تركيا تعتقل عشرات القيادات الأمنية السابقة بزعم {الصلة} بغولن

إيقاف ربع دبلوماسيي وزارة الخارجية عن العمل بالشبهة نفسها

TT

تركيا تعتقل عشرات القيادات الأمنية السابقة بزعم {الصلة} بغولن

في حملة جديدة استهدفت من يزعم انتماؤهم إلى حركة الخدمة التابعة لفتح الله غولن، ألقت الشرطة التركية القبض على 60 مسؤولا أمنيا سابقا في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن وزارته أوقفت 25 في المائة من دبلوماسييها عن العمل للاشتباه في صلتهم بالحركة.
وأصدرت السلطات القضائية أوامر باعتقال 108 من المسؤولين الأمنيين السابقين في عملية موسعة أمس تركزت في العاصمة أنقرة، وامتدّت لأكثر من 30 ولاية في أنحاء البلاد.
ومنذ محاولة الانقلاب التي فرضت على أثرها حالة الطوارئ، احتجزت السلطات التركية أكثر من 60 ألف شخص وفصلت أو أوقفت عن العمل أكثر من 160 ألفا آخرين، بينهم مسؤولون أمنيون وعسكريون وموظفون في مختلف هيئات الدولة والقطاع الخاص.
وتثير الحملة الموسعة المستمرة حتى الآن قلق حلفاء تركيا الغربيين ومنظمات حقوق الإنسان الدولية التي تقول إن الرئيس رجب طيب إردوغان يستخدم الانقلاب ذريعة لإسكات المعارضة، فيما تقول الحكومة إن الإجراءات التي اتخذت بموجب حالة الطوارئ، ضرورية للتصدي للتهديدات الأمنية التي تواجه البلاد. ونفى غولن مرارا أي علاقة له بالمحاولة الانقلابية، بينما تواصل أنقرة ملاحقته ولا تكف عن مطالبة الولايات المتحدة التي يقيم فيها منذ عام 1999 بتسليمه.
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن وزارة الخارجية أوقفت ربع موظفيها الدبلوماسيين عن العمل للاشتباه في صلتهم بمحاولة الانقلاب التي حدثت العام الماضي. وأضاف جاويش أوغلو خلال مناقشات بشأن ميزانية وزارته في البرلمان في أنقرة أمس (الخميس) إن وقف هؤلاء الدبلوماسيين عن العمل بني على أساس «وثائق دقيقة»، لافتا إلى أن عدد من عادوا إلى وظائفهم يؤكد أن الوزارة «لم ترتكب خطأ».
في سياق مواز، طالبت أنقرة الولايات المتحدة بتزويدها بمعلومات عن رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب الذي من المقرر أن يخضع للمحاكمة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري لاتهامه من جانب السلطات الأميركية بالتآمر لانتهاك العقوبات المفروضة على إيران.
وأوقف رضا ضراب (34 عاما) في ولاية ميامي الأميركية في مارس (آذار) من العام الماضي بتهمة التآمر لانتهاك العقوبات الأميركية على إيران، عبر عمليات تهريب للذهب عبر بنك تركي ويواجه الحكم عليه بالسجن حتى 30 عاما. وستجري محاكمة ضراب والمواطن التركي محمد هاكان أتيلا نائب الرئيس التنفيذي لمصرف «خلق» التركي في نيويورك في 27 نوفمبر الجاري، ولمّحت صحف أميركية من بينها «نيويورك تايمز» إلى أن ضراب ربما لا يحضر إلى قاعة المحكمة.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن ضراب تم الإفراج عنه بحسب ما ورد في قاعدة للبيانات، لكن تبين لاحقا أن الأمر كان خطأ فنيا وأنه لا يزال في السجن. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان: «لقد تقدمت سفارتنا في واشنطن بطلب رسمي أمام السلطات الأميركية حول رضا ضراب بعد التقارير التي وردت في الصحف.. لكننا لم نتلق أي رد بعد، ونحن نتابع المسألة»، مضيفة أن مذكرة دبلوماسية أُرسلت لكن دون إعطاء تفاصيل.
