عام تأرجح مستقبل نتنياهو

عام تأرجح مستقبل نتنياهو
TT

عام تأرجح مستقبل نتنياهو

عام تأرجح مستقبل نتنياهو

لم يتسم عام 2017 بأحداث دراماتيكية فيما يتعلّق بالصراع العربي - الإسرائيلي، وتحديدا في المسار الفلسطيني - الإسرائيلي. فالاحتلال استمر في التعمق، والاستيطان استمر في التمدد، ولذلك صح القول إن الاستيطان عام 2017، خصوصا بعد اعتلاء دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، يستحق شعار «الاستيطان باق ويتمدد». كذلك لم تكن هناك تطورات دراماتيكية على الحدود لا جنوبا مع غزة،ولا شمالا مع لبنان، ولا حربا على الجولان مع سوريا، اللهم سوى استمرار تدفق مئات من الجرحى والمصابين غالبيتهم من «جبهة النصرة» إلى المستشفيات الإسرائيلية عبر القنيطرة.
‎والحقيقة أن هذا تماما ما أراده ويريده رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بمعنى الإبقاء على الوضع القائم، لأن الاحتلال غير مكلف لا اقتصاديا ولا سياسيا ولا دبلوماسيا ولا عالميا ولا عسكريا. فقد طرح نتنياهو فكرة تقول إن العالم العربي الممزق والنازف، إلى جانب استمرار الانقسام الفلسطيني (رغم الجهود الحثيثة لرأب الصدع بين حماس وفتح)، يبعد القضية الفلسطينية عن الأضواء وعن الاهتمام الدولي ويريح الاحتلال، بل إنه يطيل في عمره. والحقيقة أن هذا طرح صحيح ومنطقي. ولذلك كانت الأضواء مسلطة أكثر على أحداث إسرائيلية داخليه كان أهمها، ولا يزال، تحقيقات الشرطة الإسرائيلية ضد نتنياهو ومن حولَه والشبهات التي تحوم حوله بتهم كثيرة أخطرها الرشوة وإساءة الائتمان.
‎هذا الموضوع هو أكثر الأمور التي تشغل السياسيين في إسرائيل من ائتلاف ومعارضه، كما أنه الموضوع الأبرز في الصحافة والإعلام في إسرائيل في العام الذي يوشك على الانتهاء، وتحديدا الأسابيع الأخيرة، خصوصا أن نتنياهو يدير معركة ضارية من أجل عرقلة التحقيقات ضده ومنع الشرطة من نشر توصياتها في عدة ملفات تتعلق به، لدرجة أنه دفع بنواب من «الليكود» لمحاولة سن قانون يمنع الشرطة من تقديم توصياتها في ملفات التحقيقات التي تجري في هذه الأيام ضد نتنياهو. إلا أنه فشل في ذلك نظرا للمظاهرات الحاشدة في شوارع تل أبيب، وتردد بعض أعضاء الائتلاف الحاكم، مثل موشيه كحلون وزير المالية ورئيس حزب «كولانو»، في دعم هذا القانون الجارف، ولذلك تمت إعادة القانون ليستثني ملفات نتنياهو الحالية، ومن المتوقع أن تصدر الشرطة قرارها في هذه الملفات في الأسابيع القريبة المقبلة، وعندها سيكون وضع نتنياهو الجماهيري حرجا للغاية، خصوصا إذا كانت التهمة هي الرشوة.
‎الحدث الآخر في عام 2017 داخليا في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، هو انتخاب آفي غاباي رئيسا لحزب العمل والمعسكر الصهيوني خلفا لإسحاق هيرتسوغ. آفي غاباي، الذي لم يكن منتميا لحزب العمل سابقا، فاجأ الجميع وهزم هيرتسوغ وعمير بيرتس، وبُعيد انتخابه ابتسمت له استطلاعات الرأي العام، وبدا كأنه سيكون منافسا جادا لنتنياهو في الانتخابات المقبلة، إلا أنه فاجأ حزبه والصحافة من جديد بتوجهه اليميني. فأطلق تصريحات مستهجنة داعمة للاستيطان، مدعيا أنه لا حاجة لتفكيك الاستيطان في اتفاقية سلام، وهاجم القائمة المشتركة ونوابها العرب، ثم تمادى وهاجم اليسار الإسرائيلي وادعى أنهم «نسوا كيف يكونون يهودا»، مما آثار ضده موجة من الانتقادات، وبدأ وضعه يتراجع في الاستطلاعات، بينما حافظ يئير لبيد، زعيم حزب «يش عتيد»، على مكانته بوصفه الحزب الثاني في الاستطلاعات بعد «الليكود»، والمنافس الأقوى، حاليا، لبنيامين نتنياهو.
