شوقي ضيف وعبد الناصر... تسييس النص النقدي

أعاد النظر في كتاب له بعد 5 سنوات من الثورة المصرية

شوقي ضيف  -  حافظ إبراهيم  -  خليل مطران
شوقي ضيف - حافظ إبراهيم - خليل مطران
TT

شوقي ضيف وعبد الناصر... تسييس النص النقدي

شوقي ضيف  -  حافظ إبراهيم  -  خليل مطران
شوقي ضيف - حافظ إبراهيم - خليل مطران

أود فيما يلي أن أتوقف عند أنموذج عربي بارز لما أسميته في مقالة سابقة «سياسيات النقد الأدبي» إيضاحاً للفكرة وتأملاً للنص النقدي وهو يواجه ضغوط السياسة، ويتفنن في مقاومتها (وهي ملاحظات مستمدة مما تضمنه كتاب لي يصدر قريباً عن المركز الثقافي العربي بعنوان «مواجهات السلطة: قلق الهيمنة عبر الثقافات»). النص أو العمل النقدي المشار إليه مشهور ومهم، كنت أحد الذين تعلموا منه في بداية قراءتي للنقد الأدبي مثلما تعلمت أجيال من دارسي الأدب في الوطن العربي. هو كتاب لشوقي ضيف وكفى باسم المؤلف دالاً على أهمية صاحبه وما أثرى به الساحة العربية على مدى يقارب سبعة عقود تكللت بدراسات كثيرة وبالغة الأهمية جعلته في طليعة النقاد العرب، ومن الجيل الذي يمكن وصفه بالمتخصص في هذا المجال بعد أن كانت ممارسة النقد جزءاً من اهتمامات المثقفين والكتاب لا يكاد يستحوذ على مجمل نشاطهم واهتمامهم. فقد كرّس ضيف نفسه لهذا الحقل وأنتج فيه أعمالاً متخصصة هي جل نتاجه الذي لا تزال أجيال الدارسين تنهل منه.
ملاحظاتي تتجه إلى كتاب ضيف «دراسات في الشعر العربي المعاصر» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1953 والثانية 1959. والطبعة هنا ليست مجرد إعادة طباعة وإنما إعادة إصدار، أي بتعديلات مهمة هي مدار ملاحظاتي التي أرى من خلالها عقلاً ناقداً يواجه من الضغوط ما اضطره إلى تعديلات مختلفة تحمل كل الدلالة على مواجهة سياسية قلما ترتبط في الأذهان بنشاط يعد فنياً وجمالياً في المقام الأول.
صدور الكتاب عام 1953 يعني توافقه مع مجيء العهد الناصري في مصر، وما صاحب ذلك من ردود فعل تراوحت بين الابتهاج والتهليل من ناحية والترقب والقلق، من ناحية أخرى، تبعاً لاختلاف الناظر إلى ذلك الحدث الجسيم في التاريخ المصري والعربي الحديث. ما يسترعي الانتباه هو حجم التغيير الذي طرأ على الكتاب بعد خمس أو ست سنوات من تولي عبد الناصر السلطة، وهي فترة تخللتها حرب السويس (1956) والوحدة مع سوريا (1958 - 1959). لقد عاد شوقي ضيف إلى كتابه وأحدث فيه تعديلات كثيرة شملت إضافة فصول وتعديل الكثير من العبارات التي اتصلت بتناول الناقد لبعض الشعراء المعاصرين، ولا سيما حافظ إبراهيم وخليل مطران.
صدرت الطبعة الثانية «مزيدة ومنقحة»، أي بإضافات أشار إليها المؤلف في مقدمته لتلك الطبعة، لافتاً الانتباه إلى أن السياق التاريخي والظروف السياسية بالغة الأهمية في قراءة النصوص النقدية التي تعرضت للزيادة أو التنقيح، وهو ما سيتضح في التناول «المنقح» الذي قام به ضيف لشعر حافظ، التناول الذي سأكتفي به أنموذجاً لما أشير إليه.
يقول ضيف إنه أعاد النظر فيما كتبه عن وطنية الشاعر المصري الذي عاش في عصر الاستعمار الإنجليزي وواجه المستعمر: «فقد كنت تجاوزت – في بعض الوجوه – الاعتدال في الحكم عليه مغفلاً المقياس التاريخي النسبي لظروف عصره، وما كان يحوط أبناء جيله من بلبلة سياسية». يتوصل ضيف إلى أن حافظ «لم يقعد عن نصرة وطنه بلسانه، بل كان في أكثر أيامه الهاتف بخواطره الوطنية ومشاعره السياسية». وحين نعود إلى الفصل المشار إليه وعنوانه «الوطنية في شعر حافظ إبراهيم» سنجد أن الصورة الكلية هي لشاعر أحب وطنه ودافع عنه، لكن بحذر من يجابه بطش المستعمر ويدرك عواقب الإيغال في الحب والدفاع، فهو حين يبرز حب المصريين لوطنهم واستبسالهم في الدفاع عنه لا يثنيه ذلك عن استعطاف اللورد كرومر، الحاكم الإنجليزي لمصر آنذاك. ويبرز شوقي ضيف ذلك ويجد له المبرر في أنه موقف وإن لم يعبر عن حقيقة مشاعره فإنه «كان موقف الطبقة الممتازة من المصريين حينئذ، فهي تداري الإنجليز، تنقدهم ولكن في دقة وخوف واحتياط. وكذلك كان حافظ فهو يثور على الإنجليز، ولكنه لا يبالغ في ثورته، بل لا يزال يداور محتاطاً لنفسه، خوفاً من سجونهم وكيدهم وما يمكرون».
ويستمر ضيف في الدفاع عن حافظ أو بالأحرى الاعتذار له حين يجد أنه «لا تتفجر نفسه بنبع ثائر ثورة عنيفة»، ذلك أن حافظ كان الوحيد الثائر في بيئة أدبية كان شعراؤها «في الغالب جاثمين في أصداف الذل، وقلما صوروا أنين هذا الشعب وآلامه»: «أي أن عنفه نسبي».
إن هذا التغيير في تقييم وطنية حافظ عام 1959 لإبراز أنه كان أكثر وطنية مما أبرزته الطبعة الأولى من الدراسة – على ما اعترى ذلك من حذر – هو مما يسترعي التساؤل: هل كان تغييراً ناتجاً من اكتشاف خطأ، أم أن الجانب الوطني المقاوم في شعر حافظ فرض نفسه في مرحلة لاحقة، أي استدعته ظروف لم تكن ملحة من قبل؟ مما يقوي الاحتمال الأخير أن شوقي ضيف أضاف فصلاً عنوانه: «التغني بالحرية في شعر خليل مطران» لن تتسع المساحة هنا لتناوله، لكن الإشارة إليه مهمة لتبيّن حجم التسييس الذي لحق النص النقدي أثناء المراجعة ونتيجة للظروف المتغيرة.
في عامي 1958 و1959 كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر قد أمسك بمقاليد الحكم وتحول إلى زعيم شعبي وقومي في أعقاب المواجهات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي أعقبت تأميم قناة السويس عام 1956، وما تطور عن ذلك من توليه رئاسة الجمهورية العربية المتحدة الوليدة. غير أن الابتهاج وإن استمر على المستوى الشعبي لم يلبث أن خبا بين الطبقة المثقفة من المصريين والسوريين على حد سواء. فالسياسة الاشتراكية التي تبنتها مصر في عهد عبد الناصر أدت إلى تأميم الصناعات الوطنية في القطرين إلى جانب مركزية الحكم ورفض عبد الناصر استمرار التعددية الحزبية التي كانت موجودة في مصر وأزمعت سوريا تبنيها. كل ذلك أدى إلى صدمة لكثير من سياسيي سوريا ومصر ونخبهما الثقافية.
وكان مما عمّق الاستياء حجب الحريات الصحافية وملاحقة الكثير من المعارضين سواء من الكتاب الليبراليين أو الإخوان المسلمين وسجنهم، بل وموت بعضهم تحت التعذيب. كل ذلك وغيره من التطورات جرى في الأعوام التي أعقبت اعتلاء عبد الناصر سدة الحكم، فلما كان العام 1958 كانت الأمور قد ساءت إلى الحد الذي يمكن أن نفهم منه مدى استياء النخب المثقفة بشكل خاص ونكتشف مبرراً يمكن أن يدفع بناقد وباحث جامعي بارز في ذلك الوقت مثل شوقي ضيف إلى توظيف دراسته للشعر على النحو الذي يعبر عن موقفه وموقف أمثاله من المثقفين المصريين.



الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
TT

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)
الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح. وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث لأنه يدفعنا إلى «إزالة أي تهديدات» وتحقيق أهدافنا، وفقاً لصحيفة «التلغراف».

وأوضح الأكاديمي، وهو أستاذ في علم الأعصاب والنوم في مستشفى كينغز كوليدج في لندن، أن الغضب يمكن أن يخدم «غرضاً مفيداً للغاية» ويمكّن من تحقيق نتائج أكثر ملاءمة.

وفي حديثه ضمن بودكاست Instant Genius، قال الدكتور ليشزينر إن هرمون التستوستيرون يلعب دوراً رئيساً في ذلك، حيث يستجيب الهرمون - الذي تشير بعض الدراسات إلى أنه مرتبط بالعدوانية والغضب - للنجاح.

وتابع «لذا، إذا فزت في رياضة، على سبيل المثال - حتى لو فزت في الشطرنج الذي لا يُعرف بشكل خاص أنه مرتبط بكميات هائلة من العاطفة - فإن هرمون التستوستيرون يرتفع... تقول إحدى النظريات إن هرمون التستوستيرون مهم بشكل أساسي للرجال على وجه الخصوص لتحقيق النجاح».

«شعور مهم»

وحتى في العالم الحديث، لا يزال الغضب يشكل حافزاً مهماً للنجاح، بحسب ليشزينر، الذي أوضح «إذا أعطيت الناس لغزاً صعباً للغاية لحله، وجعلتهم غاضبين قبل أن تقدم لهم هذا اللغز، فمن المرجح أن يعملوا عليه لفترة أطول، وقد يجدون فعلياً حلاً له... لذا، فإن الغضب هو في الأساس عاطفة مهمة تدفعنا إلى إزالة أي تهديدات من هدفنا النهائي».

وأشار إلى أن المشكلة في المجتمعات البشرية تكمن في «تحول الغضب إلى عدوان».

لكن الغضب ليس العاطفة الوحيدة المعرضة لخطر التسبب في الضرر، حيث لاحظ أن مشاعر أخرى مثل الشهوة أو الشراهة، قادرة على خلق مشكلات أيضاً. وتابع «كلها تخدم غرضاً مفيداً للغاية، ولكن عندما تسوء الأمور، فإنها تخلق مشكلات».

ولكن بخلاف ذلك، إذا استُخدمت باعتدال، أكد الدكتور أن هذه الأنواع من المشاعر قد يكون لها بعض «المزايا التطورية».