أنقرة: خطوات على الأرض خلال أيام لتطبيق اتفاق خفض التصعيد في إدلب

تزامناً مع عملية تغذية انشقاقات «تحرير الشام» وفصل المعتدلين بشمال سوريا

عنصران من قوات سوريا الديمقراطية يصوبان سلاحهما نحو عناصر {داعش} في الرقة أمس (أ.ف.ب)
عنصران من قوات سوريا الديمقراطية يصوبان سلاحهما نحو عناصر {داعش} في الرقة أمس (أ.ف.ب)
TT

أنقرة: خطوات على الأرض خلال أيام لتطبيق اتفاق خفض التصعيد في إدلب

عنصران من قوات سوريا الديمقراطية يصوبان سلاحهما نحو عناصر {داعش} في الرقة أمس (أ.ف.ب)
عنصران من قوات سوريا الديمقراطية يصوبان سلاحهما نحو عناصر {داعش} في الرقة أمس (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن الأيام المقبلة ستشهد خطوات على الأرض في سوريا بشأن إقامة منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب. ولفت إلى أنه سيجري تقاسم المهام داخل المنطقة وخارجها، ستتولى روسيا تأمينها من الخارج، بينما تتولى تركيا تأمينها من الداخل.
إردوغان اعتبر في تصريحات للصحافيين المرافقين له في رحلة عودته من العاصمة الإيرانية طهران تناقلتها وسائل الإعلام التركية أمس الخميس أن «هذه الخطوات ستوفر ضماناً لأمن المواطنين في المنطقة». وقال إن تركيا ستتخذ الخطوات نفسها التي اتخذتها في مدينتي جرابلس والراعي (بعد عملية «درع الفرات» التي نفذتها بالتعاون مع فصائل من الجيش السوري الحر) والتي أتاحت عودة 100 ألف شخص إلى بيوتهم في شمال سوريا.
كذلك أشار إردوغان إلى أنه بحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لتركيا الأسبوع الماضي تطبيق خطة منطقة خفض التصعيد في إدلب. وكان قد تم الاتفاق بين روسيا وتركيا وإيران خلال الجولة الأخيرة من مباحثات أستانة (عاصمة كازاخستان) في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي على إنشاء منطقة لخفض التصعيد في محافظة إدلب التي تسيطر «هيئة تحرير الشام» - التي تشكل جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) العنصر الغالب عليها - على مساحات واسعة من المحافظة.
هذا، وسبق أن أشارت تقارير صحافية تركية إلى معركة كبيرة فيها على غرار «درع الفرات» لطرد «هيئة تحرير الشام» منها بمشاركة قوات من الجيش التركي مع مقاتلين من فصائل «الجيش السوري الحر» المدعومة من أنقرة. إلا أن مصادر تركية أشارت لـ«الشرق الأوسط» إلى صعوبة تنفيذ مثل هذه العملية في الظروف الراهنة، وأن تركيا تعمل على «سيناريو» يقضي بتفكيك «هيئة تحرير الشام» وإضعافها، وتوحيد فصائل «الجيش السوري الحر» في الوقت نفسه.
وفي السياق ذاته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريحات له أول من أمس إن تركيا تسعى لإبعاد عناصر المعارضة المسلحة عن تحالف للجماعات المتشددة بقيادة «جبهة النصرة»، التي تسيطر على محافظة إدلب، كخطوة باتجاه تنفيذ اتفاق منطقة خفض التوتر بين بلاده وروسيا وإيران. وتعد إدلب واحدة من أربع مناطق خفض التوتر اتفقت تركيا وروسيا وإيران على إقامتها وتشمل محافظة ريف دمشق وريف محافظة حمص والجنوب السوري، وذلك كخطوة من أجل فتح الباب أمام مباحثات وتسوية سلمية للصراع في سوريا. لكن، «جبهة النصرة» تعهدت بمواصلة القتال في إدلب، وهو ما يقلل من احتمالات أن تقدم تركيا على نشر مراقبين من جيشها في داخلها، على الرغم من رغبتها في ذلك من أجل حماية الفصائل الموالية لها من التعرض لضربات النظام السوري والأطراف الأخرى.
أيضاً أكد جاويش أوغلو أن المرحلة الأولى - الجارية الآن بالفعل - تشهد عملية الفصل بين المعارضين المعتدلين والمنظمات الإرهابية، في إشارة إلى «جبهة النصرة» التي كانت أعلنت قطعها علاقاتها بتنظيم «القاعدة» العام الماضي، وغيرت اسمها إلى «جبهة فتح الشام»، وهي اليوم تقود تحالف «هيئة تحرير الشام» الني تصنفها تركيا كمنظمة إرهابية.
وشبّه الوزير التركي الفصائل التي تحارب النظام السوري بـ«عائلة ممزقة»، مشيراً إلى أنه «من الضروري تجنّب إراقة الدماء عشوائياً»، وانتقد الضربات الجوية الروسية والسورية المستمرة على إدلب التي قال إنها تقتل المدنيين. ثم أضاف: «تصور أسرة لها أربعة أبناء، اثنان أعضاء في الجيش السوري الحر المدعوم من الجميع، والثالث ليست له صلة بأي جهة، والأخير عضو في جماعة إرهابية... ماذا نفعل؟ هل نقصف هذه الأسرة ونقتلها كلها، الأم والأب والأطفال الصغار؟ يتعين أن نحدد الشخص وأن نفصله عن الآخرين». وأوضح، من ثم، أن العمل على فصل المتشددين عن الفصائل الأخرى يسير بسرعة، لكن التطبيق يحتاج إلى الدقة وسيتطلب دعماً دولياً واسع النطاق.
في هذه الأثناء، أكد مصدر في المعارضة السورية مضمون تصريحات جاويش أوغلو، وقال لوكالة «رويترز» إن دولا أجنبية «تبذل جهودا لتشجيع الانشقاق عن هيئة تحرير الشام لتفتيتها وعزلها وتقليص قدرتها على التصدي لنشر القوات التركية داخل إدلب». وأردف «فيما يتعلق بجبهة النصرة، إنهم يعملون على إضعافها عن طريق عمليات مخابراتية قد تشمل اغتيالات وحملات لتقليص التأييد الشعبي لها، والهدف هو تشجيع المقاتلين المتشددين من غير الأعضاء في تنظيم القاعدة على الاندماج في المجتمع».
ما يجدر ذكره أنه يقيم نحو مليوني شخص على الأقل في محافظة إدلب، بأقصى شمال غربي سوريا، وهي أكبر منطقة مأهولة تسيطر عليها المعارضة في سوريا. ومن بين القوى المسيطرة عليها بعض فصائل «الجيش السوري الحر» التي قاتلت في بعض الأحيان في صفوف المتشددين. وازدادت أعداد سكان المحافظة مع تدفق آلاف المدنيين والمقاتلين الذين غادروا مناطق استعادتها قوات النظام في أجزاء أخرى من البلاد بمساعدة غطاء جوي روسي وفصائل مسلحة تدعمها إيران. وفي المقابل، تسيطر تركيا بالفعل على مساحات كبيرة من شمال سوريا إلى الشرق من إدلب منذ توغلها العسكري في البلاد عام 2016. وحسب المصدر المعارض فإنه من الممكن نشر ما يصل إلى ألفي مقاتل تدربهم القوات التركية في إدلب، حيث يوجد كثيرون ممن تربطهم علاقات طيبة بتركيا، وقد يرحبون بالوجود التركي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».