمليات التزود بالمواد الغذائية والمعدات. ويوضح مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن أحد الخيارات المتوافرة هو اللجوء إلى الرحلات التجارية. لكنه أضاف في تصريح للوكالة الفرنسية أن «السؤال المطروح هو: إلى متى تستطيع الولايات المتحدة تمويل هذه التكلفة الإضافية؟»، وقال: «إذا كانت المسألة لأسابيع أو أشهر، يمكن إدارة الوضع بحلول مؤقتة»، حتى لو أن حظراً طويل الأمد يتطلب حلولاً تتسم بمزيد من الواقعية وكثير من السخاء.
واشنطن: زعيم شبكة «حقاني» ونجله هدفان ثمينان
البنتاغون يدرس خياراته إذا تعرضت قواته لأعمال «انتقامية» من باكستان
واشنطن: زعيم شبكة «حقاني» ونجله هدفان ثمينان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة