وزير الخارجية الفرنسي يواجه الحقائق المتناقضة على الأرض في ليبيا

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى وصوله إلى مطار بنينة الدولي في ضواحي مدينة بنغازي أول من أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى وصوله إلى مطار بنينة الدولي في ضواحي مدينة بنغازي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية الفرنسي يواجه الحقائق المتناقضة على الأرض في ليبيا

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى وصوله إلى مطار بنينة الدولي في ضواحي مدينة بنغازي أول من أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى وصوله إلى مطار بنينة الدولي في ضواحي مدينة بنغازي أول من أمس (أ.ف.ب)

على بعد نحو مائة متر من مكتب رئيس الوزراء الليبي فائز السراج في طرابلس يقف حراس على مركز احتجاز للمهاجرين لم يكن لديهم سوى رسالة واحدة لإبلاغها للوفد الفرنسي الزائر... «غير مسموح بدخول الوزير أو الصحافيين أو أي شخص»، حسب تقرير لـ«رويترز».
وبدأ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان زيارة إلى ليبيا أول من أمس (الخميس) في مسعى لإحياء محادثات تجرى برعاية الأمم المتحدة بين الجماعات المتناحرة التي تسيطر على الغرب وعلى الشرق؛ بهدف إعادة الاستقرار لدولة تموج بالاضطرابات منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011، لكن محطة طرابلس في تلك الزيارة أظهرت مدى صعوبة العثور على من يملك القدرة على فرض السلطة مع اعتماد الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة على جماعات مسلحة لكل منها أهدافها الخاصة.
وبعد الاجتماع مع السراج في مكتبه الفاخر كان من المفترض أن يتوجه لو دريان لزيارة مركز احتجاز قريب للاطلاع على أحوال المهاجرين الأفارقة الذين تحتجزهم السلطات لدى محاولتهم الوصول إلى أوروبا. لكن بعد أن بثت شبكة «سي إن إن» الإخبارية لقطات مصورة بدا أنها تظهر بيع مهاجرين في مزاد للعبيد في البلاد لا يشعر مسؤولون ليبيون بالارتياح ورفض حراس السماح للزائرين الفرنسيين بالدخول عبر البوابة الحديدية الضخمة لمعسكر الاحتجاز.
قال رجل بلهجة غاضبة: «ماذا تريدون أن تسموه؟... إنه مركز احتجاز. لا يسمح لأحد بالدخول. لا وزير ولا صحافيين. غير مسموح». وقلل مسؤولون فرنسيون لـ«رويترز» من أهمية الواقعة، وقالوا: إن الزيارة لم يكن بها متسع من الوقت على أي حال. لكن الأمر كان دالاً على الصعوبات التي تواجهها حكومة السراج للقيام بدورها في ظل الفشل في إصلاح أي شيء بدءاً بالانقطاع المتكرر للكهرباء، وحتى انهيار قيمة العملة.
ووعد السراج بمعالجة مشكلة تهريب المهاجرين، لكن مسؤولين فرنسيين قالوا: إن ذلك يعتمد على طبيعة الجماعات المسلحة المستعدة لمساعدته.
وإذا كانت الفصائل المسلحة في طرابلس تتنافس على السيطرة والنفوذ، فإن السلطة في بنغازي تتركز في يد رجل واحد هو المشير خليفة حفتر، الذي طردت قواته المقاتلين الإسلاميين منها. وقال متعاقد أمني أوروبي في بنغازي «الوضع أكثر تنظيماً هنا. ما من شك هنا في أنه يوجد زعيم واحد فقط».
ويتشكل ما يسمى الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر من فصائل مختلفة يواجه صعوبة في بعض الأحيان في السيطرة عليها. لكن حفتر، الذي يأمل في الترشح لانتخابات الرئاسة الليبية العام المقبل، سعى لإبهار زائره الفرنسي بأكبر قدر ممكن. فقد وقف الجنود عند نقاط استراتيجية يرتدون ملابس زاهية وأحذية عسكرية لامعة في تناقض مع مناطق أخرى من ليبيا، حيث أزياء الجماعات المسلحة أقل رسمية وتكون مزيجاً من الملابس الرسمية والمدنية.
ويتهم المعارضون حفتر بانتهاج أسلوب ينطوي على التعالي، ومحاولة إحياء الدولة البوليسية، وهو ما ينفيه أنصاره بشدة. ولم يخرج حفتر من مكتبه خلال زيارة الوفد الفرنسي، حيث ترك لو دريان يتفقد القوات الجوية والبحرية والبرية، بينما كانت فرقة عسكرية تكافح لعزف النشيد الوطني الفرنسي.
ولم يسمح معاونو حفتر للصحافيين بتصوير اجتماعه مع لو دريان بهواتفهم. وقال لو دريان بعد مناقشات دامت ساعة كاملة «أقدّر الصراحة في
تبادل وجهات النظر بيننا». ورد حفتر بنبرة مفعمة بالشموخ «هذا طبيعي جداً».
ويسعى حفتر لعرض نفسه مرشحاً رئاسياً، لكن بنغازي ما زالت تشهد قتالاً متقطعاً رغم إعلانه النصر هناك في يوليو (تموز). وروى دبلوماسي كيف كان حفتر يشعر بالغيرة من السراج بعدما التقى رئيس وزراء الحكومة المعترف بها دولياً الرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن الشهر الماضي، وربما نمّ ذلك عن شعور منه بتغير في ميزان القوى في ليبيا. وقال مسؤول فرنسي: «لا أعرف مدى شعوره (حفتر) بالارتياح؛ لأنني أشعر بأنه قد جرى هذه المرة تشديد الأمن بدرجة أكبر بكثير عما كان عليه عندما كنا هنا آخر مرة (في أغسطس/آب)». وأضاف: «ربما يشعر ببعض الضغط».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».