يعد الصيف هو الوقت الذي يشعر فيه جمهور كرة القدم بالتفاؤل، بسبب بدء فترة الانتقالات الصيفية، وقدرة الأندية على تدعيم صفوفها بصفقات جديدة من اللاعبين أو حتى من المديرين الفنيين. وفي ذلك الوقت، ينسى الجمهور كل الأشياء غير الجيدة التي حدثت خلال الـ12 شهرا الماضية، ويبدو كل شيء ممكنا في الموسم الجديد.
ولعل أبرز الأشياء الواضحة بقوة خلال أول شهرين من الموسم الحالي للدوري الإنجليزي الممتاز، يتمثل في وجود قدر كبير من الحزن والتعاسة بين الجمهور في المدرجات. ولا يوجد أدنى شك في أن الدوري الإنجليزي الممتاز هو أفضل دوري في العالم، وأقوى بطولة من حيث شدة التنافس بين الأندية، ونحن نعرف هذا لأن المشاهد العادي أمام شاشات التلفزيون يقول ذلك. وقد تم تسويق المسابقة على الوجه الأمثل، فالمدرجات ممتلئة عن آخرها بالجمهور، وحقوق بث المباريات تباع بأرقام فلكية، والأندية أصبحت أكثر ثراء عن ذي قبل، وليس هناك احتمال كبير لانفجار تلك الفقاعة في أي وقت قريب.
ورغم أن الشكاوى بشأن عدم المساواة بين الأندية لا تتوقف كل عام، فإنه لا يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لعلاج تلك المشكلة، ويستمر الناس في شراء تذاكر حضور المباريات. ومع كل ذلك، يحن البعض للعودة إلى ما يرون أنه العصر الذهبي للدوري الإنجليزي الممتاز؛ لكنهم ربما نسوا أنه قبل عشر سنوات من الآن كان الناس يتذمرون من هيمنة «الأربعة الكبار» على المسابقة، في حين كان مانشستر يونايتد يفوز بكل شيء في تسعينات القرن الماضي. ورغم ذلك، فإن من الممكن القول بأن هناك حالة متنامية من السخط وعدم الرضا بين الأندية الصغيرة في المسابقة، وهناك شعور بالملل في بعض الأماكن والغضب في أماكن أخرى، وهذه هي النتيجة الحتمية للحقيقة المتمثلة في أن هذه الأندية تبحث عن أمل لكنها لا تجده. صحيح أن حالة عدم الرضا ليست في كل مكان؛ لكنها تنتشر من مكان لآخر، ويجب أن يكون ذلك مصدر قلق بالغ للقائمين على المسابقة.
ولو ألقينا نظرة سريعة على جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، سيمكننا من الوهلة الأولى تحديد الأندية التي تشعر بالسعادة، وهي مانشستر سيتي الذي يتصدر جدول الترتيب، ومطارده مانشستر يونايتد، وتشيلسي حامل اللقب. وما زال الأمر جيدا ومثيرا للأندية الصاعدة حديثا للدوري الإنجليزي الممتاز، فقد جلب المدير الفني ماركو سيلفا بعض الاستقرار والنتائج الجيدة لواتفورد، كما يواصل شون دايك تقديم عروض مذهلة مع بيرنلي.
لكن الاحتمال الأكبر هو أن نادي واتفورد لن ينهي الموسم الحالي في مركز أفضل من المركز الثامن الذي يحتله حاليا، ولذا سيجد النادي نفسه في مركز احتلته من قبل أندية في مكانة مماثلة خلال السنوات الأخيرة، ولذا لن يشعر النادي بأنه حقق شيئا فريدا من نوعه لم يحققه ناد مثله من قبل. وهذا هو ما يمكن أن نطلق عليه اسم «الطموح الخانق» الذي يزيد من إحباط أندية الوسط في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويجردها من حقها في أن تحلم بأي شيء أكثر من مجرد البقاء في المسابقة.
