لم ينم سكان كركوك ليل الأحد - الاثنين، بل جابوا شوارع المدينة في مواكب سيارة وأطلقوا الأبواق احتفالاً بقرار مشاركة محافظتهم المتنازع عليها بين بغداد وأربيل في استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق الذي أجري أمس.
لكن في الصباح ساد هدوء تام الشوارع التي تشهد انتشاراً أمنياً كثيفاً لقوات «الأسايش» (قوى الأمن الكردية)، لا سيما عند أبواب مراكز الاقتراع، إلى جانب وجود لقوى الشرطة المحلية التابعة لحكومة بغداد.
ففي مركز اقتراع أقيم في مدرسة المتوكل الابتدائية في وسط المدينة، رصدت وكالة الصحافة الفرنسية دخول ناخبين وناخبات يرتدون الزي الكردي التقليدي، بفرح واضح للإدلاء بأصواتهم. لكن بعد ساعتين من فتح مراكز الاقتراع، كان الإقبال لا يزال ضعيفاً.
وقالت ابتسام محمد بعد الإدلاء بصوتها: «صوتّ بكل شرف. لو كان لدي 20 إصبعاً لكنت صوتّ بالأصابع العشرين من أجل دولتي». ورفعت إصبعها الذي بدا عليه الحبر الأزرق لتأكيد أنها أدلت بصوتها. ووضع عدد من الناخبين وشاحاً على أعناقهم بألوان علم كردستان. وقال توانا عبد الدين (33 عاماً) من قوات «الأسايش»: «صوتّ للدولة التي أريدها، لمستقبل أفضل، ولأمان أكثر... كل شخص يتمنى أن يكون له وطن يعيش فيه بأمان».
وبدت حركة السير خفيفة جداً بالمقارنة مع أول من أمس حين عمت الاحتفالات الشوارع. لكن من المآذن، ارتفعت هتافات التكبير، وكأنه يوم عيد. وكان أكراد كركوك المنقسمة عرقياً انفجروا فرحاً مساء أول من أمس بعد إعلان رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني المضي في الاستفتاء في المدينة المتنازع عليها. وبدأت السيارات تجوب وسط المدينة رافعة الأعلام الكردستانية ومطلقة أبواقها إيذاناً بـ«فجر جديد»، كما قال نوزاد حميد الذي لف نفسه بالعلم ذي الألوان الخضراء والبيضاء والحمراء، وأشار إلى الشمس التي تتوسط العلم، مضيفاً أن «هذه الشمس ستشرق غداً، غداً فجر جديد للأكراد، ولكل أهالي كركوك وكردستان».
ووقفت فتيات على سيارة بيك آب بيضاء اللون، ولونّ وجوههن بعلم «الدولة»، يرقصن ويهللن ويطلقن الزغاريد، على مرأى من قوات الأمن التي انتشرت ليلاً في شوارع المدينة تحسباً لأي إشكال.
ويتألف سكان المدينة من أكراد وتركمان أعلنوا رفضهم إجراء الاستفتاء وعرب. ولا تشكل المدينة الغنية بالنفط جزءاً من إقليم كردستان، لكن الأكراد يريدون ضمها إليه، الأمر الذي ترفضه الحكومة العراقية المركزية.
ويرى بعض العرب القاطنين في المنطقة أن استقلال الإقليم واقتصاده سيحسن من مستوى معيشتهم. وقالت مديرة مدرسة المتوكل، المعاونة في المركز الانتخابي إن «الاستفتاء هو لكل محافظة كركوك، وليس للأكراد فقط. أنا عربية، وأنا مع الاستفتاء بهدف ضمان الحقوق والأمن والعيش برفاهية».
واعتبر سلام جمعة، وهو صاحب محل زهور في كركوك، أن «الاستفتاء حرية تعبير. فليصوّت الناس بنعم أو لا. الاستفتاء لن يحل المشكلات في يوم واحد. نحن العرب والتركمان لسنا مع الاستفتاء ولا ضده، نريد السلام فقط». وأضاف: «أنا سأصوت لنفسي، كي لا يضيع صوتي. سأصوت لما أراه صحيحاً. وهذا ما قلته لزوجتي. سأصوت لما أعتقد به».
وكان محافظ كركوك نجم الدين كريم الذي أقاله البرلمان العراقي قبل أسبوعين رداً على تأييده الاستفتاء، عقد مؤتمراً صحافياً في منزله، مساء أول من أمس، دعا فيه «جميع مواطني كركوك من التركمان والعرب والأكراد والكلدان والآشوريين والمسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة إلى أن يتوجهوا لصناديق الاستفتاء ويصوتوا بنعم لاستقلال كردستان» في «اليوم الحاسم».
وصباح أمس، كان سامي عبد الرحمن (22 عاماً)، وهو طالب هندسة معمارية، أحد الذين لبوا النداء. وقال بعد خروجه من مركز الاقتراع: «كنت أنتظر هذا اليوم منذ ولدت. هذا عيد مولد جديد بالنسبة إليّ. أنا سعيد جداً». وأضاف أن «جدتي لم تستطع الحضور لأنها مريضة جداً. قالت لي: عليك أن تصوت بنعم لأن أعمامي استشهدوا من أجل هذا اليوم. فكيف أقول لا لاستقلال كردستان؟».
لكن من الواضح أن الاستفتاء لا يحظى بالإجماع في المدينة التي أطلق عليها يوماً الرئيس العراقي السابق جلال طالباني اسم «قدس كردستان»، بسبب القلق من تداعيات سلبية محتملة لنتائج الاستفتاء، ووسط تحذير البعض من أن يكون شرارة لانطلاق حرب أهلية.
ويلجأ بعض سكان كركوك إلى الفكاهة لتنفيس التوتر، فيذكر أحدهم أن الموصل، ثاني أكبر مدن العراق والتي عانت من سيطرة تنظيم داعش بين 2014 و2017، تشتهر بالكبّة، بينما عاصمة الإقليم الشمالي أربيل معروفة باللبن الطيب. ويقول: «انتظرنا 3 أعوام لنستعيد كبّة الموصل، لا نريد اليوم أن نخسر لبن أربيل».
10:46 دقيقه
احتفالات الليل في كركوك يمحوها هدوء نهار الاستفتاء
https://aawsat.com/home/article/1034006/%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%B1%D9%83%D9%88%D9%83-%D9%8A%D9%85%D8%AD%D9%88%D9%87%D8%A7-%D9%87%D8%AF%D9%88%D8%A1-%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A1
احتفالات الليل في كركوك يمحوها هدوء نهار الاستفتاء
طابور أمام مركز اقتراع في كركوك أمس (رويترز)
احتفالات الليل في كركوك يمحوها هدوء نهار الاستفتاء
طابور أمام مركز اقتراع في كركوك أمس (رويترز)
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
