ديزيريه بولييه... لبنانية غيرت مفهوم التسوق

حولت «بيستر فيلدج» من قرية لتسويق بضائع بأسعار مخفضة إلى مركز يليق باستقبال سلطان بروناي

ديزيريه بولييه
ديزيريه بولييه
TT

ديزيريه بولييه... لبنانية غيرت مفهوم التسوق

ديزيريه بولييه
ديزيريه بولييه

«سياحة التسوق جزء لا يتجزأ من التجربة التي نقدمها هنا في (بيستر فيلدج) أو في أي (قرية) أخرى من قرى التسوق المترامية في كل أنحاء العالم. صحيح أن التسوق الإلكتروني أصبح واقعاً ملموساً يحتمه العصر، لكنه يبقى تجربة قائمة على العزلة. في المقابل نحرص هنا على توفير تجربة اجتماعية تتفاعل فيها كل الحواس». هذا ما تقوله ديزيريه بولييه، الرئيسة التنفيذية لـ«فاليو ريتايل» Value Retail المالكة لعدة قرى خاصة بالتسوق والموجودة في الصين أو أوروبا.
امرأة صغيرة الحجم، وفي غاية الأناقة، تتكلم عدة لغات بطلاقة بما في ذلك اللغة العربية. وإذا عرف السبب بطل العجب. ديزيريه لبنانية عاشت في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وسويسرا ولندن. مساهماتها لا تقتصر على تطوير وتوسيع مفهومنا للتسوق الرفيع والذكي، بل تشمل الفن كونها عضوا في مجلس الأكاديمية الملكية للفنون الاستشاري، والموضة بحكم أنها عضو في جمعية مساندة لمنظمة الموضة البريطانية. درست الحقوق في باريس وعملت في عدة شركات عالمية منها «رالف لورين» قبل أن تلتحق في عام 2001 بـ«ريتايل فاليو». تتذكر بأن مغادرة عائلتها لبنان في عام 1973 لم تكن خياراً، ومع ذلك لم تتوقف عندها طويلاً. بل ربما علمها كيف تحول ما يبدو سلبيا في البداية إلى إيجابي. «مغادرتي لبنان وتنقلي في عدة بلدان ما بين الدراسة والعمل قوّى بداخلي روح الترحال... فأنا أؤمن بأن السفر يوسع آفاق الإنسان ويجعلنا نتقبل الآخر بصدر رحب، لأننا نفهم ثقافته وطريقة تفكيره... أعتقد أن هذا ما كون شخصيتي».
رغم حجمها الصغير وابتسامتها الدافئة تشعر بأن هذه الشخصية المنفتحة على ثقافات العالم أيضا حديدية. على الأقل تعرف جيدا ما تريده تماما ولا تتنازل عن قناعاتها مهما كانت الصعوبات. وكأنه قرأت ما يجول ببالي تُعلق: «كلنا نمر بظروف وأوقات قد تهزنا وربما تجعل البعض منا مستعدا لتقديم التنازلات من باب الاستسهال، لكن بالنسبة لي هذا الأمر غير وارد بتاتا. أنا أومن بأننا بالعمل والمثابرة يمكننا أن نُذوب المصاعب، خصوصا إذا كان الهدف واضحاً أمامنا».
عندما افتتحت قرية «بيستر» أول مرة في عام 1995، كانت فكرتها تتلخص في بيع سلع من مواسم ماضية بأسعار مخفضة. لكن ليس هذا ما كان يدور بذهن ديزيريه. كانت الصورة التي رسمتها في خيالها أكبر من هذا بكثير. كانت تريد أن تُصبح القرية مركزا سياحيا وعالميا للتسوق بالمعنى الرفيع. لم تكن تحلم بقدر ما كانت تضع أهدافا تعرف أنها ستحققها مع الوقت. في الشهر الماضي وبعد نحو أكثر من 20 عاما، تحقق حلمها. توسع المكان وازدان بالأشجار الخضراء والورود وديكورات على شكل معالم بريطانية تعزز فكرتها القائمة على «سياحة التسوق».
وبالفعل فإن زيارة «بيستر فيلدج» هذه الأيام لا تترك أدنى شك بأن صورتها تغيرت تماما. لم تعد مجرد سوق للبضائع من مواسم ماضية بأسعار مخفضة بل وجهة سياحية تجمع متعة التسوق بالفن والأكل وما شابه من أمور تخاطب كل الحواس. بالنظر إلى نوعية الأسماء التي افتتحت محلات فيها، تشعر بأنها أصبحت وجهة تستقطب النخبة وليس ذوي الإمكانيات المحدودة فقط، بعد أن أخضعتها ديزيريه لعدة عمليات تجديد وتجميل، إلى حد القول إنها باتت تنافس في جاذبيتها السياحية قصر بكنغهام