إسرائيل تستعد لـ«معارك أخرى» بعد انتهاء الحرب السورية

TT

إسرائيل تستعد لـ«معارك أخرى» بعد انتهاء الحرب السورية

يبدو أن الحرب السورية على مشارف مراحلها النهائية. وفي الخامس من سبتمبر (أيلول) كسرت قوات النظام السوري، بمشاركة وثيقة من قوات روسية وميلشيات إيران، حصار «داعش» على محافظة دير الزور. ووصول قوات الإغاثة في المدينة، يعد أحد أهم التطورات في ساحة المعركة السورية منذ استيلاء قوات النظام على مدينة حلب؛ ما يعكس مقدار الزخم الذي اكتسبته هذه القوات واليد الطولى التي تبسطها على مجريات الأحداث في الحرب الأهلية منذ عام مضى.
وفي اليوم نفسه من وصول قوات النظام إلى محافظة دير الزور، بدأت إسرائيل أكبر مناورة عسكرية لها منذ عام 1998، وتركز المناورة التي تضم مختلف الأفرع الرئيسية في الجيش الإسرائيلي على الاستعداد لحرب محتملة مع «حزب الله» على طول الحدود الشمالية. ومن المقرر أن تستمر المناورة لمدة 10 أيام، وتشتمل على عشرات الآلاف من القوات العسكرية الإسرائيلية. والمناورة، التي وضعت خططها قبل أكثر من عام كامل، ليست بمنأى عن التطورات الجارية على الصعيد السوري. إذ كانت إسرائيل تراقب، وعن كثب، ميدان المعارك السورية، ويساورها قلق بالغ إزاء الزخم الذي حازته قوات النظام المدعومة من القوات الإيرانية والروسية خلال العام المنقضي.

السيطرة على سوريا وحدود
يدرك قادة إسرائيل وفي شكل متزايد، أن الحرب السورية على مشارف مراحلها النهائية. ومع تراجع حدة الصراع، إلى جانب إعادة بسط قوات النظام سيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد، لن يكون «حزب الله» مستنزفاً بالأعباء الثقال ومثقلة بانخراط عناصر الحزب في القتال السوري. وربما يكون «حزب الله» في واقع الأمر أكثر مقدرة على إعادة نشر القوات في لبنان، متعززا بسنوات من الخبرات القتالية العسيرة، فضلا عن المزيد من الأسلحة والعتاد والدعم المستمر من سوريا وإيران. وتسهم قوات حامية دير الزور بدورها في الدعم المستمر لـ«حزب الله» المنتظر زيادته في الفترة المقبلة: واستعادة المدينة يفسح المجال لاستكمال خط الإمداد اللوجيستي القادم من إيران عبر العراق وصولا إلى سوريا، ثم إلى لبنان. ووصول قوات النظام حتى الحدود العراقية ليس وشيكا. هي لا تزال في حاجة إلى ترسيخ سيطرتها على المدينة، ووقف الهجمات المضادة التي يشنها «داعش»، وعبور نهر الفرات. ورغم ذلك، ومع وجود الحدود العراقية على مسافة تقل عن 100 كيلومتر (62 ميلا) شرق دير الزور عبر المناطق ذات الكثافة السكانية الضئيلة، فإن وصول قوات النظام إلى هناك بات أكثر تأكيدا من أي وقت مضى. وفي مقابل هذا التقدم للقوات الموالية على الصعيد الشرقي، نجد مقاتلي العشائر العربية من «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي بضعة آلاف من القوات المنتشرة حول الشدادي إلى الشمال. وهذه القوات المدعومة من الولايات المتحدة تطمح وبكل وضوح إلى التحرك جنوبا، وقد ينتهي بها الأمر إلى مناوشات مع القوات الموالية عبر طريقها نحو الحدود العراقية. وينتشر في المنطقة أيضا الكثير من حقول النفط والغاز الطبيعي؛ ما يثير المزيد من المنافسة – وربما القتال. غير أن توازن القوات في المنطقة يميل بشكل حاسم نحو كفة قوات النظام. وفي غياب العمل العسكري الأميركي المباشر والمستمر في دعم «قوات سوريا الديمقراطية» للتوجه جنوبا؛ مما يحبط محاولات قوات النظام للتقدم (مع كافة التداعيات التي تلقي هذه الخطوة بتبعاتها على إيران وروسيا)، ينبغي أن تتمكن قوات النظام من الاستيلاء على حقول الطاقة والوصول إلى الحدود العراقية إلى الشرق من نهر الفرات. وحتى في حال عدم قدرة قوات النظام على الاستمرار، ستكون رغم ذلك قادرة أيضا على تأمين خط الإمدادات إلى إيران من خلال الاستيلاء على الطريق الواصل إلى البوكمال صوب الجنوب والذي يمر عبر العراق عند النقطة الحدودية على الضفة الغربية لنهر الفرات.

المنهاج الأكثر عدوانية
في وجود الطريق البري الإيراني المباشر إلى لبنان، من المؤكد ودعم ميليشيات مسلحة قادرة على الوفاء بالتزامها في الحرب السورية، فإن إسرائيل تواجه الاحتمالات المتزايدة التي يتعين عليها التعامل معها للمواجهة الحتمية مع «حزب الله» التي ازدادت قوة. ويبدو أنه قاربت على الإغلاق تلك النافذة التي يمكن لإسرائيل من خلالها مهاجمة «حزب الله» جراء تشتت وتمدد قواته وفاءً لالتزاماته في سوريا. ولذلك؛ ومع إجراء إسرائيل أكبر مناورة عسكرية خلال عشرين عاما الماضية، يجب تذكر أن الاستعدادات العسكرية ليست كلها دفاعية.
وعلى الأرجح، فإن إسرائيل ستتبنى سياسة أكثر عدوانية تجاه «حزب الله» في الشهور المقبلة. ويعتمد اتساع هذا النهج على حسابات القادة الإسرائيليين، وسيتراوح رد الفعل بين تكثيف الضربات ضد قوافل «حزب الله» وشن حرب استباقية صريحة ضد منظومة صواريخ الحزب في لبنان. وحتى في حال اكتفاء إسرائيل بتكثيف نطاق ضرباتها لـ«حزب الله» في سوريا، فإن احتمالات نشوب صراع بين إسرائيل و«حزب الله» كبيرة جدا، وبخاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الحزب يفكر في حتمية الانتقام لمنع المزيد من الهجمات الإسرائيلية. وقد تؤدي الحرب السورية إلى نشوب حرب إقليمية أخرى، حتى وإن قاربت آخر مراحل الحرب الجارية على الانتهاء.
* استناداً إلى تحليل من مركز «ستاتفور» الاستخباراتي



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.