ماكرون يواجه أول تحدياته الاجتماعية

مظاهرات ومسيرات وإضرابات احتجاجاً على قانون العمل

الشرطة الفرنسية تشتبك أمس مع المتظاهرين في غرب فرنسا خلال الاحتجاجات التي اجتاحت العديد من المدن  (أ.ف.ب)
الشرطة الفرنسية تشتبك أمس مع المتظاهرين في غرب فرنسا خلال الاحتجاجات التي اجتاحت العديد من المدن (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يواجه أول تحدياته الاجتماعية

الشرطة الفرنسية تشتبك أمس مع المتظاهرين في غرب فرنسا خلال الاحتجاجات التي اجتاحت العديد من المدن  (أ.ف.ب)
الشرطة الفرنسية تشتبك أمس مع المتظاهرين في غرب فرنسا خلال الاحتجاجات التي اجتاحت العديد من المدن (أ.ف.ب)

أخذت الغيوم الداكنة تتكثف فوق قصر الإليزيه حيث يتعين على رئيس الجمهورية وحكومته مواجهة النقمة الشعبية بسبب إصلاح قانون العمل الذي يصفه معارضوه بأنه يشكل «خطوة اجتماعية إلى الوراء» و«هدية» لأرباب العمل. وجاءت جملة المظاهرات والمسيرات والإضرابات التي جرت أمس بدعوة من نقابة رئيسية هي الفيدرالية العامة للشغل وبدعم من اليسار وبمشاركة الطلاب بمثابة إنذار أول للعهد الجديد، كما أكد إيمانويل ماكرون عدة مرات، على الاستمرار في العملية الإصلاحية من غير تردد. وبعد نهار أمس، يتهيأ الفرنسيون ليعيشوا يومين إضافيين من المظاهرات والمسيرات والإضرابات على خلفية التوترات الاجتماعية: الأول، في 21 الجاري، بدعوة من الجهات نفسها التي نظمت يوم أمس والثاني في 23 منه بدعوة من اليسار المتشدد وزعيمه غير المنازع جان لوك ميلونشون الذي دعا إلى مسيرات حافلة في باريس والمدن الكبرى احتجاجا على ما يسميه «الانقلاب الاجتماعي» الذي يقوده ماكرون وحكومته.
وتأتي هذه الاحتجاجات التي تزامنت مع الكارثة الكبيرة التي ضربت جزيرتي سان بارتليمي وسان مارتن التابعتين لفرنسا في بحر الكاريبي بسبب إعصار «إيمرا» مع ما أفضت إليه من جدل حول «تخاذل» الدولة في استباق الكارثة والتعامل مع نتائجها، على خلفية التأكل السريع لشعبية الرئيس الفرنسي الشاب والشكوك التي أخذت تحوم حول النتائج المترتبة على سياسته الاقتصادية والاجتماعية التي يراها الكثيرون لصالح الأثرياء وعلى حساب الطبقتين الوسطى والدنيا.
وجاءت التدابير الأولى الاجتماعية والمالية والضريبية التي أقرتها الحكومة لتزيد من نقمة الفرنسيين الذين يتخوفون من نتائج النهج الليبرالي الذي تسير عليه. وبذلك، فإن احتجاجات يوم أمس ضمت طلابا ومتقاعدين وعمالا وموظفين خائفين على مستقبلهم وعلى نظام الرعاية الاجتماعية والصحية ولم تعد فقط للتعبير عن رفض إصلاح قانون العمل الذي أقرته الحكومة بمراسيم صادرة عن رئيس الجمهورية.
وجاءت تصريحات ماكرون عندما كان في زيارة رسمية في اليونان والتي كررها أول من أمس في مدينة تولوز حول رفض «الخانعين والكسلاء» للعملية الإصلاحية والتعبير عن «تصميمه» على السير بها حتى النهاية لتصب الزيت على النار وتخلق هوة بين الرئيس وبين شرائح واسعة من المواطنين. وجاء من يذكر ماكرون بأن أطيافا واسعة من الفرنسيين لا تريد سياسة ليبرالية - يمينية وأنهم اقترعوا لصالحه في الانتخابات الرئاسية ليس بسبب انخراطهم في برنامجه الانتخابي بل لقطع الطريق على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن.
