ليبيا: جرائم قتل تتوالى... و«الفاعل مجهول»

«جثث الأبيار» وقصف درنة يفتحان «الدفاتر القديمة»

جنود من الجيش الليبي خلال معارك في بنغازي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الليبي خلال معارك في بنغازي (أ.ف.ب)
TT

ليبيا: جرائم قتل تتوالى... و«الفاعل مجهول»

جنود من الجيش الليبي خلال معارك في بنغازي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الليبي خلال معارك في بنغازي (أ.ف.ب)

لا تنقص ليبيا جرائم قتل خفية. يكفي أهلها الخطف والابتزاز والقتل العمد في وضح النهار. لكن على رغم ذلك تستيقظ مدن عدة في شرق البلاد وغربها من آن إلى آخر على قصف جوي من «جهة غير معلومة» يقضي فيه العشرات، أو يصفى غيرهم جسدياً، و«الفاعل مجهول».
وتعد جريمتا العثور على 36 جثة على طريق الكسارات بين مدينتي الأبيار وبنغازي (شرق البلاد)، أوائل الأسبوع الماضي، ومقتل 17 مواطناً بينهم أطفال ونساء في قصف جوي على مدينة درنة نهاية الشهر الماضي، من طيران وصف بـ«الـمجهول»، الأحدث في إثارة مشاعر الغضب لدى جموع المواطنين، ما دفع قانونيين وسياسيين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، إلى المطالبة بالمسارعة بفتح تحقيقات عاجلة في الجرائم الحالية والسابقة التي راح ضحيتها مئات الأبرياء من المدنيين.
وطالب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي طلال الميهوب، النائب العام بـ«إظهار نتائج التحقيقات في مجازر غرغور، وبراك الشاطئ، والقربولي، وترهونة، وجريمة حرق مطار طرابلس الدولي». وأضاف في تصريح أمس: «يجب محاكمة كل من يعمل على تهديد الأمن القومي للبلاد»، مندداً بـ«تسارع وتيرة القتل من الجماعات الإرهابية لليبيين، ووقوع مجازر في أماكن عدة من البلاد».
وفي 20 مايو (أيار) الماضي، استهدف هجوم إرهابي مقر قيادة اللواء 12 التابع للجيش الوطني الليبي في قاعدة براك الشاطئ (جنوب البلاد) وأسفر عن مقتل أكثر من 140 شخصاً، ولاحقت الاتهامات ميليشيات «القوة الثالثة» في المنطقة، لكنها نفت أن تكون قد أقدمت على ذلك.
ووصفت «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» في حينها، الواقعة، بأنها «مجزرة بشعة وجريمة حرب مكتملة الأركان، شارك فيها مقاتلون أجانب من المعارضة التشادية وقوات سرايا الدفاع عن بنغازي التابعة لتنظيم القاعدة والمتحالفة مع تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي في ليبيا»، محملة المسؤولية لحكومة الوفاق الوطني وحكومة الإنقاذ غير المعترف بها دولياً بقيادة خليفة الغويل والمفتي السابق الصادق الغرياني.
ورأى عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ضو المنصوري أن «الأحداث المروعة التي ترتكب في ليبيا، ترقى إلى مستوى كونها جرائم ضد الإنسانية»، مشيراً إلى أن «ما شهدته البلاد مؤخراً، وتضاربت الأنباء حوله من قصف وقتل، سيكشف قادم الأيام عن المتورطين فيه».
وأضاف المنصوري لـ«الشرق الأوسط» أن «التحقيقات الخجولة التي تجرى في مثل هذه الجرائم تنتهج سياسة إسدال الستار، ولا تهدف إلى كشف الحقيقة، وتقديم الجناة إلى العدالة». وذهب إلى أن المحاكمات «لن تكون فاعلة ومجدية، في ظل سيطرة قوى سياسية لا يهمها الحقيقة. ومن ثم سيكون مصير التحقيقات في قصف درنة (وجثث الأبيار)، مثل جرائم سابقة كقتل المتظاهرين السلميين في منطقتي غرغور والرويمي».
وأدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وائتلاف جمعيات المجتمع المدني الليبي «المنصة» جريمتي الأبيار وقصف درنة الذي قتل فيه 17 شخصاً، أغلبهم من عائلة واحدة. ونفى العقيد أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي في شرق البلاد أي علاقة لسلاح الجو الليبي بتلك الغارات التي وصفها بـ«الحادث الإرهابي».
وفتحت وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة، تحقيقاً في واقعة الجثث. وقالت مصادر حكومية إن «ملابسات قتل هؤلاء الأشخاص لا تزال مجهولة، ولم يتم التعرف على هوياتهم»، مرجحة أن تكون الجريمة تستهدف «خلط الأوراق» في المنطقة الشرقية. لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي ذكر في تصريح سابق أن قصف درنة «محطة فاصلة تطلب التجرد من الحسابات السياسية، وإدانة ما يُسمى القيادة العامة المسيطرة على المنطقة الشرقية»، في إشارة إلى قائد الجيش الليبي خليفة حفتر.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي عُثر فيها على جثث لمدنيين أو عسكريين ملقاة على جانبي شوارع بنغازي. وسبق أن عُثر في يوليو (تموز) من العام الماضي، على 14 جثة لأشخاص مقيدي الأيدي في مكبّ للقمامة، بمحيط مقر صندوق الضمان الاجتماعي ببنغازي، كما عثرت دوريات السجون العسكرية في المدينة الشهر الماضي على 10 جثث مجهولة الهوية، عليها آثار تعذيب ورصاص في منطقة أخرى من المدينة.
ويستدرك عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، قائلاً: «رغم أن المحكمة الجنائية الدولية فتحت تحقيقاً في جرائم قتل سابقة، فإن المجرمين يحتمون بقوى عسكرية توفر لهم الحماية وتمنعهم من المحاكمة». وأرجع ذلك إلى «عدم وجود سلطة في البلاد، وعجز حكومة الوفاق الوطني عن بسط سيطرتها على كل الأراضي الليبية، فضلاً عن ظهور سلطات واقعية موازية تمارس تحت أجنحتها جميع الجرائم»، في إشارة إلى الميليشيات.
وذهب المنصوري إلى أن «الأوضاع في ليبيا مرشحة للتأزم أكثر، بعد أن شنت الوفاق حرباً قذرة على منطقة ورشفانة، التي تبعد ثلاثين كيلومتراً عن العاصمة، مساء أول من أمس، بواسطة ميليشيا الزنتان ونتج عنها تهديم البيوت على رؤوس قاطنيها الأبرياء». ورأى أن «مثل هذه العمليات تترك انطباعاً أولياً بأن السلطات ترتكب جرائم كثيرة مباشرة أو عن طريق شراء ذمم الميليشيات لاستخدامها في تنفيذ الجرائم ضد الآمنين، في منهجية تستدعي ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته التي نص عليها قرارا مجلس الأمن رقم 1970 و1973 بشأن حماية المدنيين».
ودعت منظمات «المنصة» المحكمة الجنائية الدولية إلى «تحقيقات عاجلة مع المشتبه بتورطهم في جرائم جسيمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة، والبدء في إجراء تحقيقات داخل ليبيا، كلما كان ذلك ممكناً». وقالت في بيان إنه «يجب عدم الالتفات لأي وعود من السلطات الليبية الرسمية أو الفعلية في الشرق والغرب بإجراء تحقيقات على المستوى المحلي، بعدما ثبت عجزها الكامل عن التعامل مع الانتهاكات الجسيمة في ليبيا».
وأضافت المنظمات التي من بينها «المنظمة المستقلة لحقوق الإنسان»، و«شباب من أجل تاورغاء» و«مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان»، أن «السلطات التنفيذية الرسمية والفعلية في الشرق والغرب تقاعست عن اتخاذ أي تدابير فعلية، ما يزعزع الثقة في جدية قيادات المجموعات المسلحة والعسكرية في القيام بتحقيقات ضد أحد أفرادها النافذين».
وانتهت إلى أن «القيادة العامة للجيش الليبي لم تتخذ إجراءات ملموسة ضد عمليات القتل خارج نطاق القانون التي ارتكبها النقيب محمود الورفلي، والتي ترتقي لجريمة حرب، ضمن عمليات قتل شملت 33 مواطناً في الفترة بين 3 يونيو (حزيران) 2016 و17 يوليو 2017. رغم إعلان القيادة العامة بدء التحقيق مع الورفلي في 2 أغسطس (آب) 2017، فإنه تمكن لاحقاً من استصدار قرار رسمي في 14 أغسطس بصفته آمر محاور القوات الخاصة».
وذكّر نائب رئيس «الهيئة العليا لتحالف القوى المدنية في ليبيا» أسماء سريبة بالحكم الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية في 2016 بسجن الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كرادزيتش 40 عاماً بسبب إدانته بالمسؤولية عن عمليات الإبادة الجماعية في سربرينيتشا عام 1995 و9 جرائم حرب أخرى. وقالت سريبة إن «ما يحدث في ليبيا من جرائم لن يسقط بالتقادم... وعندما تستقر الأمور في بلادي ويكون هناك قانون، سيحق لأصحاب الدم مقاضاة المجرمين على أفعالهم».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.