فوزية سلامة

فوزية سلامة

الكبيرة والصغيرة

أميركا احتفلت بعيد الشكر قبل أيام. ومن طرائف الحياة أن سيدة إنجليزية صاحبت زوجها لزيارة أصدقاء له في أميركا، ودعيت هي وزوجها لتناول عشاء فاخر بمناسبة عيد الشكر.. وعنَّ لها أن تسأل مضيفها عن سر تسمية ذلك اليوم من كل عام «عيد الشكر»، فأجابها صاحب الدعوة قائلا: «إنهم يشكرون الله الذي وهب لهم أميركا». فقالت له بعفوية: «أظن أن الله وهبها للهنود الحمر». الاحتفالات في أوروبا هذه الأيام قائمة على قدم وساق استعدادا للكريسماس..

الواقع والخيال

مهما طال بي الزمن وانزلقت السنون تحت سفح العمر، لا تفارقني ذكرى نسائم ليل الصبا تهفو إليّ معطرة بعطر الحلم. أتذكر سماء القاهرة مرصعة بآلاف النجوم. وسط صمت الأحلام تلتقط أذناي همهمة بعيدة آتية من دار السينما الصيفية التي كانت قريبة من بيتنا. أتذكر صوت محمد عبد الوهاب آتيا من شرفة قريبة فتحت قلبها لرقة الليل الساكن. تأسرني اللحظة وتحملني كلمات أغنية ما زالت مفضلة لديّ إلى فضاء الأمل: «حبيبي ياللي خيالي فيك.. ياللي حياتي حتكمل بيك. مين انت؟ معرفشي.. فين انت؟ معرفشي». تجربة عمرها قرابة 50 سنة، وقصة اكتملت فصولها أو كادت.

عاشقة اللازورد

في حياتك وحياتي لحظة قد تمر من دون أن تدرك أنها مرت. إنها اللحظة التي توصلك قاب قوسين أو أدنى من قرار حكيم. يهمس في أعماقك صوت يقول ابتعد عن الصراعات والناس الذين يفتعلونها. اقترب من هؤلاء الذين يشعرونك بالصفاء. انس الإساءة وتذكر المعروف. ادع بالهداية لمن يعاملك بجفاء. العثرات جزء من رحلة الحياة، فإن تعثرت فلا تضع لحظة واحدة في الحزن والرثاء. فكر في وسيلة للنهوض واستكمال الرحلة. لم أبكِ حزنا على وفاة إنسان سوى الوالدين، ربما لأنني كنت بعيدة حين فارقا الحياة.

خارج الإطار

أحب الاشتباك مع الحياة. ويحلو لي الإنصات لما يقوله الآخر كوسيلة لإعادة ترتيب أفكاري وأولوياتي وقناعاتي. ولو قيل لي إنني من الناس الذين يفضلون الخروج من داخل الإطار إلى خارجه، لترددت في قبول هذا التوصيف، لأنني أحيانا أوصف بأنني لست داخل الإطار فحسب، بل إنني جزء من الإطار نفسه. وهذا يجانب الحقيقة، لأن ظروف الحياة دفعتني إلى خارج الإطار بقوة، بحيث ارتطم رأسي مرارا بجدرانه، إلى أن وظفت أدواتي الدفاعية لحماية رأسي المتواضع من الصدمات المتتالية. ولعل أول لقاء مع جدران الإطار حدث في بداية اغترابي.

أبيض وأسود

العلم يؤكد أن لكل فعل رد فعل مساويا له. وما بين الأفعال وردود الأفعال كدت أضل طريقي إلى الصدق رغم يقيني بأن الصدق منجاة من كل شر. منذ وصولي إلى القاهرة اكتشفت سريعا أن المواعيد وانضباطها آخر هموم القاهريين. وما بين الدهشة والإحباط والغضب الذي ينسكب كالنحاس المصهور اكتشفت أن الحادية عشرة صباحا تترجم في المعاملات إلى الحادية عشرة والنصف وربما الثانية عشرة وما بعدها. وإذا عبرت عن احتجاج علق المذنب الاتهام في عنق زحمة المرور. وبطريقة لا شعورية بدأت أوظف أدواتي الدفاعية على القريب والغريب.