في أواخر عهد الرئيس الاشتراكي السابق فرنسوا هولند سعت حكومته لإصلاح قانون العمل الذي سمي وقتها «قانون مريم الخمري» التي كانت وقتها وزيرة للشؤون الاجتماعية. والحال أن قانون الخمري أفضى إلى هزات اجتماعية دامت شهورا طويلة وأنزلت مئات الآلاف من الفرنسيين إلى الشوارع. وقتها كان ماكرون (قبل أن يخرج من الحكومة) وزيرا للاقتصاد. والمشكلة أن إصلاحات العهد الجديد تذهب أبعد بكثير مما ذهب إليه قانون الخمري لجهة إعطاء أرباب العمل مزيدا من السهولة في تسريح العمال والموظفين وخفض التعويضات التي يمكن أن يحصلوا عليها وتحجيم دور النقابات في المفاوضات الخاصة بالرواتب وأوقات العمل وخلافها.
وسارع فيليب مارتينيز، زعيم نقابة الفيدرالية العامة للشغل إلى التأكيد أن المظاهرات والإضرابات والمسيرات «ستدفع ماكرون إلى التراجع». وأضاف مارتينيز: «هذا البلد لا يريد نظاما ليبراليا إذ نحن في فرنسا وليس في بريطانيا».
يوم أمس كان إذن أول الغيث، حيث شهدت باريس والمدن الرئيسية والكبرى والمتوسطة مظاهرات كبيرة. وترافق ذلك مع حركة إضرابات طالت قطاع النقل خصوصا في باريس والضواحي والصحة والتعليم والكهرباء والطيران. وككل مرة، دفع المواطنون أول الأثمان خصوصا في قطاع النقل. وأكدت الفيدرالية العامة للشغل أن نحو 4 آلاف دعوة للإضراب أطلقت بما يتخطى تحفظات النقابات المترددة أو الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي رغم دعمه للحركة العمالية، فإنه رفض الدعوة إليها أو المشاركة فيها بصفة رسمية. وفي باريس سار نحو ستين ألف شخص بين ساحة «لا باستيل» الشهيرة وسط العاصمة وساحة «إيطاليا» يتقدمهم فيليب مارتينيز وقادة النقابة الآخرون وشخصيات يسارية أبرزها بونوا هامون، المرشح الرئاسي سيئ الحظ عن الحزب الاشتراكي في الانتخابات الأخيرة. وأكدت شرطة باريس أن نحو 300 مقنّع اندسوا في صفوف المتظاهرين للتخريب. واستهداف المحلات التجارية. وتم توقيف مجموعة من الأشخاص خلال وبعد أعمال العنف.
ورغم أهمية اليوم الاحتجاجي الأول، فإن الحكومة لا تبدو قلقة لسبب رئيسي، هو انقسام الجبهة النقابية، بعكس ما حصل العام الماضي مع «قانون الخمري» والحرب الداخلية القائمة فيما بينها. ذلك أن الفيدرالية العامة للشغل قريبة من الحزب الشيوعي بينما الكونفدرالية العامة قريبة من الحزب الاشتراكي. أما النقابة الرئيسية الثالثة المسماة «القوة العمالية»، فإنها حريصة على استقلاليتها. يضاف إلى ذلك وجود نوع من الحذر بين الأحزاب والنقابات. وتبدو حركة «فرنسا المتمردة» التي يقودها جان لوك ميلونشون الأكثر انخراطا في الاحتجاجات الاجتماعية، فيما يعتبر ميلونشون نفسه «المعارض الأول» لعهد الرئيس ماكرون.
في أي حال، فإن يوم أمس يعد بمثابة «اختبار» لرئيس الجمهورية وحكومته اللذين نجحا في الحصول على تفويض قانوني من البرلمان للتشريع بموجب مراسيم وليس المرور عبر البرلمان ومشاريع القوانين التي كانت ستأخذ أسابيع وأشهرا قبل أن تقر. والمنتظر اليوم من ماكرون أن يطلق مبادرات تبين أنه مهتم أيضا بالمواطنين الضعفاء وأنه ليس «فقط» رئيسا للأغنياء.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».