أعلن الرئيس الانفصالي الكاتالوني، كارلوس بوجديمون، مساء أمس الثلاثاء، إنه يتعين على الإقليم أن يعلن استقلاله ويحترم نتيجة الاستفتاء الذي نظم قبل أيام، مضيفا أنه «سيعلق» آثار هذه الخطوة لتمنح فرصة «للحوار» مع الحكومة الإسبانية، مضيفا أن ما يقوله ليس تهديدا ولا يقصد به الإساءة. وقال بوجديمون لبرلمان الإقليم: «أقبل التفويض بضرورة أن تصبح كاتالونيا دولة مستقلة في صورة جمهورية... أقترح إرجاء آثار إعلان الاستقلال لإجراء محادثات بهدف التوصل إلى حل متفق عليه»، لكنه لم يصل إلى حد طلب دعم صريح من البرلمان لإعلان الاستقلال في تصويت.
وقال بوجديمون، إن أكثر من مليوني ناخب صوتوا بأكثرية مطلقة لصالح الاستقلال، رغم مصادرة صناديق الاقتراع والعنف الذي مورس من قبل الشرطة الإسبانية ضدهم.
وكان قد أرجئ خطاب بوجديمون أمام البرلمان الإقليمي لمدة ساعة، كما أعلنت حكومة الإقليم، مبررة ذلك بوجود اتصالات ترتبط بوساطة دولية محتملة. وكانت تترقب إسبانيا هذا الخطاب الحاسم لمعرفة ما إذا كان بوجديمون سيعلن الاستقلال.
وعقد بوجديمون، وهو صحافي سابق يبلغ من العمر 54 عاما، اجتماعا للحكومة صباح أمس الثلاثاء لاتخاذ قرار بشأن كيفية المضي قدما نحو الاستقلال الذي أجج مشاعر حماسية في الإقليم، وأثار مخاوف في بقية دول الاتحاد الأوروبي. وكان بوجديمون يعتزم تطبيق قانون وافق عليه برلمان الإقليم يدعو لإعلان الاستقلال خلال أيام إذا صوت سكان الإقليم بالموافقة في استفتاء الأول من أكتوبر (تشرين الأول). وقال متحدث باسم الحكومة الإقليمية لوكالة الصحافة الفرنسية: «أرجئت جلسة البرلمان لمدة ساعة» من دون توضيح أسباب هذا التأخير. وكانت الحكومة الإسبانية وجهت تحذيرا شديد اللهجة للرئيس الكاتالوني في وقت تحاول فيه التعامل مع أسوأ أزمة سياسية تعصف بالبلاد منذ عقود.
من جهته، حث رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، الرئيس الكاتالوني على تجنب اتخاذ أي قرار قد يجعل «الحوار مستحيلا». وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية ردا على سؤال حول كيفية رد المفوضية على مثل هذا الإعلان: «وجهنا الدعوة لجميع الأطراف المعنية للخروج من هذه المواجهة بأسرع وقت ممكن والبدء في حوار». وأضاف للصحافيين: «العنف، كما قلنا، لا يمكن أن يكون أداة سياسية»، مشيرا إلى بيان صدر الأسبوع الماضي. وتابع: «كما أبدينا ثقتنا بقدرة رئيس الوزراء ماريانو راخوي في إدارة هذه العملية الحساسة بما يتماشى تماما مع الدستور الإسباني والحقوق الأساسية للمواطنين».
وأغلقت أسواق الأسهم الأوروبية على انخفاض طفيف، أمس الثلاثاء، مع تهيئة المستثمرين أنفسهم لإعلان استقلال أحادي من برلمان كاتالونيا الذي قد يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق. المؤشر «إيبكس» في بورصة مدريد أظهر أداء أضعف مع هبوطه نحو واحد في المائة. ومن بين أسهم البنوك الإسبانية هبط سهم «بانكو سانتاندر» وسهم «كايكسا بنك» 3.0 في المائة و2.2 في المائة.
وكانت قد عززت الحكومة الإسبانية الأمن في المطارات ومحطات السكك الحديدية في الإقليم قبيل الجلسة البرلمانية، تحسبا لإعلان زعيم الإقليم الاستقلال عن مدريد. وقبيل الخطاب المقرر لبوجديمون أغلقت الشرطة الكاتالونية الحديقة المحيطة بمبنى البرلمان.
وصوت 90 في المائة من المشاركين في الاستفتاء المثير للجدل لصالح الانفصال. بيد أن نسبة الإقبال كانت 43 في المائة فقط من الناخبين في كاتالونيا. ويقول الكاتالونيون المؤيدون للانفصال، إن هذه أسباب كافية للانفصال عن إسبانيا، وهو هدف طالما سعى إليه هؤلاء الذين يقولون إن الإقليم الثري، الذي يملك أيضا ثقافته ولغته الخاصة، يقدم أموالا كثيرة للغاية للحكومة المركزية الإسبانية. ولكن المحكمة الدستورية الإسبانية قضت بأن جميع الخطوات التي يتخذها الإقليم نحو الاستقلال غير قانونية، ويواجه بوجديمون الاعتقال حال إعلان الانفصال.
وتعهد رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي بإبقاء بلاده موحدة، ولكن النهج الذي اتبعته حكومته عندما أرسلت الشرطة لعرقلة الاستفتاء، وما نتج عن ذلك من إصابة مئات الأشخاص قد تسبب في تدهور العلاقات بين مدريد وبرشلونة. وقال راخوي إنه سوف يعالج الأزمة في البرلمان اليوم الأربعاء. وأجرى قادة الاتحاد الأوروبي مشاورات، وقالوا إن الجانبين يحتاجان إلى التفاوض والتوصل إلى اتفاق مشترك.
وسيعمق إعلان الاستقلال أكبر أزمة سياسية تواجهها إسبانيا منذ محاولة انقلاب عسكري في عام 1981، وسيؤدي إلى إجراءات مضادة قوية من مدريد قد تشمل تعطيل عمل حكومة الإقليم.
وما زالت تقترب إسبانيا من المجهول رغم عدم إعلان استقلال كاتالونيا إحدى أغنى مناطق البلاد، ويمكن أن يتفاقم التوتر مع مدريد وتثير تبعاته التي لا يمكن التكهن بها قلق أوروبا.
وذكرت وسائل إعلام إسبانية، أن بوجديمون كتب وأعاد صياغة خطابه طوال نهار الاثنين، محاطا بمستشاريه ومترددا بين أنصار الرحيل بلا تردد والذين يخشون أن يكون العلاج، أي الاستقلال، أسوأ من العلة نفسها وهي وصاية مدريد. وهتف مئات الآلاف من الكاتالونيين المعارضين للاستقلال في مظاهرة كبيرة الأحد الماضي: «كفى!».
وهذه الكلمة استخدمتها أيضا أكبر منظمة لأرباب العمل «فومنت ديل تريبال» بعدما قررت خمس أو ست شركات كاتالونية مدرجة في مؤشر الأسهم في البورصة، نقل مقرها إلى خارج المنطقة. لكن معسكر بوجديمون شجعه على المضي قدما في خطته بمظاهرة كبيرة مقررة في محيط البرلمان.
كاتالونيون تجمعوا في وسط برشلونة لمشاهدة جلسة البرلمان على شاشات تلفزيونية نصبت في وسط المدينة (إ.ب.أ)