لبنان: القيادات المسيحية تطلق حملاتها الانتخابية باستقطاب المغتربين

تسويق برامجهم في الخارج يعكس صورة انقسامهم بالداخل

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا جعجع التقيا الجالية اللبنانية في أستراليا مؤخراً
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا جعجع التقيا الجالية اللبنانية في أستراليا مؤخراً
TT

لبنان: القيادات المسيحية تطلق حملاتها الانتخابية باستقطاب المغتربين

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا جعجع التقيا الجالية اللبنانية في أستراليا مؤخراً
رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وزوجته النائب ستريدا جعجع التقيا الجالية اللبنانية في أستراليا مؤخراً

رغم مضي 6 أشهر على إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية في لبنان، وفق معيار النسبية الكاملة، فإن تعقيدات هذا القانون لا تزال عصيّة على الفهم، لدى أغلبية القوى السياسية التي شاركت في إنضاج طبخته، وليس أدلّ على ذلك من وصف وزير الداخلية نهاد المشنوق له بـ«القانون العجائبي». ودفعت محاذير النتائج المجهولة لهذا القانون بالماكينات الانتخابية للقوى السياسية، إلى التحرّك في الداخل والخارج. وتبدو هذه الحركة أكثر وضوحاً واتساعاً لدى رؤساء الأحزاب المسيحية، الذين يحاولون استقطاب أصوات المغتربين المسيحيين، وتشجيعهم على التصويت، لتحقيق بعض التوازن الديموغرافي المختلّ داخلياً، باعتبار أن عدد المسيحيين لا يتعدّى 36 في المائة.
ورغم أنه لا يزال هناك 7 أشهر على موعد الاستحقاق المقرر في 21 مايو (أيار) المقبل، فإن رؤساء بعض الأحزاب بدأوا جولات انتخابية مبكرة في الخارج، تشمل الدول التي تحظى بثقل اغترابي لبناني، مثل الولايات المتحدة الأميركية، وأستراليا، وكندا، وأفريقيا، وعدد من الدول الأوروبية والعربية، تشجيعا للبنانيين على تسجيل أسمائهم في السفارات والقنصليات القريبة من مكان إقامتهم، كي تتسنّى لهم المشاركة في الاقتراع وانتخاب ممثليهم الحقيقيين.
ولا تقتصر جولات وزير الخارجية جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحرّ)، على الدول الغربية ولقاءاته بالجالية اللبنانية، في وقت بدأ فيه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع جولته من أستراليا التي قد تقوده إلى أميركا وكندا ودول أخرى، فيما يستعدّ رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل ورئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون، لجولات انتخابية مماثلة.
وإن تعددت مبررات هذه الزيارات، فإنها لا تسقط هدفها الأسمى بالنسبة لأصحابها، وهو استقطاب الناخب المسيحي. وقد أوضح مستشار رئيس حزب «القوات اللبنانية» لشؤون الرئاسة العميد وهبي قاطيشا، أن زيارة جعجع إلى أستراليا «تأتي تلبية لدعوة من الجالية اللبنانية وجهتها له منذ أن خرج من الاعتقال قبل 12 عاماً». ورأى أن «الزيارة صادف توقيتها أنها على أبواب الانتخابات النيابية، في ظلّ قانون انتخابي جديد يعطي قيمة لكل صوت لبناني حول العالم».
وقال قاطيشا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الانقسام العمودي بين محورين، يدفع كل فريق إلى تعزيز محوره، ونحن نسعى إلى تقوية محورنا حتى لا يعود لبنان مجدداً إلى الحكم الإيراني - السوري». وأضاف: «كما أن الانقسام موجود داخل كل المكونات اللبنانية، فهو موجود بقوة داخل المكونات المسيحية تنافسا على استقطاب الأصوات وحصد أكبر عدد من النواب، لذلك تتكثف في هذه المرحلة زيارات القيادات المسيحية إلى الخارج».
ولا يخفي الخبير الانتخابي ربيع الهبر، أن «أصوات اللبنانيين في الخارج سيكون لها تأثيرها في العملية الانتخابية»، لكنه دعا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «عدم الإفراط في التفاؤل، لأن الإقبال على الانتخابات في الخارج سيكون محصوراً في المدن التي توجد فيها سفارات وقنصليات لبنانية». وقال: «الفارق بين انتخابات 2009 والانتخابات المقبلة، أنه في السابق تكلّفت القوى السياسية 33 مليون دولار، مصاريف مجيء 3 آلاف ناخب من الخارج إلى لبنان، أما الآن، فإن تكلفة الجولات الخارجية للزعماء وتسويق حملتهم الانتخابية، قد لا تتعدى 3 ملايين دولار». ورأى الهبر أنه «من المبالغات تقدير نسبة الإقبال على الاقتراع في الخارج والنسبة التي قد تصوّت لكل حزب، لأن عمليات استطلاع الرأي غير متاحة في الخارج».
وفي غياب الضمانات لمشاركة المغتربين الوازنة في الانتخابات، شدد قاطيشا على «أهمية حضور (حزب القوات) في بلاد الاغتراب، من خلال 65 مركزاً (قُوَّاتياً) في العالم». ولفت إلى أن «المغترب اللبناني متحرر من الضغوط التي يتعرّض لها اللبناني في الداخل، ومعلوم أن اللبنانيين في بلاد الانتشار يؤيدون سيادة الدولة واستقلالها، وأن يكون في لبنان سلاح واحد هو سلاح الشرعية»، مؤكداً أن «ما بين 85 و90 في المائة من لبنانيي الانتشار يؤيدون طروحات (القوات اللبنانية)، لأنها طروحات سيادية».
أما القيادي في التيار الوطني الحرّ الوزير الأسبق ماريو عون، فعدّ أن زيارات القيادات إلى الخارج «تأتي في سياق محاولة استقطاب لبنانيي الانتشار إلى المعركة الانتخابية وحثّهم على التصويت، ومحاولة كل طرف شرح وجهة نظره بالنسبة للملفات اللبنانية والبرامج المطروحة». ولم يخفِ أنها «تعكس صورة التجاذبات الداخلية». وقال عون لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك في أن مشاركة المغتربين في الحياة السياسية؛ اقتراعاً أو ترشيحاً، سيكون لها تأثيرها في الانتخابات المقبلة، لكن لا أحد يعلم إذا ما كانت قادرة على التأثير وتحقيق التوازن الديموغرافي المفقود داخلياً»، لافتاً إلى أن «زيارات وزير الخارجية جبران باسيل إلى عدد من الدول، تأتي في إطار حث لبنانيي الانتشار؛ خصوصاً المسيحيين منهم، على العودة والمشاركة في الحياة السياسية، لا مجرّد أن يكونوا ضمن عملية حسابية للأصوات».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.