التسوق الإلكتروني يعيد تشكيل سوق التجزئة

متاجر أميركية تفلس وأخرى تعاني

التسوق الإلكتروني يعيد تشكيل سوق التجزئة
TT

التسوق الإلكتروني يعيد تشكيل سوق التجزئة

التسوق الإلكتروني يعيد تشكيل سوق التجزئة

يشهد قطاع تجارة التجزئة الأميركية تحولات عميقة قد تغير شكله ومضمونه تدريجياً وجذرياً. ولذلك أسباب كثيرة، بينها زيادة الإقبال على التسوق عبر الإنترنت، فهذا الإقبال يسجل معدلات نمو من خانتين منذ عدة سنوات. وفي النصف الأول من العام الحالي، كان النمو 14.2 في المائة.
ففي الوقت الذي تغلق فيه محال وفروع، مع تسريح عمالة من المتاجر التقليدية، تعلن شركة «أمازون» عن وظائف بعشرات الآلاف، كما فعلت الشهر الماضي عندما وظفت 50 ألف أمين مستودع دفعة واحدة. وتضاعف هذا التوظيف لدى شركة التجارة الإلكترونية 3 مرات في 3 سنوات.
على الجانب الآخر، وعلى أرض الواقع، فالقطاع التجاري مأزوم. فوفقاً لعدد من التقارير المتخصصة التي صدرت في الأشهر الأخيرة، يشهد القطاع إفلاس عدد من علاماته، أو مصارعة للبقاء لدى أخرى. وهذا حال سلاسل عريقة مثل «سيرز» و«جي سي بيني» و«ميسيز» التي أغلقت مئات الفروع، وألغت آلاف الوظائف، في الآونة الأخيرة.
وتؤكد مصادر نقابية وعمالية أن عام 2017، وبناء على الوتيرة السائدة منذ بدايته «سيشهد إنهاء خدمات 100 ألف موظف وعامل. ولذلك كلفة اجتماعية لأن معظم هؤلاء قد لا يجدون وظائف أخرى لأنهم من غير حملة الشهادات العلمية أو المهنية العليا. كما أن كل 4 وظائف في التجارة التقليدية لا يقابلها في الإلكترونية إلا وظيفة واحدة فقط».
إنه اقتصاد جديد، جزء من التجارة التقليدية يموت ليحل محله تسوق إلكتروني بأسعار أقل، وخيارات أوسع، وخدمات شخصية أكثر، على المقاس وحسب الرغبة، تقدم للمتسوقين الذين يتمتعون الآن بتوصيل سريع إلى منازلهم وأمكنة عملهم. ففي هذا الجانب، نرى قطاعاً سريع النمو ومتطوراً بحداثة تكنولوجية مفعمة بالإبداع والابتكار، مقابل «ديناصورات تواجه خطر الانقراض»، بحسب تعبير ورد في تقرير لأحد البنوك المقرضة للسلاسل التجارية التقليدية. أما لجوء المحال والمتاجر والسلاسل إلى الخيار الإلكتروني، بفتح منصات بيع «أونلاين» خاصة بها، فقد يرتد سلباً عليها لأن المتسوق عبرها سيستغني عن الذهاب إلى فروعها على أرض الواقع، كما أكد ذلك التقرير المصرفي الذي يوصي بـ«تخفيض الانكشاف على التجارة التقليدية».
أما بداية التحولات، فقد لوحظت منذ 2008، أي بعد اندلاع الأزمة المالية، وهبوط مداخيل شرائح واسعة من الأميركيين. فمنذ ذاك الحين، ازداد الإقبال على المنصات الإلكترونية بحثاً عن سلع أرخص.
إلى ذلك، يضاف عامل اقتصادي هيكلي لا علاقة له بتأثير التسوق الإلكتروني، وهو أنه في الولايات المتحدة الأميركية معدل 2.2 متر تجاري مربع لكل واحد من السكان، وهذا المعدل هو الأعلى عالمياً، مقابل 1.5 متر في كندا التي تأتي في المرتبة الثانية دولياً، وأستراليا ثالثة بمعدل متر تجاري واحد لكل مواطن، أما في بريطانيا فالمعدل 0.46 فقط.