ونقلت صحيفة «حرييت» عن مصدر دبلوماسي قوله إن تركيا طلبت من السلطات الأميركية توضيح «وضع» السجن الذي أودع فيه ضراب، وإعطاء ضمانات حول سلامته ووضعه الصحي.
لكن نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، قال أمس (الخميس) إن وزارة الخارجية التركية تلقت ردا من الجانب الأميركي بشأن وضع رضا ضراب وحالته في السجن، وأكدت أن صحته جيدة.
ووجهت السلطات الأميركية الاتهام إلى رضا ضراب ومحمد هاكان أتيلا (47 عاما) ومحمد ضراب (39 عاما) وكاميليا جامشيدي (31 عاما) وحسين نجف زاده (67 عاما) في مارس 2016، بالقيام بصفقات بمئات ملايين الدولارات لحساب إيران ومنظمات إيرانية. كما فتحت تحقيقا بحق وزير الاقتصاد الأسبق ظافر تشاغليان في القضية نفسها.
ودعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان واشنطن مرارا إلى إطلاق سراح ضراب وأتيلا، في الوقت الذي تتوتر فيه العلاقات بين أنقرة وواشنطن بسبب امتناع الأخيرة عن تسليم الداعية فتح الله غولن.
واعتبر إردوغان اتهام الادعاء الأميركي لوزير الاقتصاد الأسبق والمدير التنفيذي لبنك خلق وآخرين بالتآمر لانتهاك العقوبات الأميركية على إيران «تحركا ذا دوافع سياسية»، ودعا واشنطن لإعادة النظر فيه. كما لفت إلى أنه أبلغ واشنطن بأن تركيا لن تكون جزءا من العقوبات الأميركية على طهران.
وأعاد الادّعاء العام الأميركي إلى الواجهة من جديد أكبر فضيحة فساد ورشوة في تاريخ تركيا جرت التحقيقات فيها في الفترة ما بين 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) 2013، واعتبرها إردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت، مؤامرة من جانب حركة الخدمة بزعامة فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا منذ عام 1999، والذي اتهمه لاحقا بتدبير محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) 2016، للإطاحة بحكومته. وجاء ذلك بعد أن أعلن مكتب وزير العدل الأميركي أن الادّعاء العام اتهم وزير الاقتصاد التركي الأسبق ظافر تشاغليان والمدير العام السابق لبنك خلق الحكومي وآخرين بالتآمر مع رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب، الموقوف في أميركا لانتهاك العقوبات الأميركية على إيران.
واعتقل ضراب، الذي سبق التحقيق معه في تركيا في 2013 على أنه المتهم الأول في وقائع الفساد والرشوة التي طالت وزراء ومسؤولين في حكومة إردوغان إلى جانب رجال أعمال مقربين من الحكومة، في أميركا في مارس (آذار) 2016، كما تم اتهام المدير التنفيذي لبنك خلق في القضية ذاتها في مارس من العام الجاري (2017). ويقود اتهام وزير الاقتصاد التركي الأسبق، الذي كان استقال من منصبه مع 3 وزراء آخرين وردت أسماؤهم في التحقيقات وتم توقيف أبنائهم لفترة، إلى توسيع الاتهام في نطاق قضية مرفوعة ضد تاجر الذهب الإيراني التركي رضا ضراب بتهمة انتهاك العقوبات، وهي القضية التي أدت إلى تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن.
وبحسب مذكرة الادعاء الصادرة من مكتب المدعي العام الأميركي في الضاحية الجنوبية لمدينة نيويورك فإن الاتهامات الجديدة موجهة لوزير الاقتصاد السابق ظافر تشاغليان والمدير العام السابق لبنك خلق التركي سليمان أصلان واثنين آخرين بـ«التآمر لاستخدام النظام المالي الأميركي في إجراء تحويلات بمئات ملايين الدولارات بالنيابة عن حكومة إيران وكيانات إيرانية أخرى تشملها العقوبات الأميركية».



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».