الإسكندرية تستعيد «كليوباترا» في احتفالية عالمية بالميناء الشرقي

يخرجها خالد يوسف بهدف تنشيط سياحة الآثار الغارقة

شعار الاحتفالية
شعار الاحتفالية
TT

الإسكندرية تستعيد «كليوباترا» في احتفالية عالمية بالميناء الشرقي

شعار الاحتفالية
شعار الاحتفالية

تطل الملكة البطلمية «كليوباترا السابعة» التي حيرت العالم وألهمت الشعراء والأدباء من معبد مشيد بقلعة قايتباي، لتعتلي مركب الشمس الفرعونية مع حاشيتها ووصيفتها بزيهم الفرعوني، لتصل إلى محافظ الإسكندرية الحالي وتسلمه مفتاح مدينتها، ثم تغوص مع الحاشية فوق أطلال قصرها الملكي القابع في أعماق الميناء الشرقي القديم. تلك تفاصيل الاحتفالية العالمية التي تشهدها مدينة الإسكندرية يوم 30 سبتمبر (أيلول) الحالي، وتحمل اسم «حلم كليوباترا» ويقوم بإخراجها المخرج السينمائي خالد يوسف.
ينظم الاحتفالية مركز «أليكس دايف» وهيئة تنشيط السياحة ووزارة السياحة ومحافظة الإسكندرية ومكتبة الإسكندرية، وجامعة الإسكندرية، وذلك بالتزامن مع احتفالات العالم باليوم العالمي للسياحة الذي يوافق 27 سبتمبر من كل عام. وقد امتلأت شوارع المدينة بصور كليوباترا وشعار الاحتفالية، كما تم بناء مجسمات للمعابد البطلمية المحاكية للمعابد القديمة التي شيدت في عصر كليوباترا، لتتجسد أسطورة الملكة التي حكمت مصر لنحو عشرين عاما (من عام 51 إلى عام 30 ق.م)، وكانت حياتها مليئة بالإثارة والمعارك السياسية والعاطفية، وأثار لغز وفاتها وروايته الدرامية كبار الأدباء حول العالم منهم: بلوتارك، وشكسبير، ودريدن، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وغنى لها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1953 «كليوباترا... أى حلمٍ من لياليكِ الحسانِ، طاف بالموجِ فغنّى وتغنّى الشاطئانِ».
تقوم بدور الملكة «كليوباترا» الطالبة ناتالي منصور، وهي طالبة بالجامعة الأميركية وتجيد أربع لغات، وهي بطلة سباحة شاركت في مسابقات دولية... وتمتد فعاليات الاحتفالية حتى منتصف الليل، وتتضمن فقرات وعروضا للموسيقى الفرعونية والغناء الأوبرالي، يقوم بتغطية الاحتفالية الصحف والوكالات والقنوات العالمية، ومنها: «ناشيونال جيوغرافيك»، و«ديسكفري»، و«بي بي سي» التي ستقوم بتصوير الملكة وحاشيتها أثناء الغوص فوق أطلال القصر الغارق وبقايا فنار الإسكندرية الأسطوري، أحد عجائب العالم القديم.
وعن الهدف من الاحتفالية، يقول الدكتور أشرف صبري، استشاري طب الأعماق، ومالك مركز الإسكندرية للغطس «أليكس دايف» المنظم للاحتفالية لـ«الشرق الأوسط»: إن «الهدف الرئيسي من الاحتفالية هو تنشيط السياحة بالإسكندرية وتسليط الضوء على مقوماتها السياحية، ومنها سياحة الغوص، وبخاصة مع وجود المدينة الغارقة وحطام سفن يعود للقرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الثاني الميلادي، ونابليون بونابرت، وأيضا السفن التي تعود للحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي سياحة من نوع خاص لها عشاقها، لكن ينقصها الترويج لها».
وتنفرد مدينة الإسكندرية بوجود مجموعة رائعة من الآثار الغارقة التي تجمع بين 3 حقب مختلفة، هي: الفرعونية والإغريقية والرومانية، التي تضمها المدينتان الغارقتان الأولى مدينة «كليوباترا» وبها 11 ألف قطعة أثرية، قابعة في مياه الميناء الشرقي القديم، والثانية مدينة «هيراكليون» في أبي قير، التي تقبع بها مراكب نابليون أهم أسطول في العالم في القرن الـ17 الميلادي، إضافة إلى 72 مركبا تنتمي للعصر الروماني في القرن الثاني الميلادي.
ويضيف صبري: «أهم ما في هذه الاحتفالية هو تعاون القطاع الخاص مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والمحليات والوزارات ومنظمات دولية تابعة للأمم المتحدة مع قطاعات الجيش والشرطة لأول مرة في التنظيم، حيث تتضمن الاحتفالية عروضا جوية وأكروبات بحرية، ونسعى لوجود يخت المحروسة التاريخي ليشارك في الموكب البحري، كما نعد لإطلاق أغنية «فرانكو أراب» تمزج الألحان المصرية مع العالمية للترويج للسياحة وتتحدث عن كليوباترا والإسكندرية».
ويقول: «نأمل أن تكون تلك الاحتفالية بداية لسلسلة مهرجانات إغريقية وفرعونية، تروج للتاريخ والحضارات التي تعاقبت على أرض مصر، تجذب السائحين من مختلف القارات وليس فقط السائح الأوروبي والأميركي وتجدد وعي الشباب المصري بتاريخهم وعظمة حضارتهم».
وفي اليوم التالي للاحتفالية، تحتضن مكتبة الإسكندرية، مؤتمرا بحضور الوزراء والسفراء الداعمين للاحتفالية، يتحدث فيه مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقي، والدكتور أشرف صبري، مدير مركز الإسكندرية للغوص الذي سيعرض فيلما وثائقيا عن الآثار الغارقة بالميناء الشرقي، والاكتشافات التي قام بها وعثوره على 20 سفينة من الحربين العالميتين الأولى والثاني.
وتختتم فعاليات الاحتفالية بساحة المكتبة «البلازا»، حيث تنتظر الملكة كليوباترا بزيها المميز وحاشيتها في موكب مكون من 50 شابا وفتاة بالزى الفرعوني، لأخذ الصور التذكارية.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.