ومع تراجع الإقبال على المتاجر، ارتفع معدل الشاغر في المجمعات التجارية إلى 10 في المائة، وفقاً لإحصاءات أجمعت عليها عدة مكاتب متخصصة بالاستثمار العقاري. وتشير تقارير تلك المكاتب إلى أن «إقفال المساحات التجارية في النصف الأول من 2017 بلغ 7 ملايين متر مربع، أي ما يعادل المساحات المغلقة في كامل 2016، والإغلاق في 18 شهراً يساوي ما مساحته 1900 ملعب كرة قدم».
ويعاني قطاع العقارات التجاري في الولايات المتحدة حالياً الأمرين، بحسب مكتب الاستشارات «غريت ستريت أدفايزر» الذي يؤكد أن مؤشرات هذا القطاع انتقلت من الأخضر إلى البرتقالي. فالطلب تراجع بنسبة 11 في المائة، والعوائد هبطت من 13.5 في المائة في 2015 إلى 9.2 في المائة في 2016، وتشهد هبوطاً إضافياً في 2017. فبعد أن كانت تلك المجمعات، ولعقود طويلة من الزمن، تشكل نقاط جذب للأفراد والعائلات الباحثة عن التسوق والترفيه، يتراجع الإقبال عليها منذ سنوات لأنها لم تعد تقدم جديداً. فالتجربة الممتعة لدى البعض الآن تمر عبر تصفح منصات الإنترنت، وقضاء وقت في مقارنات الأسعار، في جولات تسوق إلكتروني سهل ومشوق.
وتتأثر القطاعات بنسب مختلفة، فهناك ماركات تتعثر مثل «إيربوستال» للألبسة، و«راديو شاك» أو «إتش إتش غريغ» للإلكترونيات، أما رواد تجارة الغذاء فيقاومون جيداً، فالسيطرة مستمرة لمتاجر «وول مارت» و«كروكر». لكن شركة أمازون دخلت هذا القطاع الشهر الماضي، بشرائها متاجر «هول فودز» المتخصصة بالغذاء العضوي والطبيعي، بصفقة قيمتها 13.7 مليار دولار، علماً بأن «أمازون»، ومنذ 2008، أطلقت خدمة توصيل الغذاء، وناشطة في ذلك عبر عدة ولايات أميركية. وبشراء «هول فودز»، لا تطمح «أمازون» لتكون الأولى في هذا القطاع على المدى القصير، بل تستهدف الطبقات الميسورة غير المتوقفة كثيراً أمام عامل السعر، لأنها تفتش عن المنتج العضوي بأي ثمن أحياناً. وستحول أمازون الـ431 متجراً التابعين لـ«هول فودز» إلى «مختبر سوبر ماركت المستقبل»، كما ورد في أحد بياناتها بعد الصفقة.
وبالعودة إلى علامات التعثر، فإن شركة «سيرز»، التي تأسست قبل 131 عاماً، قالت في تقرير إلى المساهمين، وفي إفصاح موجه إلى هيئة أسواق المال بداية 2017 «إن نتائجها التشغيلية تظهر شكاً جوهرياً في قدرتها على الاستمرارية»، وكانت الشركة قد خسرت في آخر 3 سنوات 5 مليارات دولار لأسباب مختلفة، أبرزها فشل دمج شركة «كي مارت» الذي حصل في 2004. فبعدما كان للشركتين 3800 فرع في الولايات المتحدة وكندا في 2007، فان العدد الآن أقل بنسبة 50 في المائة.
