إجراءات إسرائيلية غير مسبوقة ضد {حماس} إذا نجحت المصالحة

تل أبيب تراهن على خلافات الفلسطينيين في إفشالها

TT

إجراءات إسرائيلية غير مسبوقة ضد {حماس} إذا نجحت المصالحة

في الوقت الذي يستعد فيه الفلسطينيون لتسليم المسؤولية عن المعابر في قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، قال مصدر أمني إسرائيلي رفيع، بأنه ما زال يشكك في جدوى هذه الخطوات. وقال إن «اتفاق المصالحة هو تحليق إلى لا مكان».
وقال المسؤول، في حديث لوسائل إعلام يمينية، إسرائيل لا تعلق الآمال الكبيرة على اتفاق المصالحة. وردا على سؤال حول إمكانية تبدد الشكوك الإسرائيلية وظهور نوايا حقيقية لدى الفلسطينيين بإنجاح المصالحة، أضاف: «إذا نجحت هذه الخطوة، بشكل مفاجئ، فسيتم فرض قيود على حماس لم تعهد مثلها من قبل».
وحسب أوساط سياسية في اليمين الإسرائيلي، فإن هناك مسؤولين إسرائيليين أمنيين بدأوا يقتنعون بإمكانية نجاح المصالحة، وذلك لكون المصريين ضالعين في الاتفاق حتى العنق. وقال أحدهم إن «هناك سببا آخر يجعل الاتفاق ممكنا، وهو تحديد مواعيد للاتفاق: فبعد شهر، في الأول من ديسمبر (كانون الأول)، يتوقع توحيد منظومات الحكم بين حماس والسلطة الفلسطينية، وبعد ذلك يتوقع تنظيم مسألة المناصب المدنية. وبناء على الاتفاق، يفترض أن يتم حتى شهر فبراير (شباط) حل مسألة الجناح العسكري لحماس. وفي هذه الحالة لا شك أن هذه ستكون حجر الرحى الأساسي في الاتفاق، لأن حماس لا تنوي المس بالجناح العسكري».
وتضيف هذه المصادر أن «من المهم أن نتذكر أن السلطة الفلسطينية لا تأتي مع محفزات عالية لاتفاق المصالحة. فرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تم جره إلى المصالحة نتيجة للضغوط القوية من جانب مصر. ومن الواضح لعباس أن اتفاق المصالحة هو تجميلي بحت ولا يشير إلى تغير كبير في قطاع غزة، في حين ستبقى حماس هي المسيطرة على القطاع. فبسبب أزمة الكهرباء في القطاع تدفع حماس من جيبها ملايين الشواقل لتزويد السكان بالكهرباء، ومع ذلك لا يزال تزويدها في القطاع مقلصا لأربع ساعات ونصف الساعة فقط. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، قبل أسبوعين ونصف الأسبوع في القاهرة، فإن حماس بالذات هي التي تلتزم بالاتفاق، في حين لم تف السلطة الفلسطينية بالتزاماتها. وعلى سبيل المثال، لم تعد السلطة الفلسطينية حتى الآن تمويل إمدادات الكهرباء لقطاع غزة، وترفض استئناف التمويل الطبي لسكان القطاع. وتشعر حماس بالقلق الشديد إزاء هذه الحقيقة، فضلا عن حقيقة حلول فصل الشتاء، والبنية التحتية المتدهورة في قطاع غزة تؤدي إلى حدوث فيضانات واسعة النطاق كل عام. كما أن نقص الكهرباء، والخوف الكبير من تفشي الأمراض، يمكن أن يؤديا إلى وضع لا يطاق في غزة. ونتيجة لذلك، لا تستبعد إسرائيل إمكانية أن يؤدي هذا السيناريو إلى غليان في أوساط الجمهور الغزي ضد حماس».
ويقول المسؤول الأمني الإسرائيلي المذكور: «كما هو معروف، عندما يتحول الجمهور في غزة إلى حماس، يسود التخوف الشديد من أن تحاول المنظمة توحيد الشعب ضد العدو المشترك: إسرائيل. وهذا ما حدث عشية عملية الجرف الصامد. واليوم، كما يقولون في إسرائيل، في شتاء عام 2018 أصبحت الحالة الإنسانية في قطاع غزة أشد مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات. وبالمناسبة، فإن الأوضاع في الضفة الغربية أفضل بكثير مما في قطاع غزة. وفي الأيام الأخيرة عاد الفلسطينيون إلى التنسيق الأمني الكامل مع إسرائيل. وفي إسرائيل والجانب الفلسطيني، تعتبر هذه الأيام (فترة اختبار) كبيرة لاتفاق المصالحة الفلسطينية. ويسود التقدير أنه على الرغم من الضغوط المصرية الكبيرة على كلا الطرفين، فإن نهاية اتفاق المصالحة معروفة مسبقا».
ويفترض حسب اتفاق المصالحة، ما لم تطرأ تغييرات غير متوقعة في اللحظة الأخيرة، أن يتم غدا الأربعاء، ولأول مرة منذ سيطرة حماس على قطاع غزة قبل عشر سنوات، تسليم السلطة الفلسطينية المسؤولية عن المعابر الحدودية بين إسرائيل وغزة. ووفقا للاتفاق، سيبدأ رجال السلطة، هذا الأسبوع، بتفعيل معبر كرم أبو سالم للبضائع، ومعبر إيرز للسكان، وستكون هذه هي المرة الأولى منذ عشر سنوات، التي تدوس فيها السلطة أرض القطاع. ويسود التقدير في إسرائيل بأن نشر قوات السلطة على المعابر سيكون مشبعا بالاحتكاك، وعلى الأقل في المراحل الأولى، لن تظهر السلطة قوتها وعضلاتها في القطاع. وهذا يعني بالنسبة لإسرائيل عملا أقل تعقيدا على المعابر، لأن نقل البضائع اليوم وانتقال الناس من وإلى القطاع، يتم بواسطة طرف ثالث، من أجل الامتناع عن الاتصال المباشر بين إسرائيل وحماس.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.