‎إن ظاهرة تقمص مواقف اليمين في محاولة لاستقطاب أصوات المجتمع الإسرائيلي من المركز واليمين، التي يقودها كل من آفي غاباي ويئير لبيد، هي الدليل على أن التطرف والتشدد والعنصرية التي أصبحت تيارا مركزيا في المجتمع الإسرائيلي، تغلغلت في الائتلاف والمعارضة وأصبح التطرف طريقا ونهجا رابحا وشرعيا.
‎أما أننا نتحدث عن التطرف والعنصرية، فهما لم يصيبا الجهاز السياسي فحسب، بل ترسخا وعششا في كل أجهزة ومؤسسات الدولة، خصوصا الشرطة التي قامت خلال هدم قرية أم الحيران في النقب بإطلاق النار وقتل أحد أصحاب البيوت، وهو الشهيد يعقوب أبو القيعان، بدم بارد، واتهمته الشرطة فورا بأنه ينتمي لـ«داعش» لتبرير جريمتها. إنه ضحية العنصرية كما تكشف بعد ذلك من بطلان رواية الشرطة وتهمها.
‎كذلك فقد استمر سيل التشريعات العنصرية في الكنيست، حيث تم تمرير ما يسمى «قانون كمينتس» الذي يسهل عمليات هدم البيوت العربية من دون الأخذ بعين الاعتبار الضائقة السكنية وانعدام التخطيط والبناء في البلدات العربية، جراء سياسات الحكومة الإسرائيلية المتعاقبة. وكذلك استمر سيل القوانين العنصرية الذي قادته الحكومة الإسرائيلية، وتنافس كل من نتنياهو و«الليكود» من جهة، ونفتالي بينت وإييلت شكيد من «البيت اليهودي»، على من يتطرف أكثر ومن يسن قوانين أكثر عنصرية، تصدت لها «القائمة المشتركة»، وغالبا من دون أن ننجح في تغييرها نظرا لأفضلية الائتلاف العددية.
«القائمة المشتركة» التي صمدت خلال كثير من الهزات الداخلية والأزمات الحزبية، كانت وما زالت خيار الجمهور العربي الأول. إلا أننا نمر أخيرا بأزمة ما يسمى «التناوب»، التي أدخلتنا جميعا في دوامة أضرّت بالقائمة، خصوصا بعد تنفيذ التزام حزبي الجبهة والعربية للتغيير بالاتفاق واستقالة النائب المجتهد الدكتور عبد الله أبو معروف، وكذلك استقالة النائب الدينامو أسامة السعدي، فيما ما زال حديث التناوب يسيء جدا لمكانة القائمة في صفوف جماهيرنا في الداخل، ونأمل أن نستطيع الخروج من هذه الدوامة قريبا.
وينتظرنا القانون الأكثر تطرفا وهو ما يسمى بقانون القومية، الذي يجري العمل عليه في هذه الايام بدفع من نتنياهو شخصيا، حيث ينص على تعريف اسرائيل بأنها «البيت القومي للشعب اليهودي»، وبأن حق تقرير المصير في هذا الوطن هو لليهود فقط، الى جانب المساس بمكانة اللغة العربية كلغة رسمية.
‎صحيح ان خطاب الرئيس الاميركي دونالد ترمب كان خطابا لرئيس اميركا، ولكنه كان اسرائيليا بامتياز وأثار جدلا حتى في اسرائيل من جهة، وفرحة عارمة في مكتب نتنياهو الذي شعر وكان دونالد ترمب يقدم له حقنة من المقوي في فترة حرجة في حياة نتنياهو السياسية، ويتبنى بالكامل رواية الاحتلال حول القدس. الا ان تصويت العالم في الامم المتحدة، 128 دولة ضد خطاب ترمب، كان صفعة مدوية لترمب ولنتنياهو معًا، بالرغم من نجاح ضئيل لنتانياهو في شق الصف الاوروبي الذي بدأ يتمرس فيه دور الرئيس الفرنسي ماكرون كأبرز الزعماء الاوروبيين.
‎القدس التي انتفضت بكاملها عندما امر نتنياهو بوضع بوابات الكترونية عند بوابات المسجد الأقصى فخرجت الالاف، وكنا معهم، رافضين الدخول من هذه البوابات وليصلوا في شوارع القدس وأزقتها وفي باب الأسباط، حتى تراجع نتنياهو بفضل هذه الهبة الجماهيرية والضغوط الدبلوماسية التي مورست عليه، فلسطينيا واردنيا.
اننا ‎نقترب من نهاية عام 2017 ويبدو أن العام المقبل، سيشهد انتخابات مبكرة في اسرائيل، غالبا بسبب التحقيقات ضد نتنياهو وانعكاسات هذه التحقيقات على الائتلاف الحكومي القائم. سينتهي هذا العام ونتنياهو رئيسا للوزارء، ولكن هل سينتهي عام 2018 وهو رئيس للوزراء؟ كثيرون في اسرائيل يشكّكون في ذلك.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.