اليمين ضد الفلسطينيين: مَن يَعزل مَن؟

اليمين ضد الفلسطينيين: مَن يَعزل مَن؟
TT

اليمين ضد الفلسطينيين: مَن يَعزل مَن؟

اليمين ضد الفلسطينيين: مَن يَعزل مَن؟

أهم الأسئلة المطروحة في مواجهة هذا المد اليميني، بإبعاده الفاشية: من يعزل من؟! هل سينجح اليمين بعزل المواطنين الفلسطينيين، أم ينجح المواطنون الفلسطينيون ببناء جسور تعاون مع قوى ديمقراطية يهودية، للمساهمة الحقيقية في تغيير الحكم على طريق عزل اليمين الفاشي؟!
بافتتاح الدورة الشتوية للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، طلب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، من أعضاء ائتلافه قراءة كتاب: «لماذا صوت لليمين وحصلتَ على اليسار؟» صاحب الكتاب هو إيرِز تدمور، مستشار نتنياهو الإعلامي في مرحلة الانتخابات، وواضع كلمات خطابه التحريضي ضد المواطنين العرب (فلسطينيي 48) في يوم الانتخابات: «حُكم اليمين في خطر. المصوّتون العرب يتدفقون بكميات إلى صناديق الاقتراع، تجلبهم جمعيات اليسار بالحافلات».
كتاب تدمور يصل إلى الخلاصة بأن الليكود اعتلى الحكم في عام 1977، ولكنه لم يمارس الحكم بشكل حقيقي إلا في دورة نتنياهو الرابعة، أي الدورة الحالية. وفقط منذ عهد نتنياهو شرع في السيطرة على الدولة العميقة. ويدعي الكاتب أن مناحم بيغين، أول رئيس لحكومات اليمين، تعامل بشكل رسمي محترِماً المحكمة العليا والصحافة، رافضاً تغيير أي موظف، صغير أو كبير، في سلك الدولة. وكذلك فعل شامير. أما شارون وأولمرت فقد خانا مصوّتي اليمين وانتقلا إلى المركز المتحالف مع اليسار. ونتنياهو، فقط، عمل على تجذير حكم اليمين داخل الدولة بشكل عميق.
هذا التحليل صحيح، فعندما ننظر إلى كل مناحي الحياة السياسية والحكم في إسرائيل، نلاحظ أن تغييرات جذرية تحصل في عهود نتنياهو. في مجال الإعلام على سبيل المثال، ظهرت القناة 20 لتكون بوقا لليمين الديني، وصحيفتا «يسرائيل هيوم» و«مكور ريشون» بديلا يمينياً لسيطرة الإعلام التقليدي. وظهرت مراكز أبحاث «شاليم» و«المركز للاستراتيجية الصهيونية» و«مركز القدس» و«ميدا»، جواباً لمراكز الأبحاث اللبرالية. أما المحكمة العليا، فقد أثخنها اليمين نقداً، وطرح قوانين عدة لتكبيل أيديها. وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة سيستبدل يمينيّان مكان ليبرالييْن في مسعى منهجي لإحكام السيطرة على المحكمة، وكذلك الأمر بالنسبة للجيش الذي يشهد تحوّلاً تاريخياً من حيث تعاظم وجود اليمين المتمديّن (من التيار الصهيوني الديني المسيطر في المستوطنات). أما الجامعات فتسعى حكومة نتنياهو الرابعة إلى وضع نظام للمحاضرين حول المسموح والممنوع تعليمه، وإن كانت النجاحات محدودة حتى الآن.
وعندما لا تسير الأمور بحسب رغبات نتنياهو واليمين، يقود نتنياهو بنفسه وبمساعدة أعضاء ائتلاف بارزين، هجمات غير مسبوقة لتحطيم كل جسم يبدي استقلالية ولا يتماشى مع مشيئته. منذ أشهر، يهاجم ائتلاف نتنياهو الشرطة وقائد الشرطة الذي عينه بنفسه، حتى وصلت بهم الأمور لمهاجمة أداء الشرطة، على أثر أحداث أم الحيران، التي استشهد فيها يعقوب أبو القيعان، عبر عناوين الصحف اليمينية وأبرزها «يسرائيل هيوم». يمرر نتنياهو قوانين بسرعة خارقة هدفها التشكيك بعمل الشرطة والتضييق عليها، ووصل الأمر إلى أن يقوم نتنياهو بنفسه يوم الثلاثاء 19 ديسمبر (كانون الأول)، بإلقاء خطاب أمام الجموع رافضاً توصيات الشرطة المرتقبة بخصوص اتهامه بالفساد، وواصل تحريضه ضد وسائل الإعلام، ليصل إلى ذروة غير مسبوقة إسرائيلياً بتقويض الهامش الديمقراطي.
قد تبدو هذه القضايا عينيّة، ولكن نتنياهو هو قائد منهجي جداً. كل رئيس وزراء إسرائيلي يتميّز بحدث تاريخي (بن غوريون - إقامة الدولة، ليفي آشكول - حرب 1967، غولدا مائير - حرب 1973، مناحم بيغين - السلام مع مصر، إسحق رابين - اتفاقيات أوسلو). ولكن لا يستطيع الإنسان أن يسجّل يوماً مفصلياً وفارقاً في الحياة السياسة لنتنياهو. إلا أنه سيسجل كقائد للتغييرات الكمية العنيدة والمنهجية التي بقياسها منذ تولّيه رئاسة الحكومة مجدداً (2009) حتى اليوم، نجد أن إسرائيل أبعد من أي وقت مضى عن الالتزام بالسلام، الديمقراطية والعدل الاجتماعي.

