رغم نجاح المنتخب الإنجليزي في التأهل رسميا إلى نهائيات كأس العالم القادمة بروسيا، يشعر الجمهور الإنجليزي بخيبة أمل من المستوى الذي يقدمه منتخب بلادهم. وحتى خلال المباراة الأخيرة التي فازت فيها إنجلترا على سلوفينيا بهدف قاتل في الوقت المحتسب بدلا من الضائع لتضمن التأهل رسميا للمونديال، كان المدير الفني للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت واقفا طوال المباراة بالقرب من خط المرمى وتبدو على وجهه علامات القلق وسط صيحات الاستهجان من آن لآخر من الجمهور الإنجليزي الذي ملأ جنبات ملعب ويمبلي الشهير. وبعد انتهاء المباراة، خرج ساوثغيت يطلب من الجمهور التحلي بالصبر والوقوف إلى جانب المنتخب الإنجليزي خلال الفترة المقبلة.
وفي الحقيقة، تتمنى بعض المنتخبات الأخرى أن تكون في وضع المنتخب الإنجليزي الحالي بعد ضمانها التأهل للمونديال، مثل منتخب الأرجنتين الذي يواجه خطر الغياب عن كأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1970 بعد تعادله المخيب للآمال أمام بيرو على أرضه بملعب «لا بومبونيرا» الشهير. كما يحتل منتخب هولندا المركز الثالث في مجموعته ويواجه خطر عدم التأهل للمونديال، وحتى المنتخب البرتغالي حامل لقب كأس الأمم الأوروبية الأخيرة يواجه احتمال أن يخوض ملحقا يحدد ما إذا كان سيتأهل للمونديال أم لا، ولا يزال الأمل باقيا أمام المنتخب الإيطالي للتأهل عبر الملحق الأوروبي الفاصل.
وفي المقابل، تأهل المنتخب الإنجليزي لكأس العالم ولم يهزم في أي مباراة خلال التصفيات، ورغم كل ذلك هناك حالة من عدم الرضا من جانب الجمهور الإنجليزي!
والآن، سوف يخوض المنتخب الإنجليزي مباراته الأخيرة في تصفيات كأس العالم أمام ليتوانيا اليوم، ثم يلعب أربع مباريات ودية، على أقصى تقدير، قبل أن يختار ساوثغيت التشكيلة التي تمثل المنتخب الإنجليزي في نهائيات كأس العالم بروسيا. ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هي أوجه القصور التي يتعين على المنتخب الإنجليزي معالجتها حتى يتمكن من إعادة ثقة الجمهور في الفريق؟
الإبداع في منتصف الملعب
سيعود آدم لالانا إلى المشاركة مع نادي ليفربول قبل مباراتي المنتخب الإنجليزي الوديتين أمام البرازيل وألمانيا – اللذين جاءا في صدارة التصنيف الدولي للفيفا – الشهر المقبل، وسوف يدخل في تشكيلة المنتخب الإنجليزي على الفور، لكنه سيكتشف أن شعبيته قد تضاعفت أثناء فترة غيابه بسبب الإصابة، لأنه ترك فراغا كبيرا في خط وسط المنتخب الإنجليزي بعدما كان هو مصدر الإبداع. وفي الحقيقة، كان كل شيء رتيبا ومملا في مباراة المنتخب الإنجليزي أمام سلوفينيا يوم الخميس الماضي، كما كان الحال في معظم المباريات التي خاضها المنتخب الإنجليزي في التصفيات، حيث ينقل اللاعبون الكرة ببطء وبشكل مباشر بعيدا كل البعد عن الإبداع وعنصر المفاجأة بالنسبة للفريق المنافس، وخاصة عند مواجهة منتخبات تعتمد على التكتل الدفاعي. وفي المقابل، تكمن نقطة القوة في آدم لالانا في أنه لاعب مبدع وقادر على تمرير الكرات غير المتوقعة لزملائه في الفريق، فضلا عن تحركاته الذكية، وهي الصفات التي من شأنها أن تصنع الفارق بالنسبة للمنتخب الإنجليزي.
وقد يعتمد ساوثغيت أيضا على خدمات لاعب آرسنال جاك ويلشير، لكن ما هي الخيارات الأخرى المتاحة؟ هل يمكن القول إن لاعب خط وسط توتنهام هاري وينكس قدم ما يكفي لكي يتم التعويل عليه؟ وهل هناك أي لاعب آخر يمكن ضمه والاعتماد عليه لكي يصنع الفارق؟ يعتقد ساوثغيت بأن هناك عددا من اللاعبين الشباب القادرين على الظهور بمستوى رائع في أعلى المستويات، لكنهم بحاجة إلى ما يتراوح بين 18 و24 شهرا حتى يكونوا جاهزين للدفاع عن لواء المنتخب الإنجليزي. وبناء على ذلك، إذا كان لا يوجد لاعبون قادرون على صنع الفارق، فيجب تطويع طريقة اللعب والخطط التكتيكية بطريقة أفضل لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من المجموعة الحالية من اللاعبين.