إلى ذلك، فسلسلة متاجر «إيروبوستال» للألبسة اقتربت من التعثر هي الأخرى العام الماضي، وكذلك حال «راديو شاك» للإلكترونيات، كما وضعت «إتش إتش غريغ» نفسها تحت قانون الحماية من الإفلاس هذا العام، وليس حال محال «غوردمانز» للألبسة والجواهر والإكسسوارات والتجميل أفضل من ذلك. وهناك إعلانات لإغلاق 3500 فرع لسلاسل ومتاجر مثل «جي سي بيني» و«كروكس» و«ستابلس» و«أبركومبي فيتش» و«أميركان ابيرل»... وستغلق «ميسز» 68 فرعاً، من أصل 700.
وورد في التقرير المصرفي أنه خلال العشر سنوات المقبلة «ستغلق نصف المجمعات المنتشرة في الولايات، وعددها 1100، حتى أن هذه الظاهرة دفعت متخصصين لإنشاء موقع إلكتروني اسمه (ديد مول.كوم)، يرصد المجمعات التي تغلق، ويؤرخ إفلاساتها، ويسرد قصصاً عن معاناتها».
في المقابل، بات لدى شركة أمازون للتسوق الإلكتروني 285 مليون حساب ناشط على منصتها، وتعلن بين الحين والأخر توسعات وتحديثات مذهلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أطلقت في يونيو (حزيران) الماضي خدمة ملابس للعملاء المميزين (بريميوم)، تخولهم اختيار حتى 15 قطعة تصلهم إلى منازلهم للتجربة والقياس. يختارون منها، ويدفعون ما يشترونه فقط، مع إمكان خفض السعر أكثر إذا وقع الاختيار على أكثر من قطعة ملابس. وفور إعلان هذه الخدمة، هبطت في البورصة أسعار أسهم عدد من شركات النسيج والملبوسات.
ولشركة «أمازون» ميزة ليست عند أي متجر تقليدي، فباستطاعتها استناداً إلى البيانات الهائلة التي على منصتها أن تعرف أولاً بأول ماذا يفضل المتسوقون، وماذا يشترون. وبناء عليه، تستطيع التموضع حيث الإقبال والرواج. لتكون الأسرع في عرض الرائج لأن برامجها الإلكترونية ترصد الاتجاهات بشكل لحظي، بفضل مليارات النقرات التي تحصيها وتخزنها، وتحللها بلمح البصر.
ودفع ذلك ماركات عريقة وغالية وفاخرة إلى عقد اتفاقات معها لعرض منتجاتها على المنصة الإلكترونية، بعدما كانت تلك الماركات تتجنب «أمازون» لبيعها المنتجات الرخيصة، لكن مع الزمن باتت منصة لا يمكن تجاهلها لأن جيل الألفية يفضلها، ويتسوق عبرها، إذ وصلت نسبة المتسوقين من خلالها (من شريحة 18 إلى 37 سنة) نحو 17 في المائة، وتضطر الماركات الفاخرة الآن إلى اللجوء إلى «أمازون» لأن متاجرها التقليدية لا تجذب جيل الشباب.
ولا يقتصر تأثير «أمازون» على التجارة، بل يتجاوز ذلك إلى عالم التكنولوجيا نفسه، بعدما باتت منصة الشركة ثاني محرك بحث في الولايات المتحدة بعد «غوغل»، لذا قبلت الأخيرة عرضاً من «وول مارت» لعرض مئات الآلاف من السلع للبيع، في سباق محموم ستظهر نتائجه الإضافية في السنوات المقبلة، على شكل ثورة تجارية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها من قبل. فكما كانت الولايات المتحدة سباقة عالمياً في بناء المجمعات التجارية (المولات) قبل 60 عاماً، فهي الآن ترسم خريطة طريق التجارة على نحو مختلف جذرياً.



تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
TT

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)

أيد أربعة من صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي يوم الجمعة المزيد من خفض أسعار الفائدة؛ شريطة أن يستقر التضخم عند هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة كما هو متوقع.

وخفض البنك المركزي لمنطقة اليورو أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام يوم الخميس، وأبقى الباب مفتوحا لمزيد من التيسير، على الرغم من أن بعض المحللين شعروا أن إشارة رئيسة البنك كريستين لاغارد في هذا الاتجاه كانت أقل وضوحا مما كانوا يأملون.

وبدا أن محافظ البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيليروي دي غالو، وزميله الإسباني خوسيه لويس إسكريفا، والنمساوي روبرت هولزمان، وغاستون راينش من لوكسمبورغ، قد أكدوا الرسالة يوم الجمعة.

وقال فيليروي دي غالو لإذاعة الأعمال الفرنسية: «سيكون هناك المزيد من تخفيضات الأسعار العام المقبل». وفي حديثه على التلفزيون الإسباني، أضاف إسكريفا أنه من «المنطقي» أن «يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى في اجتماعات مستقبلية» إذا استمر التضخم في التقارب مع الهدف. وكان 2.3 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).

وخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الذي يدفعه على احتياطيات البنوك بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.0 في المائة يوم الخميس، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى بقيمة 100 نقطة أساس على الأقل بحلول يونيو (حزيران) المقبل.

ورفضت لاغارد التكهن بالمسار المستقبلي للأسعار، مشيرة إلى المخاطر التي تتراوح من التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة إلى عدم اليقين السياسي في الداخل، حيث إن فرنسا حالياً دون حكومة، بينما تواجه ألمانيا تحديات انتخابات جديدة، فضلاً عن التضخم المحلي المرتفع.

وألقى فيليروي دي غالو، الوسطي الذي أصبح مؤيداً بشكل متزايد للسياسة التيسيرية في الأشهر الأخيرة، بثقله وراء توقعات السوق. وقال: «ألاحظ أننا مرتاحون بشكل جماعي إلى حد ما لتوقعات أسعار الفائدة في الأسواق المالية للعام المقبل».

وحتى محافظ البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان، وهو من الصقور وكان المعارض الوحيد للتيسير، أيد عودة أسعار الفائدة إلى مستوى محايد، لا يحفز الاقتصاد ولا يكبح جماحه، عند حوالي 2 في المائة. وقال للصحافيين: «ستتجه أسعار الفائدة في هذا الاتجاه. وإذا تحققت تقييمات السوق كما هي في الوقت الحالي، فسوف تتطابق مع توقعاتنا. وإذا تطابقت توقعاتنا، فربما يتعين علينا تعديل أسعار الفائدة لدينا لتكون متسقة».

وقال راينيش من لوكسمبورغ، والذي نادراً ما يناقش السياسة في العلن، لوسائل الإعلام المحلية أنه «لن يكون من غير المعقول» أن «ينخفض ​​سعر الودائع إلى 2.5 في المائة بحلول أوائل الربيع»، وهو ما يعني على الأرجح خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) المقبلين.

بينما قلل إسكريفا من احتمال خفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وهو الخيار الذي طرحه بعض زملائه وتبناه البنوك المركزية في سويسرا والولايات المتحدة. وقال محافظ البنك المركزي الإسباني المعين حديثا: «في المناقشات التي أجريناها (الخميس)، كانت الفكرة السائدة هي أنه يتعين علينا الاستمرار في إجراء تحركات هبوطية بمقدار 25 نقطة أساس، وهو الشكل الذي سيسمح لنا بمواصلة تقييم التأثيرات من حيث انكماش التضخم».

في غضون ذلك، ظل الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو دون تغيير في أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بالشهر السابق، متجاوزا التوقعات بانخفاض طفيف، لكن البيانات تشير إلى عدم وجود تعافي في الأفق لقطاع غارق في الركود منذ ما يقرب من عامين. وجاء الرقم الذي لم يتغير، والذي أصدره «يوروستات»، أعلى قليلا من توقعات الاقتصاديين بانخفاض بنسبة 0.1 في المائة، ويأتي بعد انخفاض بنسبة 1.5 في المائة في سبتمبر (أيلول).

وأعلنت ألمانيا وفرنسا وهولندا عن قراءات سلبية خلال الشهر، بينما ظل الإنتاج الإيطالي راكدا، تاركا إسبانيا الدولة الوحيدة من بين أكبر دول منطقة اليورو التي سجلت قراءة إيجابية.

وعانت الصناعة الأوروبية لسنوات من ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة، وتراجع الطلب من الصين، وارتفاع تكاليف التمويل للاستثمار، والإنفاق الاستهلاكي الحذر في الداخل. وكان هذا الضعف أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس وخفض توقعاته للنمو، بحجة وجود حالة من عدم اليقين في الوفرة.

وبالمقارنة بالعام السابق، انخفض الناتج الصناعي في منطقة اليورو بنسبة 1.2 في المائة، مقابل التوقعات بانخفاض بنسبة 1.9 في المائة. ومقارنة بالشهر السابق، انخفض إنتاج الطاقة والسلع المعمرة والسلع الاستهلاكية، وارتفع إنتاج السلع الرأسمالية فقط.