حسبما تؤكده الأرقام التي نشرتها جهات سياحية موثوق بها. هذه الجهات نفسها أكدت أنها تفوقت في العام الماضي على بعض المتاحف من حيث عدد الزوار، حيث استقطبت 6.4 مليون زائر مقارنة بـ4.6 مليون زائر لـ«تايت مودرن». أمر انتبهت له ديزيريه وتعمل على تطويره في كل عام تقريبا حتى تبقى قراها في الصدارة وصامدة في وجه التغيرات التي تشهدها ثقافة التسوق خصوصا والموضة عموما. اهتمامها لا يقتصر على تجميل ديكوراته ومحيطه فحسب بل أيضا على «لوجيستياته» الصغيرة والكبيرة. فالرحلة إليه من محطة «ماريلبون» وسط لندن مثلا لا تستغرق سوى 46 دقيقة. وبما أن أغلب المتسوقين فيه من الصين ومنطقة الشرق الأوسط، فإنها المحطة الوحيدة في بريطانيا التي تعلن عن مواقيت القطارات المتوجهة إلى «بيستر فيلدج» باللغتين المندرينية والعربية.
تُؤكد ديزيريه وتكرر أن هدف الزبون من هذه الرحلة «ليس البحث عن سلع بأسعار مخفضة، بقدر ما هي رغبة في أن يعيش تجربة من نوع آخر». هذا كان هدفها الذي وضعته لنفسها منذ 20 عاما عندما تسلمت المشروع. كان هدفها حينذاك أن يتحول ما بدأت فكرته على الورق كمركز تسوق لبضائع من مواسم ماضية يحتاج المصممون للتخلص منها، إلى مركز تسوق من المستوى الرفيع يستقطب كل من له ذوق ويتذوق الأناقة والترف في الوقت ذاته. هذا الترف برأيها يتلخص في كل ما يلمس «حياتنا اليومية من أكل وإقامة وفن وموضة». وهو ما أصبح حقيقة تؤكدها أعداد الزوار ونوعياتهم. فسلطان بروناي، من بين زواره، حيث طلب في إحدى المناسبات أن يُغلق المكان ليوم كامل حتى يتمكن من أن يتسوق فيه وحاشيته بحرية مطلقة.
قوبل طلبه بالرفض لسبب بسيط ووجيه أنه «كان لدينا بديل آخر يُرضي جميع الأطراف ولا يُقلل من مكانته» حسب قول ديزيريه: «هذا البديل يتمثل في شقة فخمة نخصصها في مثل هذه الحالات للشخصيات المهمة. نفتحها لهم طوال النهار لكي يرتاحوا فيها مع كل من يرافقونهم، كما يحصلون فيها على كل أنواع التدليل والخدمات والتسهيلات بعيدا عن أعين الفضوليين، إذا كانت هذه هي الفكرة».
ملك بروناي ما هو إلا واحد من بين العديد من الزوار الذي يتوافدون على «بيستر فيلدج» حاليا ويضعونه ضمن أولوياتهم عندما يزورون بريطانيا. أغلبهم ربما يتسوقون في محلات «هارودز» و«سلوان ستريت» الفخمة لأن إمكانياتهم تسمح لهم بذلك. وفي اليوم التالي يتوجهون إلى القرية الواقعة بين أحضان أوكسفودشاير ليعيشوا تجربة تسوق مختلفة تماما». وتعلق ديزيريه: «ولا أستبعد أن يُكمل بعضهم عملية التسوق هذه في المساء من موقع إلكتروني».
كان واضحا أنها لا تعتبر أن هناك منافسة بين ما تقدمه وبين مواقع التسوق الإلكتروني. فرغم شعبية بعض هذه المواقع ومخاوف البعض من انتعاشها على حساب المحلات الكبيرة والتسوق التقليدي، فإنها بالنسبة لديزيريه تفتقد إلى المشاعر والإحساس بالتفاعل مع الآخر. وتشير: «كبشر يغلب علينا الطبع الاجتماعي وتُحركنا مشاعر ومجموعة من الحواس، مثل اللمس والنظر وغير ذلك، لهذا أعتقد أنه كلما عشنا في العالم الافتراضي وفي عزلة، تزيد رغبتنا لبديل تفاعلي مع الناس، لهذا لا أراه تهديدا بل مجرد شكل آخر من أشكال التسوق».
في الشهر الماضي توسعت «بيستر فيلدج» أكثر، لتحتضن هذه المرة 30 ماركة جديدة انضمت إلى الـ130 ماركة أخرى، مثل «بالنسياغا» و«غوتشي» و«فندي» و«دولتشي آند غابانا» و«ديور» و«لورو بيانا» وهلم جرا. بخلق مناخ يسر العين ويخاطب الحواس، تعرف ديزيريه بولييه أنها نجحت في مهمتها والأهداف التي تم وضعها في البداية.