وكان من الممكن اعتبار نادي ليستر سيتي، الذي فاز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز قبل موسمين، دليلا على عدم القدرة على التنبؤ في كرة القدم الإنجليزية، لو بقي هذا الفريق كما هو ولم يرحل عنه أبرز لاعبيه، لكن لاعب خط الوسط الفرنسي نغولو كانتي رحل إلى تشيلسي وأعاد لتشيلسي القوة والقدرة على التنظيم الموسم الماضي، كما استعان ليستر سيتي بخدمات المدير الفني الفرنسي كلود بويل، ليكون أحدث مدير فني للفريق بعد إقالة كريغ شكسبير.
وتكمن العظمة في نادي ليستر سيتي في أنه جعل كل شيء يبدو ممكنا، للدرجة التي جعلت منافسي الفريق يتمنون أن يصبحوا في مكانه. وفي ذلك الموسم أيضا الذي فاز فيه ليستر سيتي باللقب، تغلب وستهام، الذي استوحى قوته من مغادرة ملعب أبتون بارك والانتقال إلى الملعب الأولمبي في ضاحية ستراتفورد بالعاصمة البريطانية لندن، والذي يتسع لنحو 60 ألف متفرج، على كل الفرق الكبرى مرة واحدة على الأقل، وكان على وشك التأهل لدوري أبطال أوروبا، كما أنهى ساوثهامبتون المسابقة في المركز السادس. وجعلت أهداف روميلو لوكاكو - قبل انتقاله بمبلغ خيالي إلى مانشستر يونايتد الموسم الحالي - نادي إيفرتون يبدو وكأنه يملك خط دفاع قويا لا يمكن التغلب عليه، في الوقت الذي أشاد فيه النقاد بالخط الأمامي لستوك سيتي الذي ضم كلا من ماركو مهاجم وستهام الحالي النمساوي أرنوتوفيتش، والمهاجم الإسباني بويان كركيتش الذي يلعب للفريق الإسباني ديبرتو ألافيس على سبيل الإعارة، والجناح السويسري شيردان شاكيري. وبدا الأمر وكأن أموال البث التلفزيوني الكبيرة قد قللت المستويات بين الفرق المتنافسة في الدوري الإنجليزي الممتاز.
ومع ذلك، يمكن تلخيص الرد الذي جاء سريعا من قبل الأندية الكبرى على صحوة الأندية الصغيرة، في تعاقد مانشستر يونايتد مع بول بوغبا في صفقة قياسية جعلت اللاعب الفرنسي هو الأغلى في العالم، رغم أن مانشستر يونايتد لم يتأهل لدوري أبطال أوروبا في ذلك الموسم. وخلال الموسم الماضي، عادت الحظوظ لتصب في مصلحة الأندية الكبرى، إذ كان هناك «الستة الكبار»، وهو ما أحدث خللا كبيرا وعدم توازن في المسابقة.
وأنهت كل الفرق التي تحتل مراكز خلف إيفرتون المسابقة بفارق أهداف سلبي، كما كان فارق النقاط بين ساوثهامبتون الذي يحتل المركز الثامن وواتفورد الذي يحتل المركز السابع عشر، ست نقاط فقط.
وأقال ساوثهامبتون بويل؛ لأن الفريق كان يلعب كرة قدم مملة. وفي الظروف العادية كان من الممكن أن يحتفل ساوثهامبتون باحتلاله للمركز الثامن؛ لكنه لم يفعل ذلك بكل تأكيد؛ لأن إيفرتون كان يسبقه في المركز السابع بفارق 15 نقطة كاملة، في الوقت الذي كان يبتعد فيه مانشستر يونايتد في المركز السادس بفارق أكبر من النقاط.
ولم يمض وقت طويل منذ أن أعرب ساوثهامبتون عن سعادته بقدرات فريق الشباب المثيرة للإعجاب، وقدرته على تحقيق إنجازات كبيرة؛ لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع، في الوقت الذي نرى فيه أندية أخرى هي من تجني ثمار الجهد الكبير المبذول من قبل أكاديمية الشباب وفريق الكشافة بنادي ساوثهامبتون. في البداية، قدم ساوثهامبتون مستوى جيدا؛ لكن التجديد المستمر في صفوف الفريق كان له تداعيات سلبية.