الاعتماد على ثلاثة لاعبين في الخط الخلفي
يمكن القول إن أفضل أداء قدمه المنتخب الإنجليزي تحت قيادة ساوثغيت كان في المباراة التي خسرها أمام ألمانيا في مارس (آذار) الماضي، عندما جرب ساوثغيت الاعتماد على ثلاثة لاعبين في الخط الخلفي، وهم غاري كاهيل وكريس سمولينغ ومايكل كين خلف لاعبين اثنين في وسط الملعب، والاعتماد على كل من ديلي ألي وآدم لالانا خلف جيمي فاردي. ومكنت هذه الطريقة ظهراء الجنب من الانطلاق على أطراف الملعب بسرعة كبيرة، كما كان المنتخب الإنجليزي يمثل خطورة كبيرة في الهجمات المرتدة. وقد تكون هذه الطريقة مناسبة للمنتخب الإنجليزي للاستفادة من المجموعة الحالية من اللاعبين، خاصة أمام المنتخبات التي تعتمد على المغامرة في أدائها، في نهائيات كأس العالم. وسيكون الخطر الذي تواجهه إنجلترا أمام المنتخبات القوية التي تلعب من أجل الفوز أكبر من الخطر الذي تواجهه أمام المنتخبات التي تعتمد على التكتل الدفاعي، وهو ما سيتضح خلال المواجهتين المقبلتين أمام ألمانيا والبرازيل.
تأهل أندية إلى مراحل متقدمة من دوري الأبطال
اعترف ساوثغيت بأن العديد من لاعبي المنتخب الإنجليزي الحالي يفتقرون للخبرات اللازمة وأن هؤلاء اللاعبين سيواجهون منتخبات تعج بلاعبين كبار لديهم خبرات هائلة اكتسبوها من المشاركة في دوري أبطال أوروبا والفوز بالبطولات المحلية. لكن في الحقيقة، يضم المنتخب الإنجليزي لاعبين حصلا على بطولات أوروبية، وهما كاهيل وريان بيرتراند، فضلا عن لاعبين آخرين حصلوا على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز مع مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وتشيلسي. لكنه كان محقا عندما أعرب عن أمله في أن يتمكن لاعبون مثل ماركوس راشفورد وألي وكايل ووكر وجون ستونز من صقل خبراتهم من المشاركة في دوري أبطال أوروبا خلال الموسم الحالي واللعب على أعلى المستويات. ويتعين على اللاعبين الصغار أن يتعلموا كيفية اللعب تحت الضغوط الهائلة في المناسبات الكبرى. وكلما ازدادت خبرات اللاعبين المؤثرين في صفوف المنتخب الإنجليزي عن طريق المشاركة في أقوى البطولات، زادت فرصة المنتخب الإنجليزي في تحقيق نتائج أفضل في كأس العالم بروسيا.
إسبانيا لا... على الأقل مثل أيسلندا
وعندما سئل ساوثغيت يوم الخميس الماضي: «هل سنصبح مثل إسبانيا خلال الثمانية أشهر القادمة؟ رد قائلا: «لا، لن نصبح مثل إسبانيا». لكن لو قبلنا بحقيقة أن خيارات المنتخب الإنجليزي لن تتطور بصورة غير متوقعة، فهل يمكننا أن نتطلع على الأقل لأن نصبح مثل أيسلندا في كأس العالم؟ لا أعني طريقة اللعب بالضرورة، ولكن أعني الأداء والاعتماد على خطة واضحة تساعد اللاعبين على تقديم أفضل ما لديهم. لقد قدم منتخب أيسلندا أداء قويا في بطولة كأس الأمم الأوروبية 2016 لأن اللاعبين كان لديهم إيمان راسخ في قدراتهم وفي قدرتهم على تنفيذ الخطة التي كانوا يعتمدون عليها في المباريات.
ونتيجة لذلك ذهبوا بعيدا في كأس الأمم الأوروبية قبل أن يصطدموا بالمنتخب الفرنسي القوي، لكنهم قبل ذلك أطاحوا بالمنتخب الإنجليزي ووصلوا لدور الثمانية للبطولة.
وربما يفكر ساوثغيت في القيام بنفس الشيء، لكن إحدى المشكلات التي ظهرت بوضوح خلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم كانت تتمثل في أن المنتخب الإنجليزي، رغم كل الحديث عن تطور المستوى، لم يكن لديه خطة واضحة داخل الملعب. ربما يشعر المدير الفني بأن اللاعبين يطبقون طريقة اللعب وبأنهم يتبعون التعليمات التي تقال لهم في كل مباراة، لكنه ربما يكون مخطئا في ذلك لأنه لا يرى الأمور من الخارج. ولو أدرك الجمهور الهدف الذي يسعى المنتخب الإنجليزي الوصول إليه، فقد تقل حالة الشك التي يشعر بها المشجعون.