فتوسع المكان، الذي أصبح بطول «الشانزليزيه» 1.2 ميل، يؤكد هذه الحقيقة ويجعل مخاطبة الأذواق العالمية عملية جد سهلة.
لا تُنكر أن ثقافة التسوق تغيرت كثيرا عما كانت عليه. في البداية كان البعض يفضل عدم الإعلان عن تسوقه لمنتجات من موسم ماضٍ، أو من «آوتليت» لارتباطها بإيحاءات سلبية، لكن كان هذا منذ 10 سنوات تقريبا، الآن أصبحت عملية المزج بين الموضة وقطع فريدة وكلاسيكية إنجازا يعبر عن الذوق الخاص.
وتشرح: «هناك قطع كلاسيكية ومنتجات لا تموت مهما مرت المواسم والفصول عليها». ثم تتابع بحماس: «قد تكون هناك قطعة أعجبتك من (فالنتينو) ولم يسعفك الحظ لشرائها في موسمها لأسباب عديدة، مثل أنها لم تكن متوفرة بمقاسك مثلا. لا تفارقك صورتها وربما تتحسرين عليها، لكن بعد عام تتفاجئين بها هنا وعلى مقاسك. تصوري حجم السعادة التي ستشعرين بها آنذاك؟. أنا أرى الأمر هنا بمثابة دخول مغارة علي بابا والخروج منها بكنز».
تتذكر أن التحدي الذي واجهته في البداية لم يكن إقناع الزوار والزبائن بقدر ما كان إقناع المصممين بالانضمام إلى المشروع. كان العديد منهم إما خائفا أن ترتبط صورتهم بمنتجات بارت من جهة، وإما يشك في نوعية الزبائن الذين سيرتادون هذه الأماكن من جهة ثانية. مهمة ديزيريه كانت إقناعهم بأن صورتهم لن تهتز وتضمن لهم ذلك. ومع الوقت تأكدوا أن المسألة في صالحهم وليست ضدهم، بدليل أن دراسة أجريت في عام 2012 وشملت 5000 زائر أفادت بأن 82 في المائة منهم تعرفوا على ماركات معينة أو أسماء مصممين في هذه القرى. فزبون عادي مثلا لن يُفكر بدخول محل لـ«لورو بيانا» أو لـ«فندي» في عواصم الموضة، لكنه يجد الأمر عاديا في «بيستر فيلدج» وغيرها من القرى المتواجدة في الصين أو أوروبا. غالبا ما يحملون معهم اكتشافهم هذا إلى بلدانهم، بحيث يُصبحون زبائن دائمين لهذه الماركات يشترون منها تصاميمها الموسمية بسعرها الكامل. بهذا لم تنجح ديزيريه في إقناع المصممين وبيوت الأزياء بأن الأمر لن يؤثر على أسمائهم أو مكانتهم في السوق فحسب، بل أدخلت العديد من عشاق الموضة إلى عالم لم يكن بعضهم يعرف عنه الكثير. «الآن يبدو كل شيء جميلا وسهلا، لكن العملية لم تكن مفروشة بالورود في البداية. فقد استغرقت ما لا يقل عن 20 عاما لتصل إلى ما هي عليه اليوم، كوجهة تمنح فرصة ثانية لشراء قطعة قد تكون راوغت الزبون في موسمها، كما تمنح للمصممين فرصة للتخلص من بضائع قد تبور أو تتلف في المخازن».
بين المتسوق العربي والصيني
النسبة الكبرى من زوار هذه القرى، حسب الإحصائيات، هم من الصين ومنطقة الشرق الأوسط؛ لهذا كان لا بد من ابتكار طرق لإرضائهم والإبقاء عليهم أوفياء حتى تكون زيارتهم لبريطانيا ممتعة من كل الجوانب. من أجل هذا يخضع العاملون في هذه القرى إلى عدة تدريبات لكي يتعرفوا على ثقافة كل جنسية ويتعلموا حسن الضيافة وما شابه من أمور تصب في صالح هذا الزبون. من الملاحظات التي يتم أخذها بعين الاعتبار عن المتسوق العربي والصيني التالي:
- أن الصيني لا يقوى على الانتظار. فهو متسوق متحمس يشتري بسرعة على أساس أن الوقت من ذهب.
- الزبون العربي في المقابل يفكر كثيرا قبل أن يشتري. فحتى عندما تُعجبه قطعة لا يتسرع، بل يترك المحل إلى أقرب مقهى ليرتشف فنجان قهوة أو مطعم ليتناول وجبة غذاء قبل أن يُقرر العودة لشرائها.
- العربي يحب أن يعامل بطريقة خاصة بأن يُدلل، لأن المهم بالنسبة له ليس شراء قطعة «لقطة» من ناحية أن سعرها مخفض، بقدر أن يعيش تجربة ممتعة وفريدة يشعر فيها بأن الخدمة عالية.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.