وارتفعت أسعار اللاعبين بطريقة جنونية خلال فترة الانتقالات الصيفية، ولم ينجح سوى عدد قليل من الأندية في تدعيم صفوفه بشكل جيد، وبدأت حالة من الغضب تنتاب الجمهور بسبب ارتفاع قيمة تذاكر حضور المباريات واشتراكات التلفزيون. وأنفق نادي إيفرتون 140 مليون جنيه إسترليني على التعاقدات الجديدة؛ لكنه حقق نتائج أسوأ من الموسم الماضي الذي احتل فيه المركز السابع. وسرعان ما اختفت حالة الإثارة التي كانت تحيط بالفريق في بداية الموسم، انتظارا لما سيقدمه في ظل الصفقات الجديدة، وسادت حالة من الغضب بين جمهور النادي بسبب سوء النتائج، وظهر هذا واضحا خلال المباراة التي تعادل فيها الفريق على ملعب «غوديسون بارك» في إطار مباريات الدوري الأوروبي أمام أبولون ليماسول القبرصي الذي أكمل المباراة بعشرة لاعبين، رغم الأهمية الكبيرة التي كانت تحظى بها هذه المباراة. وبعد الفشل في إعادة الفريق إلى المسار الصحيح، أقيل المدير الفني الهولندي رونالد كومان من منصبه بعد خسارة إيفرتون على ملعبه أمام آرسنال بخمسة أهداف مقابل هدفين.
وواجه جمهور وستهام نفس الأمر قبل إقالة المدير الفني للفريق سلافن بيليتش، حيث كانت الأجواء مشحونة للغاية في الملعب الأولمبي بلندن. وكان جمهور وستهام يشعر بالإحباط بسب عدم وجود مؤشر واضح على صعود النادي لمستوى أفضل. وطالب الاسكوتلندي ديفيد مويز، المدرب الجديد للفريق، لاعبيه بالانخراط أكثر في التمارين واللعب، تحت طائلة عدم إشراكهم في المباريات، وذلك في تصريحات خلال المؤتمر الصحافي الأول الذي عقده بعد تعيينه. وقال مويز الذي عين في منصبه خلفا للكرواتي بيليتش: «انخرطوا أكثر وإلا لن تلعبوا. إذا لم تركضوا فلن تلعبوا. أنا على عجلة من أمري وعليكم أن تكونوا كذلك».
وتأتي تصريحات مويز (54 عاما)، المدرب السابق لناديي مانشستر يونايتد وإيفرتون، كرد فعل على النتائج المتواضعة التي يحققها الفريق منذ بداية الموسم، وجعلته صاحب المركز الثامن عشر في ترتيب الدوري الممتاز. وإضافة إلى النتائج المتواضعة، يسجل لاعبو الفريق أداء إحصائيا مخيبا، إذ يحتلون المركز الأخير في عدد الكيلومترات التي قطعوها على أرض الملعب، في 11 مباراة ضمن الدوري. وهدد مويز اللاعبين بأن «الحصص التدريبية ستكون قاسية (...) سنقوم بعمل شاق لنحصل على أفضل ما لديهم. آمل في أن يظهروا لمدربهم الجديد ما هم قادرون على القيام به. لن تكون هناك خدمة مجانية، إذا لم يركضوا أكثر، فلن يلعبوا». ولم يحقق وستهام سوى انتصارين مقابل ثلاثة تعادلات وست هزائم، قبل تعيين مويز. وفي حال بقائه في مركزه الحالي حتى نهاية الموسم، فسيهبط إلى الدرجة الإنجليزية الأولى (الثانية عمليا) في الموسم المقبل.