معركة المواطنين الفلسطينيين لوحدهم أم معركة الديمقراطيين؟!
في الانتخابات الأخيرة (2015)، تشكلت القائمة المشتركة التي ضمّت وطنيين، وشيوعيين، وقوميين، وإسلاميين، وليبراليين. كانت لحظة فارقة في مسيرة المواطنين العرب، ليس فقط لتحقيقها إنجازات غير مسبوقة من حيث التمثيل (القوة البرلمانية الثالثة ممثلة بثلاثة عشر مقعداً)، وإنما لتدعيم مكانة الفلسطينيين بشكل غير مسبوق إسرائيلياً وعالمياً، وما لا يقلّ أهمية إيمانهم بأنفسهم.
ورغم رومانسية فكرة الوحدة فإن ترسيخ ثقافة الوحدة يبقى العمل الأشقّ والأبقى، وربما كانت مقولة جبران خليل جبران تفي بالمعنى: «فكّر الله فكان فكره الأول ملاكاً. وتكلّم، فكانت كلمته الأولى إنسانا»، إنسانا بتردده، وأخطائه، وانتكاساته، ووقوفه مجدداً. والأهم بالنسبة للقائمة أن نحافظ عليها، ونسعى لتعزيز تمثيلها في الانتخابات المقبلة.
إن كل استطلاعات الرأي تُعطي لحزب العمل و«يش عتيد» المعارضين أربعين مقعداً، في الانتخابات المقبلة، وتُعطي «ميرتس» اليساري الصهيوني حتى سبعة مقاعد. مجرّد الحفاظ على القائمة وتمثيلها سيمنع اليمين من تشكيل حكومته!
لا توجد لدينا أوهام بشأن «اليسار الصهيوني» برئاسة آڤي غباي، ولكن عَمَلاً بالمادة الفقهية: «درء المفاسد أولى من جلب المنافع»، فالمسألة الأكثر إلحاحاً اليوم هي إسقاط حكومة نتنياهو، وحليفيْه نفتالي بينيت، وأفيغدور ليبرمان.
إن أهم المعادلات في السياسة الإسرائيلية هي الشرعية السياسية للمواطنين العرب. ففي حالة كنّا «شرعيين» في العمل السياسي، سيكون على اليمين الإسرائيلي إقناع ثلثي المواطنين اليهود ليحصل على أكثرية برلمانية. وفي حالة كنا «غير شرعيين» يستطيع الاكتفاء بنصف المواطنين اليهود. ومنذ أن اعتلى اليمين الحكم في عام 1977، لم يخسر إلا مرتين لصالح حكومتي إسحق رابين وإيهود باراك، وكلتا الحكومتين لم تملكا أغلبية يهودية، بل نجحتا بفضل أصوات المواطنين العرب (كان لرابين 56 مقعداً فقط. وبفضل وجود اتفاق تعاون مع الكتلتين العربيتين في حينه، الممثلتين بخمسة مقاعد، ضمن لنفسه جسماً مانعاً لسيطرة اليمين يمتلك الأكثرية البرلمانية. وحصل باراك بالتصويت المباشر على 56%‏ من أصوات الناخبين، ونجح بفضل أصوات المواطنين العرب!).
شرعية المواطنين العرب ومواطنتهم تُستمد من كونهم أهل البلاد الأصليين، وهذا خطاب المحقّين الأصيل، ولكن لوحده غير كافٍ. فعلى «القائمة المشتركة» تعميق الخطاب الديمقراطي، وبناء جسور مع قوى يهودية قلقة من تغول حكومة اليمين وسعيها الحثيث لتضييق الهامش الديمقراطي، لأن أهم الأسئلة المطروحة في مواجهة هذا المد اليميني بإبعاد فاشية، هو السؤال: مَن يعزل مَن؟! هل سينجح اليمين بعزل المواطنين الفلسطينيين، أم ينجح المواطنون الفلسطينيون ببناء جسور تعاون مع قوى ديمقراطية يهودية للمساهمة الحقيقية في تغيير الحكم بالطريق لعزل اليمين الفاشي؟!
لقد حققت «القائمة المشتركة» إنجازات بالغة الأهمية. أولا في تثبيت الحضور العربي في الحياة السياسية والبرلمانية. وثانيا في جلب مكاسب للمواطنين العرب عموما ومجالسهم البلدية والقروية، إذ بفضل كفاحنا الدؤوب حققنا ميزانيات هامّة لصالح مواطنينا، ونعكف على متابعة تنفيذها بنجاح لافت ومحسوس على أرض الواقع.
طبعاً، كانت هناك عثّرات كثيرة على الطريق، ولكن التزامنا لشعبنا، والمهام الجسام التي تنتظرنا، وقرارنا أن نأخذ دورنا في إدارة شؤوننا، والمشاركة في إدارة شؤون البلاد برمتها، تقتضي المحافظة عليها وتعزيز قوتها أكثر وأكثر.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».