تركيا: السجن مدى الحياة لـ15 عسكرياً تورطوا في محاولة الانقلاب

الادعاء العام يطالب بالمؤبد لقادة انقلاب عام 1997

TT

تركيا: السجن مدى الحياة لـ15 عسكرياً تورطوا في محاولة الانقلاب

أصدرت محكمة الجنايات العليا في إسطنبول أحكاما بالسجن مدى الحياة على 15 عسكريا سابقا بتهمة محاولة السيطرة على مقر فرع حزب العدالة والتنمية والحاكم في إسطنبول، أثناء محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو (تموز) 2016.
وأدين المتهمون بمحاولة قلب النظام الدستوري بالقوة، بعد اتهامهم بمحاولة السيطرة على مقر فرع الحزب.
وأقيمت المحاكمة بقاعة قرب سجن سيليفري شديد الحراسة في غرب إسطنبول، وهي واحدة من سلسلة محاكمات لمتهمين بالتورط في محاولة الانقلاب التي تتهم السلطات التركية حركة الخدمة، التابعة للداعية فتح الله غولن بتدبيرها.
واعتقلت السلطات التركية أكثر من 60 ألف شخص، وأقالت أو أوقفت عن العمل أكثر من 160 آخرين في حملات تطهير واسعة ضد من تتهمهم بالانتماء إلى حركة غولن في مختلف مؤسسات الدولة، في حملة توسعت لتشمل سياسيين مناصرين للأكراد، وصحافيين، وناشطين حقوقيين، في ظل حالة الطوارئ التي فرضت منذ محاولة الانقلاب، وتثير هذه الحملة قلق حلفاء تركيا في الغرب ومنظمات حقوق الإنسان من احتمالات أن تكون هذه الحملة تستهدف قمع المعارضة التركية.
في سياق متصل، طالب الادعاء العام في تركيا بحبس نجم كرة السلة أنيس كانتر، المحترف في الدوري الأميركي لكرة السلة، لمدة تصل إلى أربع سنوات بتهمة إهانة الرئيس رجب طيب إردوغان. وكانت السلطات التركية ألغت جواز سفر كانتر وهو لاعب فريق نيويورك نيكس الأميركي لكرة السلة في وقت سابق من العام الماضي، وصدر أمر باعتقاله بعدما اعتبرته محكمة تركية هاربا بسبب إعلان تأييده للداعية غولن عقب محاولة الانقلاب الفاشلة. ومعروف عن كانتر (25 عاما)، الذي كانت تركيا تعتبره أحد رموز الفخر لها من قبل كونه أول محترف تركي في الدوري الأميركي لكرة السلة، منذ فترة طويلة بتأييده لغولن الذي يقيم في منفى اختياري بولاية بنسلفانيا الأميركية منذ عام 1999 الذي تطالب أنقرة بتسليمه، فيما تنأى الإدارة الأميركية بنفسها عن القضية وتطالب بتقديم أدلة مقنعة إلى القضاء الأميركي تثبت تورط غولن في محاولة الانقلاب.
وأفادت عريضة الاتهام الصادرة عن الادعاء العام في تركيا، بأن كانتر استخدم موقع «تويتر» في القذف والتشهير بالرئيس إردوغان. وكتب كانتر ردا على اتهامه قائلاً إن «ما قلته أقل مما يستحقه هذا (الرجل)... أضف أربع سنوات أخرى إلي أيها السيد»، وأرفق تقارير إعلامية تنتقد سعي إردوغان للانفراد بالسلطة في تركيا.
وكان كانتر اعتقل لفترة في رومانيا في مايو (أيار) الماضي عندما علمت السلطات هناك بإلغاء جواز سفره، لكن أفرجت عنه لاحقا وعاد إلى الولايات المتحدة، حيث يحمل بطاقة «جرين كارد» للإقامة والعمل بأميركا. وانتقد كانتر إردوغان في مؤتمر صحافي عقده بعد اعتقاله في رومانيا، ووصفه بأنه «هتلر هذا القرن».
ونشرت وسائل إعلام تركية العام الماضي خطاباً بخط اليد موقعاً من والد كانتر، وهو أستاذ بإحدى جامعات تركيا، يتبرأ فيه من ابنه الذي قال إن حركة غولن «نومته مغناطيسياً» بعد أن واصل كانتر دفاعه عن غولن بسبب اتهامه بتدبير محاولة الانقلاب، وكتب مغردا: «فداك أبي وأمي» مؤكدا أنه يسخر نفسه لغولن وحركة الخدمة.
في سياق مواز، طالب الادعاء التركي المكلف قضية انقلاب 28 فبراير (شباط) 1997 في تركيا، المعروف بانقلاب ما بعد الحداثة، بتوقيع عقوبة السجن المؤبد على رئيس الأركان آنذاك الفريق أول متقاعد إسماعيل حقي كاراداي، ونائب رئيس الأركان آنذاك الفريق أول متقاعد شفيق بير، و60 متهماً آخرين.
كما طلب المدعي العام خلال جلسة عقدتها المحكمة الجنائية العليا في العاصمة التركية أنقرة، أمس الخميس، بالحكم ببراءة 39 متهما، وإسقاط القضية عن 4 متهمين توفوا خلال فترة المحاكمة. ويخضع 103 متهمين بمحاولة «الإطاحة بحكومة الجمهورية التركية بالقوة» للمحاكمة على خلفية القضية، وطالب الادعاء التركي بإنزال عقوبة السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة بحق المتهمين.
وكانت عمليات توقيف المتهمين في هذه القضية، بدأت في 12 أبريل (نيسان) 2012، نتيجة للتحقيقات التي أجراها مدعيا العموم في أنقرة مصطفى بيلجيلي وكمال تشتين، وفقا للمادة العاشرة من قانون مكافحة الإرهاب التركي، وكان من بين المتهمين عدد من الجنرالات المتقاعدين من الجيش التركي.
كان مجلس الأمن القومي التركي أصدر في 28 فبراير 1997 سلسلة قرارات، بضغوط من كبار قادة الجيش بدعوى حماية علمانية الدولة من «الرجعية الدينية»، ما تسبب في الإطاحة بالحكومة الائتلافية التي كانت يرأسها نجم الدين أربكان عن حزب الرفاه وتانسو تشيللر عن حزب الطريق القويم، واعتبر التدخل العسكري في ذلك الوقت انقلابا عسكريا غير معلن أو «انقلابا أبيض»، سمي بعد ذلك بـ«انقلاب ما بعد الحداثة».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».