دعا بابا الفاتيكان فرنسيس، في قداس في يانغون، في ثالث يوم من زيارته لميانمار «للمسح على كل إصابة وكل ذكرى مؤلمة» والتشجيع على «المصالحة والسلام اللذين يريد الرب أن يقودا كل قلوب البشر».
زيارته لميانمار تحمل أهمية ومخاطرة دبلوماسية، والتي جاءت بعد حملة عسكرية للجيش دفعت أكثر من 600 ألف من مسلمي الروهينغا للفرار من البلد الذي تقطنه غالبية بوذية إلى بنغلاديش. وفي عظته، أمس الأربعاء، في قداس في الهواء الطلق، أمام حشود كبيرة من المصلين، دعا إلى الصفح في بلد تمزقه النزاعات، تجنب خلالها التطرق علنا لأزمة أقلية الروهينغا المسلمة، أو حتى ذكرهم بالاسم، مما أثار استنكار كثير من منظمات حقوق الإنسان.
وحضر القداس دبلوماسيون وزعماء في حزب الرابطة القومية من أجل الديمقراطية الحاكم، الذي ترأسه زعيمة ميانمار أونغ سان سو تشي.
وهذا الحذر من جانب البابا سيريح مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية في ميانمار، الذين حثوا البابا على تجنب الخوض في المسألة خشية إثارة رد انتقامي من جانب المتشددين البوذيين؛ بل حتى ذكر كلمة «روهينغا» تثير غضب كثيرين من الغالبية البوذية التي لا تعترف بالروهينغا على أنها أقلية، وتصر على تسميتهم «البنغاليين».
لكن كياو مين، النائب السابق والناشط الكبير المدافع عن الروهينغا، قال إنه يتفهم الضغوط التي يواجهها البابا، مضيفاً أنه تمكن من الحديث عن أزمة هذه الأقلية بشكل غير مباشر. وقال كياو مين لوكالة الصحافة الفرنسية: «قال إن بعض الأشخاص تعرضوا للترهيب، ويجب أن يحصلوا على حقوقهم. المقصود بذلك الروهينغا». وذكّر البابا فرنسيس شعب ميانمار بأهمية التسامح للنهوض ببلدهم بعد حكم عسكري استمر نحو 50 عاماً، لتجنب الصراعات العرقية والطائفية.
وقال أمام آلاف من أبناء الكنيسة الكاثوليكية البالغ عددهم 700 ألف شخص، هم جزء صغير من عدد سكان ميانمار البالغ 51 مليون نسمة: «أرى أن الكنيسة هنا مفعمة بالحياة».
ويوجد الكاثوليك في ميانمار منذ أكثر من 500 عام، ويرتبطون عموماً بعلاقات جيدة مع الغالبية البوذية.
وذكر مايكل سالاي سوي أونغ (40 عاما) وهو كاثوليكي من سمان بولاية تشين غربي ميانمار، والذي كان بين الحضور في القداس، لوكالة الأنباء الألمانية: «إنني سعيد للغاية لدرجة أنه ليس بإمكاني وصف مشاعري بالكلمات. أعتقد أن البابا يجلب السلام أينما يذهب».
واصطفت راهبات ينشدن تراتيل باللاتينية، فيما كان البابا فرنسيس يلقي خطبة بدأها بكلمة «مينغلابار» أي «مرحباً» بلغة أهل البلد. وسافر الآلاف منهم قادمين من أماكن بعيدة إلى يانغون لرؤية البابا، وحضر كثير منهم قداس الأربعاء الذي أقيم في حلبة غير مغطاة، تعود لحقبة الاستعمار البريطاني.
وقال البابا: «أعلم أن كثيرين في ميانمار يعانون جروحاً خلّفها العنف، جروحاً ظاهرة وغير ظاهرة». وحث على عدم الانقياد وراء الرغبات، سعياً للشفاء من الغضب والانتقام. ويرى كثيرون أن دعوته إلى العدل وحماية حقوق الإنسان واحترام الجميع تشير إلى الروهينغا الذين لا تعترف بهم ميانمار كمواطنين.
ومن المقرر أن يغادر البابا فرنسيس ميانمار اليوم الخميس، متجهاً إلى بنغلاديش، حيث سيلتقي مجموعة من لاجئي الروهينغا في العاصمة دكا.
وكان قد بدأ النزوح الجماعي الأخير للروهينغا أواخر أغسطس (آب) عندما شن الجيش حملة ضد الأقلية المسلمة، وأحرق عشرات من قراهم، بمساعدة ميليشيات من الأكثرية البوذية. الأعمال التي مورست ضد الأقلية وصفتها الأمم المتحدة بأنها «نموذج للتطهير العرقي». وقالت الولايات المتحدة أيضاً الأسبوع الماضي، إن حملة الجيش تضمنت «فظائع مروعة» تهدف إلى «تطهير عرقي». وينفي جيش ميانمار كل الاتهامات التي وجهت إليه بالقتل والاغتصاب والتشريد.
وقالت مياو، البالغة 81 عاما، من أقلية آخا في ولاية شان، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز»: «لم أكن أحلم بأن أراه في حياتي». وككثيرين سواها كانوا يحضرون القداس، تقيم هذه المرأة في إحدى المناطق الحدودية التي تشهد نزاعات. ومن المقرر أن يلتقي البابا في وقت لاحق مسؤولين بوذيين.
في السنوات الثلاث الماضية، أعلن البابا أول قديس لميانمار، وعين أول كاردينال قبل استعادة كامل العلاقات الدبلوماسية في مايو (أيار) هذه العام، مما مهد الطريق أمام الزيارة البابوية. وقال كو كو لاي (46 عاما) من سكان يانغون لوكالة الصحافة الفرنسية، بعد انتهاء القداس: «عندما سمعنا وقع كلماته، أدركنا أنها نابعة من القلب، وهذا منحنا سلاماً».
وكان الحبر الأعظم قد وصل الاثنين إلى ميانمار، عقب تصاعد غضب المجتمع الدولي إزاء محنة أقلية الروهينغا. وأجرى محادثات مغلقة مع الحاكمة المدنية أونغ سان سو تشي، وقائد الجيش الجنرال مينغ أونغ هلاينغ، اللذين يتقاسمان السلطة في الدولة بعد عقود من الحكم العسكري.
ويعقد مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة جلسة خاصة في 5 ديسمبر (كانون الأول)، لمناقشة أزمة الروهينغا.
لليوم الثالث على التوالي... البابا يدعو «للمصالحة والسلام» في ميانمار
ذكرهم بأهمية التسامح للنهوض ببلدهم بعد حكم عسكري استمر نحو 50 عاماً
لليوم الثالث على التوالي... البابا يدعو «للمصالحة والسلام» في ميانمار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة