القضاء اللبناني يحسم الملفات القضائية العالقة... بتوجيه رئاسي

أعطى القضاة دفعاً لإصدار الأحكام بمعزل عن حيثياتها السياسية

TT

القضاء اللبناني يحسم الملفات القضائية العالقة... بتوجيه رئاسي

يتجه القضاء اللبناني لحسم الملفات القضائية المؤجَّلَة منذ سنين طويلة، بعد انطلاقة بدأت، الشهر الماضي، وأصدر أحكامه في ملفات عالقة مثل الحكم على قتلة الرئيس الراحل بشير الجميل، وإصدار الاتهامات بحق قتلة القضاة الأربعة الذين تم اغتيالهم في صيدا في عام 1999.
وقالت مصادر قريبة من القصر الجمهوري إن الرئيس اللبناني ميشال عون، أصدر توجيهاً للسلطة القضائية قبل فترة بحسم كل الملفات القضائية المؤجلة، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك معاناةً وشكاوى من التأخر في إصدار الأحكام في الملفات المؤجلة، لذلك كان هناك توجيه بالإسراع بحسم تلك الملفات».
وإذ وضعت المصادر القرار القضائي الذي صدر، أول من أمس، بحق قتلة القضاة الأربعة في صيدا (جنوب لبنان) ضمن هذا التوجه، أكدت المصادر أن «ملفات أخرى كثيرة سيتم البتّ بها»، موضحة أن «الملفات التي لم يتم البتّ بها بعد من غير وجود سبب جوهري لذلك، مثل التوسع بالتحقيق، فإن الرئيس عون أصدر توجيهاته لحسمها، خصوصاً الملفات التي تتوفر فيها كل العناصر التي تسمح بإصدار الأحكام والقرارات الظنية».
وحسم القضاء اللبناني، منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، عدداً من الملفات العالقة، أبرزها إصدار الحكم بالشيخ المتشدد أحمد الأسير، وإصدار حكم الإعدام بحق قتلة الرئيس بشير الجميل بعد 35 عاماً على اغتياله، فضلاً عن صدور القرار بتجريم قتلى القضاة الأربعة في عام 1999، إلى جانب مواصلة إصدار الأحكام والقرارات الظنية يومياً في ملفات كثيرة، بينها الملفات الإرهابية.
ولا ينفي وزير العدل الأسبق شكيب قرطباوي أن الحيثيات السياسية لبعض الملفات، أسهمت في تأخير البتّ فيها في وقت سابق، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن ملف اغتيال القضاة الأربعة مثلاً «كانت كل عناصره موجودة ومعروفة، لكن القضاء لم يعلن عنها في وقت سابق»، لافتاً إلى أن التحدي الآن «هو إحضار المجرمين الذين يتوارون في مخيم عين الحلوة».
وقال قرطباوي: «ما تغير الآن أن وجود الرئيس عون أعطى القضاة دفعاً معنوياً وتغطية سياسية ليصدروا القرارات براحة واستقلالية عن جميع الاعتبارات السياسية»، لافتاً إلى أن السلطة «لا تتدخل بالقضاء، ولكن الدفع المعنوي من أعلى الهرم السياسي يعطي القضاة قدرة أكبر على إصدار الأحكام، وقد أبلغهم بأنه إلى جانبهم في هذا التوجه، حين زاره مجلس القضاء الأعلى قبل أشهر».
وتابع: «على القضاء، نتيجة ذلك، أن يتعاطى مع الأمور بحسم أكبر، كما على القوى الأمنية أن تتعاطى مع منطق الحسم نفسه، وعلى السياسيين ألا يشكلوا حماية لأحد، أما نحن - المواطنين - فيجب أن نقف إلى جانب القضاء في كل الظروف، ونقبل بسلطة القاضي التي تحمينا، لا أن نؤيد القضاء حين تكون هناك أحكام تناسبنا، ونعارضه حين لا تناسبنا الأحكام»، مستخدماً عبارة استخدمها حين كان وزيراً للعدل وحين كان نقيباً للمحامين: «وحده القاضي النزيه والمستقل يحمينا ويحميكم».
في شأن قضائي متصل، أصدر قاضي التحقيق العسكري فادي صوان، أمس الخميس، أربعة قرارات في جرائم إرهابية أحال بموجبها ستة متهمين موقوفين أمام المحكمة العسكرية الدائمة، للمحاكمة، بعدما أصدر مذكرة إلقاء قبض في حق كل منهم.
اتهم في القرار الأول السوري بدر أيوب في جرم الانتماء إلى جبهة النصرة والمشاركة في القتال ضد الجيش في عرسال في عامي 2014 و2017، استناداً إلى المواد «335 عقوبات»، والمادتين 5 و6 من قانون 11/ 1/ 1958، و«72 أسلحة».
واتهم في القرار الثاني، السوري علاء العبد «في جرم المشاركة في القتال في سوريا في بلدة جراجير والاتجار بالأسلحة في بلدة عرسال»، استناداً إلى المواد «335 عقوبات» و«72 أسلحة» والمادتين 5 و6 من قانون 11/ 1/ 1958. واتهم في القرار الثالث ثلاثة سوريين أشقاء، هم نمر وأحمد وبدر سيف الدين، بجرم الانتماء إلى جبهة النصرة والمشاركة في القتال ضد الجيش في أحداث عرسال عام 2014، والخطف استناداً إلى المواد «335 و569 عقوبات» و«72 أسلحة» والمادتين 5 و6 من قانون 11/ 1/ 1958.
واتهم في القرار الرابع الفلسطيني وئام الصاوي من مجموعة بلال بدر، بالانتماء إلى جبهة النصرة والمشاركة في القتال داخل المخيم ضد الفصائل الفلسطينية الأخرى، استناداً إلى المواد «335 عقوبات» و«72 أسلحة» والمادتين 5 و6 من قانون 11/ 1/ 58.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.