وزارة السياحة في غزة توقف جرف موقع أثري بعد احتجاجات واسعة

مؤسسات حكومية تتعاقد مع تجار بيع الرمال لجرف تلال تضم مستوطنة من العصر البرونزي

موقع تل السكن الأثري الذي يجري جرفه في قطاع غزة (أ.ب)
موقع تل السكن الأثري الذي يجري جرفه في قطاع غزة (أ.ب)
TT

وزارة السياحة في غزة توقف جرف موقع أثري بعد احتجاجات واسعة

موقع تل السكن الأثري الذي يجري جرفه في قطاع غزة (أ.ب)
موقع تل السكن الأثري الذي يجري جرفه في قطاع غزة (أ.ب)

اضطرت وزارة السياحة والآثار في قطاع غزة إلى اتخاذ قرار بوقف عملية تجريف موقع تل السكن الأثري وسط القطاع بعد احتجاجات وجدل واسع أثارته عملية التجريف للموقع الذي يضم آثار مستوطنة تم اكتشافها عام 1998 وتعود إلى العصر البرونزي الأول، أي قبل خمسة آلاف عام قبل الميلاد.
ومنذ ستة أسابيع تقوم جرافات وآليات تابعة لمؤسسات حكومية بالتعاقد مع تجّار بيع الرمال الذين يجرفون التلال الرملية والطينية في تل السكن، ما يؤدي إلى انكشاف وتحطم جدران طينية وآثار فخارية أثرية يحاول لصوص كل ليلة سرقتها بهدف بيعها لتجار الآثار.
ودشن نشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي حملة كبيرة لحماية الموقع الأثري، تزامنت مع تدخل مثقفين وكتاب وصحافيين فلسطينيين ضغطوا من أجل وقف التجريف في تلك المنطقة. كما تظاهر مواطنون من سكان المنطقة الوسطى للقطاع بحضور مخاتير ووجهاء وطالبوا حكومة الوفاق وكل المسؤولين الفلسطينيين بالتدخل السريع لوقع تجريف تل السكن.
ويأتي هذا الجدل في وقت نفت فيه وزارة السياحة صحة صور جرى تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي، موضحة أنها لمناطق أثرية أخرى ولا تنتمي إلى منطقة تل السكن وبعضها لآثار خارج حدود قطاع غزة.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن المنطقة يتم تجريفها من أجل إقامة أبراج سكنية خاصة بالموظفين في قطاع القضاء والنيابة أسوة بـ«موظفي حماس» الذين تم توزيع أراضٍ عليهم للحصول على شقق سكنية بدل مستحقاتهم المالية بعدما كانوا يتلقون راتباً بنسبة 50 في المائة فقط من راتبهم الأساسي، وهذا الأمر الذي دفع النيابة الفلسطينية إلى الدفاع عن عملية التجريف.
وعقدت جهات حكومية من مجلس الوزراء والنيابة العامة ووزارة السياحة والآثار وسلطة الأراضي والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، جلسات واسعة لمناقشة قضية التجريف وتداعياتها ظهر أمس السبت. وأكد مسؤولون في هذه الجهات، عقب انتهاء الاجتماعات، «التزامهم بالمحافظة على آثار وحضارة الشعب الفلسطيني وواجبهم في حمايتها من الاندثار أو الاعتداء عليها». وقالت المصادر إن الجهات الحكومية اتفقت على وضع خطط ومشروعات مستقبلية لمواصلة عملية التنقيب والحفريات في هذا الموقع الأثري والعمل على «كشف جوانب تاريخية وحضارية من تاريخ فلسطين القديم». وشددت المصادر على أن السلطات «ستمنع أي أعمال تجريف في المنطقة التي جرى تحديدها وتخصيصها كحرم للموقع الأثري (تل السكن) بحضور الخبير الفرنسي المختص وعدد من أساتذة التاريخ في الجامعات الفلسطينية»، مشيرة إلى أن الموقع سيخضع لسلطة وزارة السياحة والآثار بحكم تصنيفه «موقعاً أثرياً».
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن سلطة الأراضي «ستقوم بأعمال رفع المساحة وإسقاط الخرائط الورقية على الواقع وتركيب الزوايا وتحديد الحدود للموقع خلال 24 ساعة، وسيتم إضافة الشارع الهيكلي المجاور للموقع ملحقا للحرم الأثري حتى انتهاء مرحلة التنقيب والحفريات المتعلقة بالموقع».
وقالت إن وزارة السياحة «ستتولى تسييج محيط الموقع بالحدود المشار إليها وتقوم بوضع لافتات إرشادية وتعريفية واضحة بحدود الحرم الأثري بالكامل وذلك خلال أسبوع، فيما ستقوم سلطة الأراضي بتعيين حراسة دائمة للموقع تضاف إلى حراسة وزارة السياحة والآثار على مدار 24 ساعة، حتى انتهاء أعمال التسوية حول الموقع». ولفتت إلى أنه ستستمر عمليات تسوية الأراضي وإقامة الإنشاءات خارج إطار الحرم الأثري بمراقبة واطلاع وزارة السياحة والآثار، فيما ستعمل وزارة السياحة على إدراج الموقع في كل المخططات الهيكلية والإقليمية المعتمدة والمعمول بها في قطاع غزة بوصفها موقعا أثريا.
من جهتها، دافعت النيابة العامة في غزة بقوة عن عملية التجريف، وقالت إنها تأتي في منطقة بعيدة عن الموقع الأثري، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه نظراً إلى عدم وضوح الحدود الجغرافية اتخذ قرار سابق بوقف عملية التجريف بشكل احترازي على رغم عدم وجود شكوى رسمية. وأشارت النيابة إلى أنه تم فتح تحقيق تفصيلي بالقضية، ويتم إجراء التحريات وجمع الاستدلالات حول الأمر مع أي جهة لها علاقة بالتجريف، مضيفة أنه تم تبليغ الجهات المعنية بالحضور لتدوين إفادات حول الوقائع والرأي الفني في خصوص الموقع الأثري. وأضافت: «بعد إجراء التحري والتواصل مع وزارة الآثار اتضح أن أعمال التجريف تجري خارج حرم المنطقة الأثرية التي تم إصدار قرار من الجهات المختصة بتخصيصها موقعا أثريا بناء على توصية لجنة ضمت خبير الآثار الفرنسي وعدداً من خبراء الآثار المحليين». وتابعت: «تم تكليف وزارة السياحة والآثار وضع علامات وسياج فاصل لتوضيح حدود حرم الموقع الأثري بالضبط، للحفاظ عليه من العبث ولعدم تكرار اللغط حوله».
واعتبرت ما يجري من حراك وجدل أنه «أمر بالغ الخطورة يهدف إلى إثارة الرأي العام من خلال نشر صور يتم الادعاء بأنها تعود للموقع الأثري في منطقة تل السكن وأنه تم تجريفها»، مؤكدة أنها «ستلاحق كل من يثبت أنه أضر بالسلم المجتمعي». كما أكدت حرصها على المال العام والآثار العامة وحق المجتمع في الحفاظ على الموروث الثقافي والوطني وأنها لن تتوانى عن اتخاذ أي إجراءات بحق أي جهة يثبت بحقها مخالفة القانون.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.