أم العجايب

هذه رسالة مني إلى محبوب الملايين مع الاعتذار للموسيقار محمد عبد الوهاب الذي غناها ولحنها: قلبي بيقول لي كلام وانت بتقول لي كلام وعنية شايفة كلام والناس بيقولوا كلام احترت أصدّق مين واحترت أكذّب مين قلبي بيقول لي على الرغم مني وبحكم الظروف الصحية، غبت عن مصر لأكثر من عام، ثم عدت بقلب عاشق مشتاق، فوجدت حبيبتي وقد شاخت بدل العام الواحد 10 أعوام أو 20 وربما 50 عاما.. لا أحد يبتسم، ولا أحد يزور أو يزار خوفا من الزحام الخانق و«حزق التجول» و«الدبدبات في الشارع»، والكلام ليس لي بل للفنان عمرو عبد الجليل في فيلم «حين ميسرة». لا مجلس يجمعني بأهلي إلا ويتفجر الجدل.

قلمي وأفراحه

في لحظة فارقة من تاريخي المهني التقيته. ولم يسعدني الحظ بعدها بلقاء آخر. كنت إذا سمعت صوته القوي المفعم بالفرح.. بالحياة، تذكرت ذلك اللقاء واعتراني خجل، احتفظت به لنفسي كل تلك السنين. التقيت الفنان الراحل وديع الصافي في عام 1978، ولم أكن وحدي، بل كان بصحبتي زميل موهوب هو وفائي دياب. في مجال العمل الصحافي، يلتقي الصحافي العشرات وربما المئات من الشخصيات. بعض الشخصيات تترك أثرا وأخرى يلفها النسيان. وأنا لم أنسَ لقائي وديع الصافي أبدا؛ ربما لأنه أثناء اللقاء وظف ذكاءه الفطري وخبرته مع الصحافة والصحافيين فاستشف أنني كنت خجلى ومترددة ومرتعبة وقليلة الخبرة.

كيد النساء

المرأة قد تنسى الإساءة من حبيب أو قريب. ولكنها لا تنسى الغدر خصوصا غدر الزوج. ومن أطرف ما سمعت هذا الأسبوع حكاية امرأة تزوج زوجها عليها وقرر أن تعيش الزوجة الثانية في نفس البناية ذات الطابقين. فبقيت الزوجة الأولى وأولادها في الطابق الأرضي وأتت العروس فاحتلت الطابق الأعلى. ورغم أنني لا أعرف ما دار في عقل الزوجة الأولى وفي قلبها فإنني كامرأة أكاد أجزم بأنها حلمت بأن يكبر ابنها البكر ويختار عروسا يكون لها كأم ضلع كبير في اختيارها ثم تقام الأفراح والليالي الملاح وتأتي عروس الابن لتحتل الطابق العلوي مع عريسها قرة العين وحبة القلب.

يا أولاد الحلال مطلوب خطة

درسنا تفاصيل معركة ديان بيان فو في المدرسة تسجيلا لهزيمة الاستعمار الفرنسي في جنوب شرقي آسيا عام 1954 في حملة ما زالت تدرس في المدارس العسكرية إلى وقتنا الحاضر.. تذكرت ذلك ولم أتذكر اسم القائد العسكري الذي حقق ذلك النصر بإمكانات أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها كانت إمكانات أقل بكثير من إمكانات آلاف الجنود الفرنسيين المزودين بالسلاح والعتاد. لم أتذكر اسم الجنرال جاب إلا حين قرأت نبأ وفاته عن 102 سنة. وفي عام 1968 كان الجنرال جاب وزير الدفاع الذي اقتلع الأميركيين من فيتنام.

الدنيا لما تضحك

حين أصبح الصباح لم أكن في حالة تسمح بالضحك أو حتى بالابتسام. فقد نظرت حولي فوجدت قوارير الدواء؛ دواء الهضم وإلى جواره أقراص المضاد الحيوي ودواء لتقوية جهاز المناعة وآخر لتعويض ما أهدره العلاج الكيماوي من مخزونات الكالسيوم وفيتامين (د).. ورغم تفاؤلي المعتاد، اضطررت للاعتراف بأن الورم الخبيث نال مني. صدرت مني تنهيدة وأشحت بوجهي بعيدا عن القوارير. وفجأة، تذكرت مثلا شعبيا، فإذا بالابتسامة تهرول عائدة. أما المثل، فيقول: «يموت الزمار وأصبعه يلعب». ومعناه أن العادات المتأصلة في الإنسان لا تتراجع بسهولة.