السنوار... وجه حماس الجديد الناطق بلغة «مختلفة»

هل يقود الحركة إلى مرحلة من التصالح والتسامح أم يكون جزءاً من تحول عام؟

يحيى السنوار (أ.ف.ب)
يحيى السنوار (أ.ف.ب)
TT

السنوار... وجه حماس الجديد الناطق بلغة «مختلفة»

يحيى السنوار (أ.ف.ب)
يحيى السنوار (أ.ف.ب)

يفرض يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزة، لغة سياسية تتسم بالتصالح، وتنطوي على مفردات التسامح. لغة لم يعتدها الجمهور الفلسطيني من قيادات الحركة، التي نمت وكبرت وسيطرت على قطاع غزة في ظرف عقود قليلة، حتى بات بالنسبة للكثيرين، القائد الذي سيغير وجه الحركة.
وعلى الرغم من وجود هرم تنظيمي واضح في حماس، يتربع فيه من يتقدم السنوار تنظيمياً، ومجلس شورى موسع هو الذي يتخذ القرارات المصيرية للحركة، إلا أن كاريزما السنوار، والطريقة التي يعمل بها، وتصريحاته المفاجئة للكثيرين، وربما مع تاريخ شخصي ينطوي على الكثير من القوة والعنف، جعلته محط اهتمام محلي وإسرائيلي وإقليمي.
ويمكن القول، إن صيت الرجل سبقه قبل أن يخرج من سجنه إلى غزة ويتسلم قيادة الحركة، إلى الحد الذي اضطرت معه حماس إلى طمأنة المحيط، بأن انتخابه قائداً لغزة لن يغير من سياسة الحركة.
كانت حماس تريد بث الطمأنينة بأن الرجل العسكري المهووس بالأمن، قليلَ الكلام، الذي تقول إسرائيل إنه «شيخ القتلة»، لن يجر الحركة إلى مواجهات وجولات عنف خارجية وداخلية، لكن بعد وقت طويل يتضح أن السنوار يقود الحركة إلى مربع آخر تماماً: مصالحات إقليمية وأخرى داخلية، توازن أكبر وتسامح أكثر ولغة لم يعتادوا عليها.
قبل أن يصل السنوار إلى حكم «حماس»، لم يسمع الناس من أحد في الحركة أنه آسف على سنوات الانقسام، أو أنه مستعد للسهر على راحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الذي طالما كان خصماً لدوداً للحركة.
لم يقل السنوار ذلك وحسب، بل أبلغ شباناً في غزة، أنه «سيكسر عنق من يعطل المصالحة»، وأنه مستعد لتلبية طلبات السلطة، وأنه مستعد لمطاردة «فتح» من أجل التصالح.
قبل ذلك، كانت لغة «حماس» مختلفة، متعالية أحياناً، وتبث الكثير من الاتهامات وتطلق التهديد.
يقول الناشط السياسي، سليم الهندي، الذي التقى السنوار ضمن وفود شبابية، إن «لديه كاريزما كبيرة».
ويضيف: «إنه صاحب هيبة كبيرة ومتواضع».
ويتابع: «مقنع للغاية وصادق. يجيب عن كل الأسئلة ولا يترك مجالاً للشكوك. الجميع ينظر إليه بأنه سيُخرج غزة من عنق الزجاجة، وهذا ما ننتظره على أرض الواقع».
التقى السنوار، على غير عادة المسؤولين الآخرين في «حماس»، قطاعات مختلفة من الشبان مرتين، في ظرف وقت قصير، والتقى مسؤولين حكوميين وآخرين في قطاعات مختلفة، بعدما كان لا يحبذ الظهور العلني ولا عبر وسائل الإعلام.
وعلقت الطالبة الجامعية ياسمين أبو حرب قائلة: «السنوار مثَّل مفاجأة لنا، كنا نتوقع سياسة أكثر تشدداً، لكن الواقع كان مغايراً ومفاجئاً».
وأضافت: «الرجل أظهر مرونة أكثر من أي من قيادات حماس، وقادها للمصالحة مع (فتح) ولإعادة علاقاتها مجدداً مع مختلف الدول».
ويتفق صالح حميد مع أبو حرب، ويرى أن مواقف السنوار تظهر أنه يمتلك رؤية وطنية حقيقية، وأنه يفضل المصالحة على الانقسام.
وأضاف: «إنه يغير من سياسات حماس»
وهؤلاء جميعاً مثل غيرهم، فوجئوا بقوة حين قال السنوار، إنه يريد الرئيس عباس قوياً، وفوجئوا عندما وصف حكم حركته للقطاع بـ«أتفه من أن يموت بسببه طفل في حضانة مستشفى». ولم يصدقوا أنه قال: «أنا رجل صنعتني أمي والمرأة كل المجتمع، وأدعوهن للانخراط في العمل السياسي من أجل الوطن».
أما محل المفاجأة، فلأن المتحدث هو من افترض الآخرون أنه دموي، وعنيد، وعنيف، ومهووس بالأمن، بحسب صورة سابقة رسمت له وهو في السجن، وعممتها إسرائيل عبر تصريحات لكبار مسؤوليها، حذروا من مواجهة جديدة مع تسلم السنوار قيادة «حماس».
وقد نجحت إسرائيل في إثارة القلق من السنوار، حين قال وزير الطاقة، يوفال شتاينتس، إن المواجهة «هي مسألة وقت ليس إلا»، واصفاً السنوار بأنه «خطر للغاية بسبب طابعه الاندفاعي».
وتصاعد هذا القلق بوجود السنوار على اللائحة السوداء الأميركية، إلى جانب صديقه المقرب روحي مشتهى، وقائد «القسام» محمد الضيف ووزير الداخلية السابق في حماس وفتحي حماد، ومسؤول «الجهاد الإسلامي» رمضان شلح، ونائبه زياد النخالة.
وبغض النظر عما إذا كانت إسرائيل بالغت في وصف السنوار بأنه دموي أم لا، لكن يبدو أنه مستعد لأن يكون كذلك، إذا ما تعلقت المسألة بالوطن. فهو على الأقل قتل 4 من المتعاونين مع إسرائيل بكلتي يديه.
ومع صعود نجم السنوار، يصر مراقبون على أنه جزء من التغيير وليس التغيير كله.
وقال المحلل السياسي مصطفى إبراهيم: «لديه تأثير قوي داخل حركة حماس، ولكنه لا يقود تغييراً كاملاً لسياساتها. الحركة قامت بخطوات متطورة بإعلان وثيقتها الجديدة، وما أنتجته انتخاباتها الداخلية قبل ظهور وجوه جديدة في قيادتها».
وأضاف: «إنه مؤثر، وساهم في اتخاذ مجموعة من القرارات داخل حركة حماس منذ الوثيقة، وحتى انفتاح العلاقة مع تيار محمد دحلان وكذلك مصر وفيما يخص المصالحة، لكن ليس بمعزل عن قرار الحركة التي تعمل بشكل مؤسساتي وتنظيمي وبناء على الشورى فيما بينها».
وأردف: «لا يمكن لشخص واحد فقط تغيير مسار حركة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».