هاشــم صالــح

هاشــم صالــح
كاتب وباحث ومترجم سوري، يهتم بقضايا التجديد الدّيني ونقد الأصولية ويناقش قضايا الحداثة وما بعدها.

المغرب المستنير

أصدر الملك محمد السادس «ظهيرا» هاما لتنظيم العلاقة بين رجال الدين والسياسة. والقانون الجديد يدخل ضمن إطار «إصلاح الحقل الديني» الذي انتهجه العاهل المغربي منذ توليه الحكم أو بعد ذلك بقليل. ومعلوم أن «المدونة» الشهيرة التي نظمت علاقات الأسرة والزواج وأعطت المرأة المغربية الكثير من حقوقها المهضومة، كانت قد لقيت صدى واسعا في الأوساط المثقفة العربية والعالمية. وأشاد بها كثيرون في الشرق والغرب. وهذه الإصلاحات الجريئة تهدف إلى حماية الدين من الاستغلال السياسي المنحرف، الذي أدى إلى كوارث كثيرة في شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي.

فلسطين والانسداد التاريخي

في الوقت الذي تنهمر فيه القنابل الحارقة على شعب غزة الفقير المحاصر وتسبب عشرات وربما مئات الضحايا الأبرياء، لا يملك المرء إلا أن يشعر بالعجز والغضب الأخرس المكبوت. لقد قيل كل شيء عن قصة فلسطين إلى درجة أنك لم تعد تعرف ماذا تقول..

العطلة الجميلة وقراءات الصيف

جلبت معي إلى المغرب أربعين أو خمسين مرجعا وأنا عائد من فرنسا. بل وحتى في مطار «أورلي» اخترت على عجل ما لا يقل عن عشرة مراجع إضافية. لحسن الحظ أن مطارات الغرب فيها مكتبات أيضا. هذا بالإضافة إلى المراجع الأخرى التي كانت مشتراة في الأشهر السابقة. بمعنى آخر لا ينقصني شيء لكي أقضي عطلة ممتعة في مغرب الخير والجمال. أقول ذلك وبخاصة أني أستمتع بخضار وفواكه قل نظيرها. فماذا ينقصك أيها الإنسان؟ احمد ربك على السلامة حتى إشعار آخر على الأقل. أضيف أني أحب الأجواء الرمضانية في المغرب وأجدها من أجمل ما يكون. ولا أبالغ إذا قلت إن إيماني يزداد أضعافا مضاعفة في الشهر الفضيل. وهذا من نعم الله على العبد الفقير.

غارودي والإسلام الصباحي المشرق

كان روجيه غارودي قد خلف وراءه كتابا ممتعا بعنوان: «الإسلام والغرب.. قرطبة كعاصمة للروح والفكر». وفيه يشخص بشكل أركيولوجي عميق جذور المرض الذي أصاب حضارتنا بعد انطلاقتها الرائعة وعصرها الذهبي، فعرقلها وجمدها وقضى عليها في نهاية المطاف. في هذا الكتاب، يرى المفكر الفرنسي الكبير أن الإسلام، على عكس ما يزعم متطرفو الغرب وحاقدوه، لم ينتشر عن طريق السيف والعنف، وإنما عن طريق ثورة ثقافية وإشعاع حضاري، ولم يكن مضادا للأديان التي سبقته من يهودية ومسيحية، وإنما مكمل لها. فالقرآن الكريم مليء بذكر المرجعيات الدينية السابقة.

الإعصار المذهبي يكتسح العرب!

كل ما كنا نتخوف منه ونخشاه أصبح حقيقة واقعة. منذ ثلاثين سنة وأنا أعرف أننا سنصل إلى هنا. منذ ثلاثين سنة وأنا أعرف أنه لا مفر من هنا. كل من لم تُصف حساباته التاريخية سوف يظل يستصرخ ويستغيث حتى ينال حقه ويشبع من مضطهديه وينتقم لنفسه. هذا ما يقوله لنا فرويد وكل علم النفس الحديث. هذا ما تقوله لنا المنهجية الجنيالوجية النيتشوية: أي منهجية الحفر الآركيولوجي في الأعماق. وهي المنهجية الوحيدة التي ينبغي تطبيقها على العالم العربي حاليا لكي يتنظف من أدرانه، لكي يخرج من جلده، لكي يتحرر من ذاته؛ فتراكماته التراثية ليست أقل خطرا عليه من الصهيونية والإمبريالية وكل الوحوش الخارجية.

جاك بيرك وإسلام التقدم

يرى البعض بأن الأطروحة المركزية لجاك بيرك تقول بأن العرب في القرن العشرين يسيرون في اتجاه الانتقال من «الزمن المقدس إلى الزمن التاريخي». ماذا تعني هذه العبارة العميقة جدا من الناحية الفلسفية؟ إنها تعني بكل بساطة أنهم قد دخلوا التاريخ أو سوف يدخلونه عما قريب كما فعلت الشعوب الأوروبية من قبلهم. إنها تعني أنهم دخلوا الحداثة العلمية والسياسية والتكنولوجية أو على وشك الدخول. ولكن في ظني أن المستشرق الفرنسي الكبير قال هذه العبارة إبان صعود الليبرالية والناصرية والقومية العربية وكل الاتجاهات التقدمية والتحديثية. بمعنى آخر، فإنها تعود إلى الخمسينات أو الستينات من القرن الماضي..

تكفيريون وديمقراطيون!

يشكِّل الإسلام والمسلمون الشغل الشاغل لمفكري الغرب وقادته السياسيين حاليا. هذا ما لمسته لمس اليد أثناء تجوالي في العديد من المكتبات الفرنسية مؤخرا. فالكتب الصادرة عنا في الآونة الأخيرة لا تُحصى ولا تُعد، فيها الغث وفيها السمين. من بين المشغولين بنا وقضايانا نذكر الكاتب الفرنسي فيليب ديريبارن، وهو عالم اجتماع وكان أحد كبار التكنوقراط في عهد الرئيس الأسبق جورج بومبيدو، كما أنه باحث في المركز القومي للبحوث العلمية الفرنسية، وهو من مواليد الدار البيضاء في المغرب عام 1937، وبالتالي فالعالم العربي أو الإسلامي ليس غريبا عليه.

عبد النور بيدار والإصلاح الديني

منذ بضع سنوات وأنا أسمع باسمه دون أن أقترب منه عن كثب. أقصد دون أن أطلع على أفكاره بشكل دقيق ومطول. ذلك أني لا أعرفه شخصيا. ولكن، هل المعرفة الشخصية ضرورية؟ ألا تكفي الكتب؟ أليست هي عصارة الإنسان، والشهادة التي تبقى منه على مدار الأجيال؟ كنت أشعر بأنه مهم، بأن عنده شيئا ما لكي يقوله عن الإصلاح الديني في الإسلام. كنت أشعر بأن عنده نبرة خاصة، بأنه مهموم بالموضوع بشكل شخصي لا أكاديمي بارد. أكاد أقول: كنت أعرف بأنه «مصاب» بالمشكل الإسلامي بل و«مفجوع» على طريقة الكبار من أمثال كيركيغارد أو نيتشه أو محمد إقبال. أحترم هذا النوع من الكتاب المجروحين من الداخل، إنهم ينزفون.

فلسفة التاريخ العربي

هل تنطبق علينا قوانين فلسفة التاريخ أم لا؟ هل نستعصي عليها أو تستعصي علينا؟ مبدئيا، نحن بشر مثل بقية البشر. ومن ثم، فقوانين علم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والطب والصيدلة والهندسة تنطبق علينا مثلما تنطبق على الروس أو الصينيين أو الفرنسيين أو الأميركان... إلخ. فلماذا لا تنطبق علينا قوانين التطور التاريخي؟ أطرح هذا السؤال لأني أجد احتجاجا واضحا، بل وامتعاضا من تطبيق النقد الفلسفي على التراث بغية تحريره من الداخل. وهي الطريقة الوحيدة للتحرير بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة المراهقة فكريا وغير الناضجة.

داريوش شايغان وعبقرية الغرب

يعتبر داريوش شايغان أهم فيلسوف إيراني معاصر. وهو حتما أحد أهم المفكرين على مستوى العالم الإسلامي كله. وتكمن ميزته في إتقانه عدة لغات وعدة ثقافات دفعة واحدة. وهو يكتب بالفارسية والفرنسية على حد سواء. إنه ليدهشك بسعة اطلاعه وتنقله في نفس الصفحة تقريبا من مرجعيات الفكر الألماني إلى مرجعيات الفكر الإنجليزي أو الإيطالي، ناهيك بالفرنسي، وناهيك بالفكر الهندي البوذي! شيء يدوّخ العقل. وبالتالي، فليس من السهل على جهلة من أمثالنا أن يفهموه أو يستوعبوا كل هذا التبحر في العلم. وهو بارع في تشخيص أزمة العالم الغربي من جهة، وأزمة العالم الإسلامي من جهة أخرى.