وكسب المدرب مويز النقطة الأولى مع فريقه الجديد وستهام يونايتد، عندما قاده إلى التعادل أمام ضيفه ليستر سيتي بطل الموسم قبل الماضي 1 - 1 على الملعب الأولمبي في لندن، في افتتاح المرحلة الثالثة عشرة من الدوري الإنجليزي. وهي المباراة الثانية لمويز مع وستهام يونايتد بعدما استهل مشواره معه بخسارة أمام مضيفه واتفورد صفر – 2، في المرحلة الثانية عشرة، عندما أصبح رابع أكثر المدربين خوضا للمباريات في تاريخ الدوري الممتاز (500) بعد مواطنه الأسطورة أليكس فيرغوسون، والفرنسي أرسين فينغر، وهاري ريدناب.
ولكن كيف يحدث ذلك في بطولة تتجاوز فيها المبالغ المالية التي أنفقها مانشستر سيتي للتعاقد مع ظهراء للجنب، ميزانية فرق بأكملها؟ صحيح أن الموسم الحالي لا يزال في بدايته؛ لكن المؤشرات تدل على أن المنافسة أصبحت أصعب كثيرا بالنسبة للفرق الصغيرة. وصحيح أن جميع الأندية أصبحت أكثر ثراء؛ لكن لا تزال هناك فجوة هائلة بين الفرق الكبيرة والصغيرة في المسابقة.
في الحقيقة، يمكن القول بأن هناك دوريا مصغرا داخل الدوري الإنجليزي الممتاز مكونا من ست فرق في المقدمة، في الوقت الذي تلعب فيه باقي الأندية في واد مختلف تماما. ولخص الصحافي روب سميث ذلك بطريقة جيدة في التقرير التفصيلي الذي نشره بصحيفة «ذا غارديان» عندما قال إنه بغض النظر عن الفريق الذي سيتذيل هذا الدوري المصغر، فإنه «ربما سيكون أفضل فريق احتل المركز السادس في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز». ومن المثير للقلق أن تلك الأندية الكبرى تحاول الحصول على حصة أكبر من عائدات البث التلفزيوني بالخارج، وهو ما سيؤثر كثيرا على المنافسة.
وسيكون لعدم المساواة في العائدات المالية تأثير سلبي كبير على القدرة على المنافسة، وهو ما سيزيد اعتماد الفرق على الطرق البراغماتية، حيث سيفكر كل فريق في المقام الأول في الجانب المالي والتجاري وكيفية البقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز، من أجل الاستمرار في الحصول على العائدات المالية الهائلة، ولن تكون هناك رغبة كبيرة في المغامرة. وتعلم الأندية الآن تمام العلم أن محاولة القيام بشيء جديد لن يكون له عائد كبير، وبالتالي من الأفضل الاستمرار في الوضع الحالي. وبالتالي، أصبحت هذه بيئة مثالية للمديرين الفنيين الذين لديهم قدرات تنظيمية، مثل تلك التي يملكها توني بوليس رغم إقالته. كانت المؤشرات تؤكد أن نادي وست بروميتش ألبيون لن يهبط تحت قيادة بوليس؛ لكن جمهور النادي بدأ يشعر بالملل. وفي الوقت نفسه، تعثر ستوك سيتي بعد بدايته القوية، كما يستعد سوانزي سيتي لمعركة أخرى من أجل تجنب الهبوط لدوري الدرجة الأولى.
لا نعرف على وجه التحديد ما إذا كانت هذه النقاط المقلقة تهم الأندية الستة الكبرى أو القائمين على تنظيم المسابقة، خصوصا مع إدخال عامل إضافي يتمثل في الاقتراح بإقامة بطولة دوري السوبر الأوروبي. لكن إذا اتضح أن الدوري الإنجليزي الممتاز لا يركز إلا على إرضاء عدد قليل من الأندية، فإنه لا ينبغي أن يتجاهل الشعور المتزايد بالسخط وعدم الرضا بين عدد كبير من الأندية.
شعور متزايد بالسخط بين أندية الدوري الإنجليزي الممتاز الصغيرة
تم تجريدها من حقها في الحلم بأي شيء أكبر من مجرد الوجود في المسابقة الكبيرة
شعور متزايد بالسخط بين أندية الدوري الإنجليزي الممتاز الصغيرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة